أيام قليلة تفصلنا عن إنتهاء العام الحالي، ولا تزال أزمة النفايات تراوح مكانها. يستثنى من ذلك، المباحثات الدائرة في مشروع ترحيل النفايات الى الخارج، والتي شارفت على الإنتهاء وفق ما أعلنه وزير الزراعة أكرم شهيب، بعد إجتماع اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف النفايات الأربعاء. لكن إنهاء المعنيين لمباحثاتهم لا يعني أبداً أن أزمة النفايات ستحل في الوقت القريب. إذ إن خيار الترحيل يحتاج بعد طرحه أمام مجلس الوزراء المتوقع إنعقاده في اليومين المقبلين، إلى التوافق أولاً على الترحيل نفسه كخيار مرتفع الكلفة، والتوافق ثانياً على كيفية صرف المستحقات المالية التي ترافق الخيار.
أن تشارف مباحثات الترحيل على الإنتهاء، لا يعني أبداً الدخول في مرحلة التنفيذ قريباً. هذا ما تؤكده ردود الفعل السلبية التي صدرت في اليومين السابقين من قبل وزراء “تكتل التغيير والإصلاح” ورئيس “كتلة المستقبل النيابية” فؤاد السنيورة، الذي وصف – الأربعاء – خيار الترحيل “باللا معقول”، علماً بأن بيان الكتلة الذي صدر الثلاثاء أشار إلى القبول بخيار الترحيل كخطوة مرحلية ومؤقتة.. ما يشي بتأخر إنتهاء المباحثات القائمة، ولذلك قررت اللجنة الوزارية عقد إجتماع لها عصر الخميس لاستكمال البحث في الملف.
ويجري حالياً التعتيم على مضمون المباحثات القائمة، خوفاً من تسجيل الإعتراضات المسبقة على خيار الترحيل، من قبل الحراك المدني والجمعيات الأهلية والبيئية أو السياسيين، كونه الأكثر كلفة بين الخيارات التي طرحت سابقاً، إذ تقدر كلفته بنحو نصف مليار دولار سنوياً. لاسيما وإن القبول بهذا الخيار يترافق مع مستحقات مالية يجب دفعها مقابل جمع النفايات وفرزها وتعقيمها ومن ثم توضيبها ليتم شحنها الى الخارج، ولا تزال آلية دفع الأموال المترتبة على ذلك مجهولة. مع الاشارة الى انه يتم التداول بخيار الإعتماد على أموال البلديات المستحقة على الدولة، لتغطية الكلفة المطلوبة، وهو خيار لن تقبل به معظم البلديات التي استبعدت عن المباحثات ولم يؤخذ برأيها، وفق ما يؤكده نائب رئيس بلدية بيروت نديم أبورزق لـ “المدن”، فبرأيه “المسألة لا تزال غامضة حتى اليوم بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في جلسة مجلس الوزراء المقبلة، عندها نتمكن من الخروج بموقف محدد للمجلس البلدي من كل ما يجري”.
غير ان رئيس إتحاد بلديات “الغرب الأعلى والشحار” وليد العريضي، يرفض تحميل البلديات عبء كلفة الترحيل، ويشير لـ “المدن” الى ان “الحديث القائم حالياً يتمحور حول تحميل البلديات المعنية كلفة الكنس والجمع، أي أن يتم قطعها تلقائياً من أموال البلديات، كما وصلنا أنه تم تسجيل إعتراض من قبل وزارة المال حول تكاليف الترحيل نفسها”. مضيفاً ان هناك شركات قدّمت للإتحاد عروضاً لمعالجة النفايات تقدر بنحو 70 دولاراً للطن، فيما يتم الحديث عن ان كلفة الترحيل ستكون حوالي 260 دولاراً يضاف إليها كلفة تلزيم خدمة الكنس والجمع والتعقيم والتوضيب لتفوق بذلك المبلغ المذكور بكثير. وبرغم ذلك، يقول العريضي: “لن نستبق الأمور”. وفي معرض الحديث عن الأكلاف، اعتبر وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد إجتماع اللجنة الوزارية الأربعاء، أن “الأرقام المتداولة عن أسعار ترحيل النفايات غير دقيقة ومبالغ فيها”.
من جهة أخرى، فإن مستحقات البلديات نفسها، المتراكمة منذ العام 1994 وحتى العام 2014، بلغت 1920 مليار ليرة، ولا يزال مرسوم صرفها خاضعاً للتجاذبات السياسية، وهو ما أكده وزير البيئة محمد المشنوق الأربعاء، بالقول ان “الخلاف القائم سياسي وليس بيئياً”، فـ”جميع الخطط والحلول لم تبصر النور ليس لعدم صلاحيتها بل بسبب الصراع السياسي القائم في البلد، والإختلاف على الحل بين مختلف الأقطاب السياسيين”.
وتجدر الإشارة الى انه وفقاً لمعلومات محطة الـ LBC، هناك “4 شركات دولية قدمت عروضها للترحيل، وهي شركات بريطانية، هندية، هولندية وأوكرانية. ولن تنجح الهندية والأوكرانية بعبور المرحلة الأولى التي ستلتزم الترحيل عن طريق عقود التراضي من دون إجراء مناقصات. وحالياً يتركز عمل الشركتين على تخفيض السعر الى ما دون 150 دولار، على أن يفوز عرض الشركة الأقل سعراً”. وفي جميع الأحوال، تشترط الشركات أن “ترسل النفايات الى المرفأ مرتبة وموضبة لتنقل الى الخارج”، مع الاشارة الى ان “كلفة التصدير ستصل الى ما بين 220 و240 دولاراً للطن. وفي السياق عينه، يتم الحديث عن تقدم أربع شركات نفطية بعروض لشراء طن النفايات بقيمة تفوق 250 دولار في حين تشتري الشركات طن النفايات في بريطانيا بقيمة 60 دولار، على أن يتم شحنها عبر البحر. ما اعتبره الخبير النفطي ربيع ياغي، “موضوعاً خارج الربط، فلا علاقة أبداً بين عمل الشركات النفطية ومسألة معالجة النفايات، وإن حصل ذلك فعلاً فإنه يأتي في إطار الإستثمار في النفايات، لبيعها تالياً إلى معامل الكهرباء مثلاً”.
نقاط خلافية تظهر في خضم الإجتماعات التي يفترض بها حل ازمة النفايات. ومن كلفة الترحيل الى الجهة التي ستتحمل الكلفة، تزداد الصعوبات التي تغذيها الخلافات السياسية والبحث عن شركات تستوفي شروط المناقصات.