Site icon IMLebanon

شماس: السلسلة التجارية مأزومة

nicolas-chammas-1

الصورة العامة للحركة التجارية في أسواق مختلف المناطق اللبنانية، على أبواب عيدي الميلاد ورأس السنة لا توحي بالتحسّن، في غياب أي تغيرات، إن على الساحة السياسية اللبنانية، أو على الساحة الأمنية الإقليمية، أو حتى في التوقّعات لأي تطوّرات إيجابية في المدى المنظور. وبالرغم من استمرار العروض المغرية والتخفيضات المرقومة والتسهيلات التى يقدّمها التجار مرغمين، بقيت الحركة في الأسواق، إن وُجدت، بدون بركة، وعجلة الاستهلاك المحلي مكبلة، والآفاق غير واضحة المعالم، في ظل ملامح مشهد بات معهوداً لدى الأسواق، لا يعززه أي جديد على العوامل الميسرة للحركة.

يمكن اختصار صورة الوضع العام بالجمود الاقتصادي، وبتزايد أرقام البطالة في المجتمع، وبضغوط شديدة على القدرة الشرائية لدى الأسر اللبنانية، وبالتفكير في الهجرة بحثاً عن لقمة العيش.

حول الحركة التجارية في الأسواق اللبنانية، في المحافظات كافة، على بعد أيام من عيدي الميلاد ورأس السنة، يشير رئيس جمعية التجار نقولا شماس لصحيفة “السفير”، الى أن “سنة 2015 هي سنة إضافية ضاعت على الاقتصاد اللبناني، بحيث إن نسبة النمو المتوقعة ستكون صفراً، في احسن الاحوال، ما يعني تراجعاً في الدخل الفردي لكل موطن”. لكنه يقول ان اسباب هذا الاداء المخيِّب معروفة، وهي التراجع المطرد في الاستثمارين العام والخاص، كما وفي الاستهلاك والتصدير”.

يلفت شماس الانتباه الى ان الاستثمار العام المتمثل بالإنفاق على البنية التحتية معطل منذ أكثر من عقد، بسبب غياب الموازنة العامة، والانفاق يقتصر على الحد الادنى من الصيانة، والنتيجة هي تراجع في النمو الاقتصادي، فضلاً عن استهلاك شبه تام للبنية التحتية”.

“اما الاستثمار الخاص، من قبل القطاعات الانتاجية فهو، كما يقول شماس، ينحسر بدليل تراجع قروض كفالات ووتيرة التسليف المصرفي”، معيداً ذلك “الى انعدام اليقين وغياب فرص الاستثمار المجدية. اما الاستهلاك، وهو يمثل 80 في المئة من الناتج المحلي، فتراجع هو الآخر بدليل تقلص حجم مقاصة الشيكات بنسبة 7 في المئة للمرة الاولى منذ عقود”.

وفي ما خصّ التصدير، فيقول شماس، إنه “يبقى على مسار انحداري للسنة الثانية على التوالي (بالرغم من كفاءة الصناعة اللبنانية) بسبب الأوضاع الإقليمية، فضلاً عن فقدان القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية”.

يبني شماس على كل ما تقدّم، ليشدد على ان “الاقتصاد اللبناني في حال من المراوحة السلبية، مما اضطر وكالات التصنيف الدولية الى وضع ترقب سلبي للاقتصاد الللبناني”. بالرغم من ذلك، يرى رئيس جمعية التجار “العلامة المضيئة الوحيدة في القطاع النفطي والقطاع المصرفي، حيث إن السياسة النقدية الحكيمة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والإدارة الكفية للقطاع المصرفي، ينقذان الاقتصاد الوطني من الوقوع في المحظور”، مبدي أسفه “ان لبنان لم يستفد من ظاهرتي تراجع اسعار النفط وسعر صرف ليورو الا بالحد الادنى”.

