كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
يتعب الرئيس سعد الحريري لطمأنة حليفه الدكتور سمير جعجع: كُن على ثقة. سيكون سليمان فرنجية الرئيس شخصاً آخر لا علاقة له بسليمان فرنجية «السابق». وإلّا لما كان مجيئه يناسبني. وفي الأوساط الحريرية يُقال: سيحتاج فرنجية إلى جعجع في الدرجة الأولى لتأمين التغطية المسيحية التي قد لا يوفِّرها له العماد ميشال عون، فعلياً، لأنه لن ينسى أنّ فرنجية «طعنه في الظهر» وسرق منه الرئاسة! تتعاطى أوساط فرنجية مع مسألة وصوله إلى الرئاسة وكأنها مسألة وقت فقط. وتوحي بأنّ الأجواء التي رافقت لقاءَيه مع الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصرالله مشجعة، وأنها تحتاج إلى إنضاج بعض المسائل، سواءٌ في تحسين الشروط أيْ قانون الانتخاب والحكومة العتيدة أو في استنفاد الوقت المناسب لـ«تبليع» عون مسألة الانتخاب.
ولذلك، عندما يتحادث الحريري مع جعجع هاتفياً، أو عبر الموفدين، يعود سريعاً إلى الاتصال بفرنجية. وهو لا يفعل ذلك فقط لتأكيد التمسك بـ«الصفقة»، بل أيضاً لإبلاغه إلى أيّ حدّ استطاع إقناع جعجع وسائر مسيحيّي 14 آذار بها.
والحريري مضطر إلى الاضطّلاع بدور الوسيط بين جعجع وفرنجية لأنّ حساسية العلاقة بينهما لا تسمح اليوم بتبادل الزيارات. ولكنْ لا حاجة إلى وساطة الحريري بين فرنجية وسائر مسيحيّي 14 آذار، لأنّ العلاقة ليست سيّئة بين بنشعي وهؤلاء.
ويبدو فرنجية مستعدّاً لفتح خطوط واضحة مع حزب الكتائب والمستقلّين. ويتردَّد أنّ موفداً منه سيزور النائب بطرس حرب في عطلة الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل، في سياق المسعى إلى إقناع الوسط المسيحي بقبول انتخابه رئيساً.
وإذ يدافع الحريري عن المبادرة بقوة، يقول بعض القريبين منه: إننا لا نخون حلفاءنا ولا نتخلّى عنهم ولا نخدعهم. فالنائب فرنجية لن يكون في بعبدا هو نفسه الذي كان حتى اليوم حليف الأسد. ويبني هؤلاء حساباتهم على تقدير أنّ الرئيس السوري سيرحل عن السلطة. وأما إذا بقي فيها، فلن تمتدّ سلطته مجدداً إلى لبنان.
ويقول هؤلاء: عندما يدخل فرنجية قصر بعبدا يتحوَّل جزءاً من الدولة، ويأخذ قوّته منها لا من تحالفه مع الأسد. ويمكن بسهولة ضبط هامش الرئيس من خلال عمل مجلس الوزراء. فالدستور، بعد الطائف، والتركيبة السياسية القائمة، لا يمنحان رئيس الجمهورية هامش المشاكسة.
وأما «حزب الله»، في رأي هؤلاء، فسيعود إلى لبنان عندما تتمّ التسوية في سوريا، لأنه منهك بالحرب هناك وينتظر لحظة العودة. وعندئذٍ، سيكون البحث في ملفّ سلاحه أسهل.
ولذلك، يقولون، فلنعطِ فريق 8 آذار رئيساً للجمهورية، بالصلاحيات التي بقيت له، ونأخذ قانون الانتخاب ورئاسة الحكومة ومواقع وازنة فيها. فالرئيس لن يكون طليقَ اليدين، وسيتحوَّل زعيماً لبنانياً من فئة أبناء البيوتات التقليدية.
ويقدم هؤلاء أمثلة على أنّ الرجل أثبت في محطات كثيرة أنه لم «يشاغب» على التسويات كما يفعل عون. وآخر النماذج موقفه من الجلسة التشريعية.
إذاً، من هذا المنطلق، يسعى الحريري إلى طمأنة جعجع وسائر مسيحيّي 14 آذار بتسهيل التسوية واقتناص فرصة مهمة لإنهاء الفراغ، بدعم دولي وإقليمي.
وإذا كانت المفاوضات الداخلية حول التسوية مجمّدة في انتظار حراك سعودي- إيراني، فهذا يعني أنّ القوى الداخلية ستضغط على عون للسير في التسوية، وستعطيه الأثمان التي يريدها، لكنه لن يستطيع مواجهتها وتعطيلها.
