فتح الطعن الذي تقدّم به نواب اللقاء الديموقراطي بحقّ قانون استعادة الجنسية الحديث مجدداً عن القانون وخلفياته وإشكالياته. النقاش في القانون يتعدّى “التوطين” و”التجنيس” و”حقوق المسيحيين” إلى حصّة المسيحيين الأرثوذكس في النظام السياسي وإعادة الجنسية “لمن يستحقها” من الدروز السوريين!
في جلسة “تشريع الضرورة” في 12 الشهر الماضي، جرى “البازار” بين “الكتل المسيحية” الرئيسية وتيار المستقبل: أُقرّ قانون استعادة الجنسية الذي كاد يتحوّل مطلباً مسيحياً “تاريخياً” في مقابل حزمة من القوانين المالية التي كان التيار الأزرق يحرص على تمريرها. أسقط المستقبل تحفظاته “التاريخية” على القانون، متجاوزاً ان الرئيس الراحل رفيق الحريري كان أول من سجّل اعتراضه على المشروع، عندما رفض توصية مؤتمر البرلمانيين المتحدرين من أصل لبناني الذي انعقد في بيروت عام 1994 بـ”ضرورة إصدار قانون يسمح للمغتربين باستعادة الجنسية”.
في “بازار تشريع الضرورة”، اعتقد كثيرون بأن هذا الملف قد طوي الى غير رجعة، قبل أن يعيد النائب وليد جنبلاط فتحه مجدداً، عبر طعن في القانون تقدمت به كتلة “اللقاء الديمقراطي” أمام المجلس الدستوري، طالبة “تعليق” العمل به. ويعيد الطعن البحث في القانون وإشكالياته إلى الواجهة، بما يشمل خلفيات المطالبة به والاعتراض عليه، وتالياً يفتح النقاش حول “اللعبة” الديموغرافية والعددية في الكيان اللبناني، وهواجس “توطين” الفلسطينيين واللاجئين السوريين، والمرحلة الدقيقة التي يمرّ بها النظام السياسي اللبناني، على وقع التحوّلات السورية وتغيّرات المنطقة.
القانون نص في إحدى مواده على أن كل مغترب يحقّ له استعادة الجنسية “إذا كان مدرجاً، هو أو أحد أصوله الذكور لأبيه أو أقاربه الذكور لأبيه حتى الدرجة الرابعة، على سجلات الاحصاء التي أجريت بعد إعلان دولة لبنان الكبير، أي سجلات 1921-1924 مقيمين ومهاجرين، وسجل 1932 مهاجرين، الموجودة لدى دوائر الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات”، مع شرط “ألا يكون المدرج اسمه قد اختار صراحة أو ضمناً تابعية إحدى الدول التي انفصلت عن السلطنة العثمانية، وفقاً لأحكام المادة 3 من القرار 2825 تاريخ 30-8-1924”. وهذا الشرط تحديداً هو ما تعترض عليه كتلة “اللقاء الديمقراطي” باعتباره “مخالفاً لأحكام الدستور”، ومسبباً في حرمان عددٍ من مستحقي استعادة الجنسية من اللبنانيين ممن يستثنيهم القانون.
ويوضح النائب أكرم شهيّب لـصحيفة “الأخبار” أن “كل قانون هدفه احقاق العدالة، ومن العدالة أن يحصل المغتربون والمهاجرون على الجنسية اللبنانية، ولكن ليس العدالة الانتقائية. فالشرط الوارد في القانون ليس عادلاً لأنه يستثني جزءاً من اللبنانيين من الحصول على الجنسية، وهم أولئك الذين اضطروا للحصول على جنسيات الدول المحيطة كسوريا أو فلسطين أو الأردن أو تركيا، وبينهم لبنانيون من طائفة الموحدين الدروز والأورثوذكس والأرمن”. ويضيف أن “القانون فُصّل على مقاس طائفي وسياسي معيّن”.
وفيما يضع نواب مؤيدون للقانون خطوة “اللقاء الديموقراطي” في خانة الردّ على اعتراض التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية على مسعى جنبلاط والرئيس سعد الحريري بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية و”الاستمرار بمصادرة حقوق المسيحيين”. ويجهد نوّاب “تكتّل تغيير والاصلاح” لرفع “الشبهة” الطائفية عن القانون، برغم اعترافهم بأن القانون، على ما يقول أحد النواب، يضمن “استعادة عددٍ لا بأس به من اللبنانيين المسيحيين المهاجرين جنسياتهم، ويعيد ارتباطهم بلبنان، في ظل موجة الهروب المسيحي من الشرق”، لكنّه يؤكّد أن “الأرقام لا تظهر أن المسيحيين يمثلون الكتلة الأكبر من مستحقي الجنسية، بل على العكس، هناك الكثير من المسلمين، ولا سيما الشيعة، يستحقون الجنسية”. ويبرّر نائب التغيير والاصلاح وضع الشرط في متن القانون، بأنه “لا يمكن فتح الباب أمام تجنيس مواطنين من الدول المحيطة، في ظلّ وجود الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، لأن لبنان يرفض التوطين ويتمسّك بحقّ العودة،إضافة إلى الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين، ونحن نعرف أن بلداً مثل لبنان يسهل فيه الحصول على أوراق تثبت وجود أحد فروع السوريين أو الفلسطينيين في الاحصاءات”.
