IMLebanon

رفع الفائدة بداية اختبار حقيقي للنظام المالي

YellenFEDInterestRaised
جيليان تيت

بدأت جانيت يلين فطم الاقتصاد الأمريكي من إدمانه الأموال الرخيصة. لكن نظراً للبيانات الاقتصادية المتباينة الأخيرة، خبراء الاقتصاد مُنقسمون بشأن الأُسس التي استند عليها قرار رئيسة الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة 25 نقطة أساس.

للحصول على منظور مختلف للتحدّي الذي يواجه الاحتياطي الفيدرالي، يجدر النظر إلى زاوية أخرى من واشنطن: مكتب الأبحاث المالية. تماماً قبل إعلان الاحتياطي الفيدرالي نشر المكتب تقرير الاستقرار المالي الأول له عن صحة القطاع المالي في الولايات المتحدة. لكن التقرير لم يلفت الأنظار.

هذا أمر مُحزن. تم تأسيس مكتب الأبحاث المالية، وهو فرع من وزارة الخزانة، بعد أزمة عام 2008 لتقييم المخاطر المالية -ويكشف تقريره أن عدة أعوام من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية عملت على تشويه النظام المالي بشكل واضح. وتحتاج ييلين إلى مهارة غير عادية -وحظ- للتعامل مع هذه التشوّهات دون إثارة أزمة أخرى. قد يبدو رد فعل السوق على رفع أسعار الفائدة هادئا بشكل لافت للنظر، لكن الاختبار الحقيقي للنظام المالي الأوسع بالكاد بدأ.

في القطاع المالي هناك على الأقل ثلاثة مجالات يحتاج المُستثمرون إلى مراقبتها. الأول هو حقيقة أن السياسة المتراخية للغاية أوجدت فقاعات ائتمان يُمكن أن تتعرض للتنفيس الآن. ولأنها لم تنشأ في القطاعات التي كانت في مركز فقاعة العقد الماضي، أي القروض العقارية والمصارف، فقد جذبت اهتماماً أقل. لكن كما كتب بنك التسويات الدولية في وقت سابق من هذا الشهر، الديون في الأسواق الناشئة زادت بشكل لا يستهان به منذ عام 2008.

كذلك ذكر مكتب الأبحاث المالية الأسبوع الماضي: “وفقاً لتقديراتنا، ارتفعت مخاطر الائتمان في قطاع الشركات غير المالية ولا تزال ترتفع” لدرجة أن “ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية قد يوجد مخاطر في إعادة التمويل (…) وربما تعجيل دورة عجز أوسع”. لحُسن الحظ المصارف تبدو في وضع جيد إلى حد ما لاستيعاب الخسائر. لكن تفشّي العجز عن السداد يُمكن أن يُثير العدوى وتقلّبات السوق، خاصة أن القوانين التنظيمية ما بعد الأزمة تعني أن المصارف أقل استعداداً لتكون صنّاعا للسوق في القطاع غير التجاري – المُستعد للشراء أو البيع عندما يرغب المستثمرون في التداول – ما يجعل من الصعب تداول الأدوات قيد المناقشة.

المجال الثاني الذي يجدر مراقبته هو وضع المحافظ الاستثمارية للمستثمرين. في الأعوام الأخيرة حاول مديرو الأصول ملاحقة العوائد عن طريق شراء أصول طويلة الأجل ذات مخاطر ائتمان أكبر. هذا زاد من “مدة” المحافظ الاستثمارية للسندات – أو ضعفها أمام ارتفاع أسعار الفائدة – إلى مستويات تاريخية. في الواقع، يحسب مكتب الأبحاث المالية أن ارتفاعا بواقع 100 نقطة أساس فقط في أسعار الفائدة الأمريكية على المدى الطويل يُمكن أن يولّد خسائر غير خاضعة للتحوط تبلغ 214 مليار دولار بالنسبة لصناديق الاستثمار المشتركة والصناديق الأمريكية التي يتم تداولها في البورصة. مرة أخرى، النظام ككل ربما يستطيع استيعاب هذا، لكن يُمكن أيضاً أن يُثير العدوى، لاسيما أن المصارف، أيضاً، زادت احتساب المدة فيها.

المجال الثالث المُثير للقلق هو أن الأعوام الأخيرة شهدت تحوّلات خفية في العالم المُبهم لأسواق المال. قبل الأزمة، كثير من مديري الأصول والشركات والمصارف، وضعت الفائض من النقود في أدوات سوق المال. لكن في الآونة الأخيرة هذه الأموال غمرت الميزانية العمومية للمصارف والاحتياطي الفيدرالي نفسه. وهذا جعل من الصعب على الاحتياطي الفيدرالي السيطرة على سعر الأموال من خلال أدوات السياسة المُعتادة لديه.

هناك تأثير آخر لهذه التدفّقات في أسواق المال يُمكن أن يجعل رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة يتسبب في إثارة الاضطراب. زولتان بوزسار، المحلل في كريدي سويس، يعتقد أن مئات المليارات من الدولارات يُمكن أن تعود قريباً من المصارف إلى صناديق الأموال المشتركة – مع عواقب يُحتمل أن تكون مُزعزعة للاستقرار، يتدافع الاحتياطي الفيدرالي (وآخرون) لفهمها.

هذه النقاط الثلاث ليست الصعوبات الوحيدة التي تواجهها الأسواق. ولا يعني ذلك أن الاحتياطي الفيدرالي مُخطئ في رفع أسعار الفائدة الآن. على العكس من ذلك، التشوّهات ظهرت على وجه التحديد لأن الأموال كانت رخيصة بشكل مُصطنع لفترة طويلة. رفع أسعار الفائدة كان يجب أن يتم منذ فترة طويلة – على الأقل بالنسبة للعالم المالي.

مع ذلك، لا أحد يستطيع تجاهل حقيقة أن ييلين وزملاءها في وضع حرج للغاية الآن. في الأشهر المقبلة يحتاج المسؤولون في الاحتياطي الفيدرالي إلى إقناع المُستثمرين والمُقترضين أن تكلفة المال ترتفع أخيراً بمعدل ثابت وأن عليهم تعديل المحافظ الاستثمارية وفقاً لذلك. (يُمكن القول إن هذا لم يحدث تماماً بعد: الأسواق تحتسب الآن رفع أسعار الفائدة مرتين فقط في العام المُقبل، لكن يبدو أن المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي يتوقّعون أربعة).

كذلك يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى تجنّب تكرار ما حدث في عام 1994، عندما رفع أسعار الفائدة أكثر من 200 نقطة أساس، ما تسبّب في ارتفاع عوائد السندات لأجل عشرة أعوام إلى أكثر من 300 نقطة أساس خلال سنة. إذا حدث هذا مرة أخرى، فمن شأنه إثارة العجز عن السداد وخسائر صناديق السندات التي حذّر منها مكتب الأبحاث المالية.

ما تحتاجه ييلين من أجل النظام المالي هو سياسة “مُعتدلة”، حيث أسعار الفائدة في السوق والاحتياطي الفيدرالي ترتفع تدريجياً، أو بسرعة تعتبر “مناسبة تماماً”. من الأفضل أن نأمل أنها تستطيع تحقيق ذلك. حتى ذلك الحين، التصفيق هو سابق لأوانه.