عزة الحاج حسن
عمدت العديد من الحكومات اللبنانية على مدى عقد من الزمن للهروب الى الأمام في تناولها لغالبية القضايا الإقتصادية والإجتماعية، فـ”تفنّنت” في ابتكار الحلول المؤقتة حيناً واعتماد اللاحلول أحياناً كثيرة، حتى بات بعض الأزمات الإقتصادية اشبه بـ”كرة ثلج” يتضاعف حجمها على مر الوقت.
ولا نغالي إذا اعتبرنا أن غياب السياسات الإقتصادية والخطط التنموية يشكّلان السبب الأبرز لشبه الإنهيار الإقتصادي الذي يعانيه البلد اليوم، وتأتي “معظم” إذا لم نقل “كلّ” الأزمات تحت خانة “غياب السياسات الإقتصادية”.
غالبية الأزمات الإقتصادية التي تترقب حلول العام الجديد 2016، تشكّل امتداداً للسنوات السابقة، ولا يبدو لها أي أفق، وخير مثال أزمة غياب الموازنات العامة منذ العام 2005 وحتى اليوم، فتلك تعتبر “أم” الأزمات، لاسيما أن غياب الموازنات عمّم الفوضى المالية وعزّز مسارب الهدر والفساد في إدارات الدولة، كما جعل من عملية الإنتظام المالي غاية بعيدة المنال.
ومع غياب أي بوادر لبحث وإقرار موازنة العام 2016 التي تم رفعها الى مجلس الوزراء في شهر أيلول الماضي بحسب المهل القانونية، يبقى الإنفاق على قاعدة الإثني عشرية أمراً واقعاً، ويبقى بطبيعة الحال في إطار الفوضى المالية وغياب الرقابة، الأمر الذي يشكل سبباً مباشراً لارتفاع العجز الى أكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي، ما ينعكس سلباً على التصنيفات الإئتمانية للدولة والقطاع المصرفي، المموّل الرئيسي للديون السيادية اللبنانية.
لا تختلف أزمة النزوح السوري عن “أم” الأزمات، أي أزمة الموازنات العامة، من حيث الحجم والخطورة، فأعداد النازحين السوريين الى لبنان تجاوزت المليون ومئتي ألف نازح (مسجلين) منذ بداية الأزمة السورية، ما يشكلون نحو ربع حجم السكان في لبنان وبلغت تكلفتهم نحو 2.2 مليار دولار مرشّحة للإرتفاع الى 2.4 مليار دولار خلال العام 2016، ولم ينل لبنان من المساعدات الدولية سوى على “الفتات” أو ما لا يزيد عن 900 مليون دولار.
ويبرز ملف النفط والغاز في لبنان بين الإستحقاقات العاجلة للعام 2016، إذ بات من الضروري على الدولة اللبنانية إقرار مراسيم النفط والغاز العالقة منذ سنوات في أدراج مجلس الوزراء، والإفراج عن ثروة تقدر بمليارات الدولارات مازالت قابعة في البحر، بانتظار سحب ملف النفط والغاز من حلقة التجاذبات السياسية، لعل في ذلك رادع لإسرائيل من الإستيلاء على قسم من ثروة لبنان النفطية في المناطق المتنازع عليها.
ولا نستثني من ملفات العام 2016 استحقاقات الدولة المالية بالعملات الأجنبية التي تبلغ نحو 2.6 مليار دولار، وبالليرة اللبنانية ما يعادل 9 مليارات دولار، ويبقى الأهم من الإلتزام بمواعيد الإستحقاقات هو تأمين التغطية المالية والقانونية لها، وكذلك ملف سلسلة الرتب والرواتب الذي احتل صدارة الأزمات الإجتماعية والإقتصادية على مدى سنوات غير قليلة، ولا يزال حتى اللحظة يشكل أولوية لدى مئات الآلاف من الموظفين والعمال في الإدارات العامة.
أما الأزمة التي فاحت رائحة النتانة منها ومن مقترحات الحلول المؤقتة المحيطة بها، فهي أزمة النفايات، فبخلاف دول العالم كافة غرق لبنان بنفاياته على مدى أكثر من سبعة أشهر، ولا تزال الحكومة حتى اليوم عاجزة عن إيجاد حل نهائي خال من الصفقات.