وفي غياب الأرقام والاحصائيات، يصعب التكهّن بأعداد المهاجرين الذين قد تستقطبهم استعادة الجنسية و”طوائفهم”، وتؤكّد المديرة العامة للمؤسسة المارونية للانتشار هيام البستاني لـ “الأخبار” أنه “لا أرقام محددة وأكيدة لأعداد المغتربين الذين تقدّموا للحصول على جنسياتهم أو لتسجيل أولادهم في مكاتب المؤسسة أو القنصليات اللبنانية منذ بدأت المؤسسة العمل والتوعية بين 2007 و2009”، لكنّها تعوّل على “أرقام مرتفعة من المسيحيين، ولا سيما الموارنة منهم”، فيما تُقدر مصادر أخرى أعداد اللبنانيين المغتربين الذين تقدّموا للحصول على الجنسية أو سجلوا أولادهم بـ40 ألفاً منذ 2009.
على أن الاعتراض على القانون لا يقتصر على نواب “اللقاء الديموقراطي”. فقد سُجّلت أيضاً اعتراضات عددٍ من النواب الأرثوذكس، على رأسهم نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري. ويقول الأخير لـ “الأخبار” إن “القانون يحرم عدداً كبيراً من أبناء الطائفة الأورثوذكسية ممن اضطروا للحصول على جنسيات الدول المحيطة، من استعادة الجنسية. والأمر نفسه بالنسبة الى الأرمن”.
ويعطي عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب أنطوان سعد مثالاً على ذلك في منطقة راشيا، فـ”هناك المئات من أبناء المنطقة من الأرثوذكس الذين اضطروا للنزوح إلى دمشق، ولا يزال لديهم أقارب هنا، وهناك عددٌ لا بأس به من الدروز الذين نزحوا إلى سوريا”.
ويذهب مصدر أرثوذكسي بعيداً في الحديث عن خوف من “الطغيان العددي الإسلامي ــ الأرثوذكسي، في ظلّ تناقص أعداد الموارنة وهجرتهم”. وأوضح أن “إزالة الشرط من متن القانون يسمح بتقدّم عدد من الأرثوذكس السوريين والفلسطينيين بطلبات للحصول على الجنسية، بما يغيّر التوازن العددي داخل الكتلة المسيحية اللبنانية، ما يعيد البحث في استئثار الموارنة بالمواقع المسيحية الرئيسية، وعملية التهميش التي تسببها الصيغة اللبنانية وقوانين الانتخاب المتتالية بحقّ المسيحيين الأورثوذكس، أكثر بكثير مما تسببه للموارنة”!
في المقابل، يتهم مصدر في التيار الوطني الحر “تيار المستقبل الذي لا يريد أن يظهر مجدّداً ضد حقوق المسيحيين، بالاعتراض على القانون على لسان مكاري”. أما جنبلاط “فيريد تجنيس ما لا يقلّ عن 500 عائلة من الدروز السوريين من أبناء جبل السماق وجبل الدروز من النازحين خلال الأزمة إلى الشوف وعاليه، وممن لديهم فروع في لبنان من الدروز في سوريا والأردن”. وتقول المصادر إن “جنبلاط يريد تحصين واقعه الانتخابي في الشوف تحديداً عبر التجنيس، في ظلّ ارتفاع موجة الهجرة وتناقص أعداد الدروز اللبنانيين”. غير أن مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي تضع الطعن في خانة “إعطاء الحق لمن يستحق”، وتسأل “أيهما أحقّ بالجنسية: من يعيش في البرازيل منذ 80 عاماً ولم يعد يربطه بلبنان شيء، أم ذو الأصل اللبناني الذي يعيش على مقربة من الحدود ولا يزال لديه أقارب وأهل وارتباط بلبنان؟”.
تنفي مصادر نيابية في التيار الوطني الحر أن تكون خطوة القياديين في التيار ناجي حايك ووديع عقل بتقديم شكوى للكنيسة المارونية تطلب إلقاء الحرم الكنسي على النّواب إيلي عون وفؤاد السعد وهنري حلو، بسبب توقيعهم على الطعن المقدّم من كتلة اللقاء الديموقراطي بحقّ قانون استعادة الجنسية، بإيعاز من التيار، برغم أن تعاطي وسائل إعلام التيار مع الشكوى توحي بالعكس. ويقول المحامي وديع عقل إن “النائب وليد جنبلاط يريد أن يعرقل كل ما يتفق عليه المسيحيون، وما قام به النواب يخضع لإرادة جنبلاط لا لإرادة الناخبين”، آملاً أن تصل الشكوى إلى الغاية منها بإلقاء الحرم الكنسي. مصادر رفيعة في البطريركية أكّدت لـ”الأخبار” أن “الكنيسة تدرس أي شكوى تصل إليها”، لكنّها لا تتوقّع أن تأخذ الشكوى مداها، “لأن ما فعله النواب يكفله دورهم كنواب في الطعن بالقوانين”. من جهته، يسخر السعد من الشكوى، ويقول لـ”الأخبار”: “أنا بعلاقتي بالكنيسة وبالفاتيكان بعمل عليهم حرم، مش هنّي”!