Site icon IMLebanon

توتر البوسفور يخيم على إمدادات قمح منطقة البحر الأسود

WheatBlackSea
إيميكو تيرازونو

مع قصور الإمبراطورية العثمانية والآثار البيزنطية التي تنتشر على طول شواطئ البوسفور، يوفّر هذا المضيق مناظر هادئة للسياح، لكن الممر المائي الذي تبلغ مساحته 32 كيلو مترا، الذي يربط البحر الأسود ببحر مرمرة، واحد من أكثر طُرق الشحن ازدحاماً بالنسبة إلى السلع الأساسية.

الارتفاع الحاد في صادرات القمح من منطقة البحر الأسود – روسيا وأوكرانيا وكازاخستان – أدى إلى زيادة حادة في عدد ناقلات الحبوب التي تمرّ عبر المضيق.

الانخفاض في قيمتي الروبل الروسي والهريفنيا الأوكرانية وتراجع أسعار الشحن بفضل انخفاض أسعار النفط، جعل قمح منطقة البحر الأسود خيارا مرغوبا من الدول المُستوردة، خصوصا البلدان التي تراجعت عملاتها مقابل الدولار.

حقان بهججي، الرئيس التنفيذي لشركة حقان أجرو دي إم سي سي، وهي شركة لتجارة السلع الأساسية مقرها في دبي، يقول “كانت منطقة البحر الأسود المورِّد المُهيمن لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، لكن البلدان في منطقة الخليج وشرقي إفريقيا تتحوّل الآن من الولايات المتحدة وأستراليا”.

غير أن صعود منطقة البحر الأسود بوصفها مورّدا عالميا للقمح يأتي في وقت يتعرّض فيه تدفّق الحبوب من المنطقة لمخاطر مُتزايدة.

يقول محللون في مؤسسة تشاثام في لندن “إن التوترات الجيوسياسية، وتغير المناخ، والقيود المفروضة على الصادرات، وتدهور البنية التحتية المحلية كلها “نقاط سلبية” يُمكن أن تمنع تدفّق السلع الأساسية، ما يتسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفي اضطراب شديد ومُستمر في الإمدادات الغذائية الحرجة”.

يقول روب بايلي، مدير الأبحاث في دائرة الطاقة والبيئة والموارد التابع لمعهد السياسة المُستقلّ، “إن طريق الشحن أصبح منطقة متوترة للغاية”.

التوترات الإقليمية لم تعمل حتى الآن على إعاقة تدفّقات القمح من المنطقة، التي تعد روسيا أكبر دولة مُصدّرة فيها. وقد أدى اتّساق تدفّق الإمدادات وجودة القمح إلى جلب طلبيات من نيجيريا وتنزانيا وموزبيق، بل حتى المكسيك تتحوّل الآن إلى منطقة البحر الأسود.

وعلى الرغم من انخفاض سعر القمح 16 في المائة هذا العام، ليُصبح أقل من خمسة دولارات للبوشل، إلا أن تحرّكات العملة تعني أن الأسعار بالنسبة إلى المزارعين في منطقة البحر الأسود إما أنها لم تتغير تقريباً وإما أنها ارتفعت، الأمر الذي يسمح لهم بتقديم خصومات. فبحساب الروبل، ارتفع مؤشر القمح 1 في المائة هذا العام، بينما ارتفع 25 في المائة بحساب الهريفنيا.

وإذا اشترت المطاحن النيجيرية أو المكسيكية القمح الروسي بدلاً من القمح الأمريكي، فستحصل على ميزة كبيرة في أسواقها المحلية، بحسب سويثون ستيل، مدير شركة سولاريس للسلع الأساسية، وهي شركة لتجارة الحبوب مقرها في سويسرا. يقول “إذا كان المستورد أو المطحنة يستخدم مزيدا من القمح الروسي في خليط (القمح) الخاص به، فإنه سيحصل على ميزة تنافسية كبيرة وهوامش ربح أفضل”.

وتبدو شعبية قمح منطقة البحر الأسود جلية في أرقام الصادرات. فبحسب تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية، يتوقع أن ترتفع صادرات المنطقة 15 في المائة هذا العام إلى 45.5 مليون طن، في حين يتوقع أن تنخفض الصادرات الأمريكية 6 في المائة إلى 21 مليون طن.

ومع زيادة تدفّق الحبوب، فإن أي اضطراب يؤثر في مضيق البوسفور سيكون له تأثير شديد في الأسواق الدولية.

أندري سيزوف، المدير الإداري لشركة الاستشارات الزراعية، سوفإيكون، في موسكو، يقول إن نحو 90 في المائة من صادرات القمح الروسي تمرّ عبر مضيق البوسفور. ويضيف “لا أعتقد أنه سيحدث أي (إغلاق). لكن إذا حدث، أعتقد أننا سنرى شيكاغو تكسر إلى رقمها اليومي، يوماً بعد يوم”.

هناك مخاطر أخرى تتضمن “صدمات الحصاد” الناشئة عن الجفاف، التي تُهدد توافر الحبوب للتصدير وربما تُثير تدابير تجارية حمائية. فعندما فرضت روسيا ضريبة على تصدير الحبوب هذا العام، أدى ذلك إلى هزات في سوق القمح العالمية.

ويعمل تفاقم التوترات الحالي بين موسكو وأنقرة على إثارة قلق بعض المحللين. لكن تجّار الحبوب في منطقة البحر الأسود – الذين يعتمدون على إحجام تركيا عن إلحاق الضرر بصناعة المواد الغذائية فيها، التي تعتمد على السلع الأساسية من روسيا – يتوقّعون استمرار إبحار الناقلات بجانب قصر توبكابي ومتحف آيا صوفيا.

وبحسب ستيل، في عصر الناقلات العملاقة، روسيا لا تزال تملك أساطيل من السفن الصغيرة، ويُمكن أن تُرسل شحنات بحجم يراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف طن شهريا إلى تركيا، وهو شيء يُمكن أن يفعله عدد قليل من الدول المُصدّرة الأخرى. ويقول “إن استبدال القمح الروسي أسهل قولاً منه عملا”.