يضيف شماس “أن المالية العامة لا تزال تسجل عجزاً في الموازنة العامة، وارتفاعاً مقلقاً في الدين العام، وذلك بالرغم من ارتفاع التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان. اما في موضوع اليورو، وبالرغم من ان المشتريات بهذه العملة تفوق 40 في المئة من الاستيراد اللبناني، فلم تتحرك الاسواق كما كان متوقعاً. فبحسب ادارة الاحصاء المركزي تراجع مؤشر الاسعار بنسبة سنوية تفوق 4 في المئة ما بين تشرين الأول 2014 وتشرين الأول 2015، الا ان ذلك لم يكن كافياً لجذب المستهلك، بسبب ذوبان القدرة الشرائية لدى الاسر اللبنانية”.

تناول شماس، ايضاً، في حديثه لـ “السفير” مؤشر جمعية تجار بيروت ـ فرنسبنك لتجارة التجزئة، ويلفت الانتباه الى ان “نسبة التراجع الحقيقي بين الفصل الثالث من 2015 والفترة المماثلة من 2014 تجاوزت 4.5 في المئة، بالرغم من التحفيزات والحسوم المغرية التي يقدمها التجار خارج الفترات المخصصة لحملات كهذه. ان الهم الاكبر لدى التجار هو كيفية التعامل مع الشح في السيولة وادارة المراكز المالية لديهم (cash flow). إن السلسلة التجارية برمّتها مأزومة، بدءاً من تاجر التجزئة الذي يضطر الى اللجوء المتزايد الى التخفيض والتقسيط، مروراً بتاجر الجملة الذي تحول الى مصرف صغير لتمويل عملائه، وصولاً الى المورِد الذي يحمل عبء هؤلاء واولئك. وان القطاع التجاري بالاضافة الى التسليفات المصرفية التي تفوق 12 مليار دولار، يرضخ تحت وزر الديون “البينية” التي تفوق 5 مليارات دولار، تحت تسمية الذمم التجارية التي يصعب تحصيلها”.

يشدد شماس على ان “القطاع التجاري كان يتطلع، مع بداية 2015 الى أداء مقبول، خصوصاً أن الوضع الامني كان مستقراً الى حد بعيد، باستثناء تفجيرين ارهابيين في منتصف تشرين الثاني المنصرم، لكن تبين، للأسف، ان الاستقرار الامني شرط ضروري لكنه غير كافٍ لضمان تنشيط العجلة الاقتصادية، ذلك لان الاستقرار السياسي هو ايضا عامل ضاغط على الساحة الاقتصادية. والإنجاز الوحيد الذي يسجل للطبقة السياسية كان تشريع الضرورة الذي جنّب لبنان الوقوع الى درك مجموعة الدول المنبوذة، فضلاً عن إنقاذ قروض ميسّرة طال انتظارها لتحريك مشاريع عامة حيوية”.

ولاحظ شماس ان “المعاناة التجارية تنسحب على مساحة الوطن، اذ ان الجسم التجاري واحد، فما يسري على العاصمة ينسحب ايضاً على سائر المحافظات، فلا زاوية من لبنان بمنأى عن التراجع الاقتصادي العام”.

وفي ما خصّ تحرّك الهيئات الاقتصادية والصرخات والتحذيرات التي أطلقتها، يؤكد شماس أنها كانت “صائبة ومؤاتية، وليس من باب التهويل. فاليباس الاقتصادي الذي حذرنا منه منذ سنوات صار سيد الموقف على القطاعات كافة ولم نجد آذاناً صاغية بمواضيع عدة، ابرزها: اطلاق طاولة حوار اقتصادية، إعادة إحياء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، التعامل بجدية مطلقة مع موضوع النزوح السوري الذي بات يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد والمجتمع اللبنانيين”.

أخيراً أبدى رئيس جمعية التجار أمله في “أن تتلقف الطبقة السياسية هذه العناوين الملحة خلال العام 2016 للتخفيف من وطأة الازمة الاقتصادية والمعيشية. ويرتبط ذلك بأحد الاحتمالين: اما أن تنتظم الحياة المؤسسية رئاسياً وحكومياً ونيابياً، فيلتقط الاقتصاد أنفاسه ساعتذاك، ويسجل نسبة نمو قد تفوق 4 ـ 5 في المئة، أما إذا بقيت الطبقة السياسية في المراوحة والدوران حول الذات، فقد يستمر الاقتصاد الوطني في منحاه السلبي الحالي، مما يغذّي ظاهرة البطالة والهجرة واليأس لدى اللبنانيين”.