ويتردّد أنّ القوى الإقليمية قد تُمرِّر «كلمة سرّ» على أعضاء «تكتل التغيير والإصلاح»، ولاسيما الطاشناق وآخرين قريبين من بنشعي أو من «حزب الله»، لتأمين النصاب والاقتراع لفرنجية، ويبقى عون مع الحلقة القريبة في جانب المقاطعة.
والرهان على إتمام صفقة من هذا النوع يستلزم نجاح الحريري في إقناع جعجع وسائر الـ»14 آذاريين» بدخول التسوية. وهنا يجري تقديم التطمينات لهم بأنّ عهد فرنجية لن يكون «عدائياً» معهم، وهو لن يحاصرهم ويحاول عزلهم.
أصحاب هذه النظرة يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك، ويقولون: على رغم تحالف فرنجية العضوي مع «حزب الله»، وتقاربه من «المستقبل» وعلاقته الوطيدة بالنائب وليد جنبلاط، فإنه سيحتاج إلى تغطية مسيحية قوية.
فالرئيس الماروني لا يمكنه إلّا أن يكون مرتاحاً في بيئته المسيحية. وفي الدرجة الأولى مع بكركي وغالبية المسيحيين، أو على الأقل مع شريحة واسعة منهم.
وسيتأرجح عون في عهد فرنجية (إفتراضاً أنه وصل إلى الرئاسة) بين 3 مواقع: المُقاطع أو المُعارض أو المُوالي بتحفّظ، لأنّ الترسبات في العلاقة مع فرنجية قد لا تزول تماماً.
ولذلك، سيمدُّ فرنجية يده اضطرارياً إلى جعجع وسائر مسيحيّي 14 آذار، وستتمّ المصالحة النهائية بين الرجلين لأنها مصلحة لهما معاً. وكلاهما يتمتع بالبراغماتية للسير في الصفقة، إذا فُرِضت على جعجع. وإذا كان سعد الحريري، إبن الرئيس رفيق الحريري، مدَّ يده إلى فرنجية… فلماذا تتعذَّر المصافحة بين جعجع وفرنجية.
البعض يقول: إذا تمّت الصفقة بهذا المقدار من البراغماتية، فسيكون جعجع القطب المسيحي الأكثر تدللاً في عهد فرنجية الموعود. وطبعاً سيتمتع حزب الكتائب والمستقلّون بمواقع جيدة.
وعندما يكون الحريري نفسه قد فتح خطاً على الأسد، بوساطة فرنجية، وبمعيّة جنبلاط، سيكون طبيعياً أن تنخفض درجة الغليان في العلاقات بين مسيحيّي 14 آذار والأسد الذي تشير المعطيات إلى أنه باقٍ في مستقبل سوريا. وبكركي قادرة على الاضطلاع بدور هنا.
وفي اللقاءات الداخلية الحزبية، يطرح جعجع وكوادر «القوات اللبنانية» سيناريوهات لمسار العلاقة مع فرنجية، إذا وصل إلى بعبدا. ويخشى البعض أن يسود الانتقام والكيدية في هذه العلاقة، خصوصاً أنّ العلاقة بين الرجلين تطبعها أيضاً خصوصية مناطقية حساسة.
لكنّ كثيرين يتوقعون العكس، وينظرون إلى المسألة من باب متفائل ويرون أنّ فرنجية سيضطر إلى إقامة أفضل العلاقات مع جعجع. وللتذكير، إنّ تقارب جعجع- فرنجية سبق التقارب العوني- القواتي و»ورقة النيات».
ولطالما ظنّ القريبون من معراب وبنشعي في آن معاً أنّ العلاقة بينهما واعدة. لكنّ الصدمة التي جاء فيها الكشف عن الاجتماع الباريسي بين الحريري وفرنجية، والتهويل الذي أعقبه، أفسد أيّ تقارب. وهذا فحوى كلام جنبلاط عن «سوء إدارة الملف».
كلّ هذه التوقعات لمستقبل العلاقة بين جعجع و»فرنجية الرئيس» تبقى من باب التخمينات، إذ، حتى اليوم، لا ترى معراب أنّ الصفقة ستتمّ وأنّ فرنجية سيصل القصر.
وهكذا، الجميع يترقّب، وعندما يصطدم بالأجوبة والخيارات الصعبة يقول: «لكلّ حادث حديث». لكنّ المؤكد أنّ الصفقة الانقلابية التي خلطت التحالفات عجائبياً بمجرد طرحها، ستُحدِث زلازلَ سياسية لا أحدَ يتوقعها إذا كُتب لها أن ترى النور.