كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
لا ثابت في أرقام عدد عناصر “حزب الله” الذين يسقطون في سوريا، فهم في حالة ارتفاع دائم تتبدل بين لحظة وأخرى، وما يصعُب على الحزب كشفه في لحظته، تتكفّل به مواقع حلفائه الإخبارية، في لبنان وسوريا وكأنها عملية تنسيق مُسبق تقوم على التسريب قبل التأكيد، رغم خروج الحزب من عقدة الإحراج في إعلان اسماء عناصره، بعدما حوّل الموت في بيئته إلى مواساة ينال على اثرها صاحب المصاب وعداً بدخول الجنّة.
لم يعد الموت بالنسبة إلى الأهالي في بيئة “حزب الله” وجمهوره، عامل قلق ولا سببا رئيسيّاً لأحزانهم وأوجاعهم بعدما تحوّل إلى خيار أوحد يرسم بينهم وبين الحياة حدّاً فاصلاً يمنعهم من البوح بأسرار تؤلم أيامهم وتكاد تلتف حول رقابهم، فلا يجدون غير الحزن والبكاء طريقاً يُعيدهم إلى الذات ليبحثوا في داخلها عن فلذات أكباد كانوا بالأمس بينهم يتلمسون وجوههم ويتحسسون وجودهم قبل أن يقفوا عند أعتاب حجارة حالت دون رؤيتهم أو حتّى سماع أصواتهم. لم تعد هناك مشكلة لدى “حزب الله” في أن يُعلن عن سقوط عدد من عناصره في سوريا أو في أي مكان في العالم طالما أنهم يسقطون تحت شعار “الواجب الجهادي”. واجب يُحتّم أو يفرض على كل منزل أن يتقبل مصائبه بفرح ورضى وبـ”أسمى آيات التبريكات” وتقبّل التهاني بدل التعازي وعندها يُصبح الموت “عادة” وتتمثل الكرامة بـ”الشهادة”. وهنا تتحوّل الحياة كما الموت، إلى رهن إشارة من قيادة تبرع في تفصيل الأكفان والنعوش بمقاسات متعددة ومختلفة تتمدد في داخلها أجساد تعبت من التنقل على جبهات الموت.
منذ أيام، تناقلت مواقع تابعة لحلفاء “حزب الله” صورا وأسماء لعناصر من الحزب قيل إنهم سقطوا خلال تأديتهم “الواجب الجهادي”، وقد راوح عددهم بين ستة وثمانية عناصر ومن دون أن يصدر أي بيان رسمي عن دائرة إعلامه الخاص. لكن ما هي إلّا ساعات قليلة حتّى ارتفع العدد إلى خمسة عشر عنصراً والمفارقة أن من بينهم من هم أقرباء ما زاد من حجم المصائب داخل عدد من العائلات والبلدات أيضاً على غرار ما حصل في بلدة الطيبة الجنوبية التي خسرت ثلاثة شبان من بينهم العنصر محمد علي نعمية الذي كان قد خسر منذ فترة وجيزة ابن شقيقته حسن حجازي.
داخل بيئة “حزب الله” الريفيّة، يُشبّه الأهالي مقتل أبنائهم بالموت العابر للقرى والبلدات بحيث يزور بيوتهم في كل يوم ليحصد منهم خيرة شبابهم. لكن في المقابل يُصر الحزب على جعل جمهوره يكتوي بنيران حروب يبتكرها هو ويُلاحق شرارتها من مكان إلى آخر ليعود في كل فجر ويزفّ اليهم أخباراً موجعة وروايات مجبولة بالدماء، وإن حصل أي تباطؤ أو تلكؤ في عملية نقل الأسماء، يقوم حلفاء “حزب الله” بالنيابة عنه في اعلان الأسماء وهو ما قامت به فعلاً أمس الأوّل عندما أعلنت عن سقوط خمسة عشر عنصراً خلال أقل من 48 ساعة، قالت إنهم سقطوا على عدة محاور وليس في منطقة واحدة وهم: حسن علي اسماعيل ملقب بـ”ضياء” زوطر الشرقية الجنوبية، بسام شيت “مستشعف” كفركلا، علي حسين مبارك “جعفر” الطيبة، محمد محسن علي ايوب “سراج” زفتا الجنوبية، محمد علي مرتضى “سيد امير” دير قانون، علي محمد ابو زيد علي النهري، احمد حسن الحسيني “عياش” مشغرة، مالك طالب الزين الخيام، محمد ناصيف السموري شحور، عباس الموسوي النبي شيت، حسن احمد معتوق صير الغربية، محمد غالب الصفاوي قناريت، محمد حسين ابراهيم كوثرية السياد، علي اسامة العنوني وعلي قاسم شري خربة سلم.
هي توصيفات “ملائكية” يهدف “حزب الله” من ورائها إلى إعلاء شأن الحرب التي يخوضها ومنحها منازل دينيّة متقدمة، مرّة تحت مُسمّى”عقائدية” ومرّات “إلهية” تماماً كما سبق وفعل خلال حرب تموز 2007، وذلك في محاولة منه للبحث عن أسباب تخفيفية أمام جمهوره ترفع عنه مسؤولية الدماء التي يُقدّمها “قربانا” لكرسي بشّار الأسد وتبعده عن المحاسبة والمُساءلة، أقله في الوقت الراهن. وفي الأيّام الاخيرة، بدأت تتكاثر أعداد الضحايا بين ليلة وضحاها بشكل مخيف، ما يُنذر بأيام صعبة بدأت تتسلّل إلى داخل بيئة تحوّلت إلى هدف ثابت داخل الحدود وخارجها، من دون أن تجد من يرفع عنها شبح موت ينتظرها عند كل مفرق بأشكال مختلفة.