تباطأ الطلب في القطاع العقاري في شكل لافت هذه السنة، ليكون «الأصعب»، بين السنوات الخمس الماضية ومنذ الفورة التي شهدها بين عامي 2007 و2010»، وفقاً لرئيس شركة «رامكو» للاستشارات العقارية رجا مكارم.
وأظهر مؤشر «بنك بيبلوس» للطلب العقاري في لبنان «انخفاضاً نسبته 62.8 في المئة بين فترة الازدهار من أيار (مايو) 2008 حتى آب (أغسطس) 2010 وفترة الركود العميق بدءاً من كانون الثاني (يناير) 2014». أما أسباب هذا التباطؤ فلم تعد خافية وانسحب انعكاسها السلبي أيضاً على كل القطاعات الاقتصادية، وتُعزى إلى تأزّم الوضع السياسي الداخلي وتراجع النمو وثقة المستهلك، فضلاً عن تداعيات الحروب في الدول المجاورة على الوضع الداخلي.
وفي خطوة استباقية للحفاظ على صمود القطاع وفي انتظار أي تطوّر سياسي يخرق جدار التأزم ويُحدِث صدمة إيجابية تفضي إلى انفراج في الحركة الاقتصادية، يتجه مصرف لبنان المركزي، وفقاً لحاكمه رياض سلامة أخيراً، إلى «إصدار تعميم يسهّل إنشاء صناديق عقارية يمكن المصارف تأسيسها وكذلك المؤسسات المالية أو حتى الأفراد لشراء عقارات أو مشاريع، كي لا يشكل القطاع العقاري تهديداً للقطاع المصرفي».
ولفت خبراء إلى أن «المركزي» وعبر حزم الحوافز التي أطلقها منذ العام 2013، لتشجيع التسليف في كل القطاعات الاقتصادية ومنها السكنية، ساهم في عدم تراجع الطلب في القطاع إلى مستويات أكثر تدنياً، ليحافظ على استمرار استقطاب طلبات شراء مساكن، مع مبادرة بعض المطورين إلى خفض الأسعار. وسيُضيف «المركزي» حزمة جديدة للعام المقبل تصل إلى 1.5 بليون دولار، والمتوقع أن يكون لقطاع السكن فيها حصة تبلغ نحو 55 في المئة، استناداً إلى وقائع العامين الماضيين. وأكد مكارم أيضاً في حديث الى «الحياة» أن اللبناني المقيم الراغب في تملّك منزل «لن يُحجم عن ذلك ويساعد على ذلك التسهيلات التي وضعها مصرف لبنان المركزي، لحفز اللبنانيين على الاقتراض للتملّك»، مشيراً إلى أن «الطلب محلي بامتياز كما هي الحال منذ ثماني سنوات».
وعلى رغم «تريّث اللبنانيين المقيمين وغير المقيمين في الإقدام على أي استثمار في القطاع»، رأى مكارم أن «الأمر اللافت هو استمرار الطلب على الشقق والأراضي، لكن بتباطؤ عن تلك المسجلة في الأعوام الأخيرة». وأشار إلى أن «مطوّري مشاريع السكن يعرضون خفوضات على أسعار العقارات الفخمة والمتوسطة بنسب تتراوح بين 20 و30 في المئة بدلاً من 5 و10 في المئة»، موضحاً أن ذلك لا يعني أن هؤلاء «يتكبّدون خسائر جراء هذه الخفوضات، لأن هامش الربح لا يزال متوافراً». وأكد أن وضع القطاع «لا يزال مقبولاً ويستقطب طلباً قياساً إلى ما يشهده لبنان والمنطقة».
وذكّر مكارم بسنوات الفورة العقارية التي «حققت للمطوّرين سنوات من العمل والمبيعات الجيدة وكذلك العائدات التي تجاوزت نسبة 50 في المئة من كلفة مشاريعهم». لذا يتطلّب الواقع الحالي مع التباطؤ في الحركة، «التكيّف معه» ولو اضطر «المطوّر إلى خفض نسبة معينة من الأسعار لأن هامش الربحية لا يزال مؤمّناً». وأفادت إحصاءات «البنك المركزي اللبناني» بأن «رصيد القروض السكنية بلغ 10.5 بليون دولار حتى آب (أغسطس) الماضي في مقابل 9.8 بليون نهاية عام 2014، فيما وصل عدد المستفيدين حتى الشهر الثامن من السنة 110 آلاف، في مقابل 105 آلاف شخص نهاية العام الماضي».
بيع الأراضي
أما بالنسبة إلى حركة بيع الأراضي، جزم مكارم أنها «تباطأت ولم تتوقف الأسعار عن الارتفاع»، راصداً نسب زيادة «تتراوح بين 5 و10 في المئة حالياً، بعدما كانت تصل إلى 25 في المئة، ما يشير إلى دليل عافية على رغم كل الظروف السياسية والاقتصادية التي يشهدها لبنان». وشدد على أن العقار في لبنان هو «الملاذ الآمن والأفضل للبناني لتوظيف رأس المال على رغم الأوضاع، لأنه بقي على مدى 40 سنة من الحروب والأوضاع المتقلّبة محافظاً على مقومات كثيرة، منها احتفاظه بسقف أسعار مرتفع».
وأكد مكارم أن «أحداً من المستثمرين ســـواء اللبناني والأجنبي وتحديداً العربي لم يخسر توظيفاته أو عقاره». وقارن بين أسعار العقارات في لبنان وفي أي بلد خليجي أو أوروبي أو في الولايات المتحدة، جازماً أن «القطاع العقاري اللبناني صمد وحافظ على ثبات الأسعار وقيمه، على رغم كل الظروف المحلية والإقليمية متجاوزاً أيضاً أزمة المال العالمية وتداعياتها». وشدد على أن «المستثمر الخليجي لم يخسر في لبنان على عكس ما تكبّد من خسائر في أسواق خارجية، حيث تراجعت الأسعار بنسبة النصف ولم تستعِد حتى الآن المستويات السابقة». وخلُص إلى أن الوضع العقاري «ليس مقلقاً بقدر القلق على وضع البلد عموماً».
ولفت مكارم إلى اتجاه المطوّرين إلى المشاريع المتوسطة والصغيرة «لتنسجم مع طلب اللبناني المقيم وقدرته المالية التي لم تعد تناسب المساحات الكبيرة»، مشيراً إلى أن «حركة البيع في هذه المشاريع ناشطة أكثر، في ضوء الطلب وحاجة اللبنانيين المتوسطي الدخل إلى هذه المساحات».
وإذا كان القطاع شهد تعثراً في أي مشروع، أكد مكارم أن «كل المشاريع لا تزال قيد التنفيذ، ولم يتعثر أي منها»، لافتاً إلى أن المصارف «تسهّل على المطوّر الذي يستدين على كلفة البناء، عمليات التسديد التي تشكل نسبة 30 في المئة من قيمة البيع».