IMLebanon

مخاوف لبنانية من تسرب الفساد إلى اكتشافات الغاز

OilMapLebanon
ثائر غندور

يُعلّق اللبنانيّون آمالاً كبيرةً على كميات الغاز الطبيعي المكتشفة قبالة السواحل اللبنانية. يأمل هؤلاء بأن يكون الغاز وسيلة انتشالهم من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد. لكن هذا الأمل يشوبه تخوّف من أن يحول الفساد والهدر، دون إمكانية نقل لبنان إلى انتعاش حقيقي. لا يختلف واقع الساسة عن الناس العاديين. الجميع هنا، يتخوّف من الفساد، وبالتالي يسعى إلى وضع أعلى مستوى ضوابط ممكن. وفي الوقت عينه، كلما تحرّك الملف شعر عدد من المعنيين بأن هناك صفقات تُحضر. وهو ما دفع رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل إلى القول في احتفال حزبي يوم الأحد الماضي “من يعتقد أن ملف الغاز والنفط سيمر من دون تدقيق دولي وشفافية مطلقة ومناقصات شفافة، مخطئ جدا، لأن الموضوع يتعلق بمستقبلنا ومستقبل أولادنا، فهذا سينتشلنا من الدين العام، ومن يعتقد أننا سنسكت عن هذا الموضوع فليعد حساباته منذ الآن”. دفع الجمود المسيطر على هذا الملف لجنة الأشغال والطاقة النيابية إلى التحرك باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، والحكومة تمام سلام. يعتقد أعضاء اللجنة أن إسرائيل تعمل بشكل متسارع، كما أن مصر وقبرص كثفتا العمل، وبالتالي فإن تأخر لبنان، سيؤدي إلى ابتعاد كلّ الشركات الكبرى عنه.

ويُشير عضو اللجنة النائب جوزف معلوف، إلى أن عدداً من الشركات التي سبق ونجحت في دورة التأهيل، وهو ما يعني أنها تمتلك الحق بالمشاركة في المناقصات، قد سحبت اهتمامها بقطاع الغاز في لبنان. وتحدث عن أن شركة مثل شركة “إيني” الإيطالية، قد ارتبطت بالعمل مع الجانب المصري، وهو ما يعني عدم قدرتها على العمل في لبنان، لأن عملها مع مصر يقتضي تنسيقاً وعملاً مع إسرائيل بسبب وجود تنسيق مصري ــ إسرائيلي، ولبنان يلتزم مقاطعة الشركات العاملة في إسرائيل. ويبتسم متابعون لملف النفط، عند سماعهم خبر إمكانية إبعاد الشركة الإيطالية، لأن “هناك الكثير من الشكوك حول شفافية عملها”. يبدو معلوف واثقاً من إمكانية تحقيق خرق جدي في عمل هذا القطاع. ويُجازف معلوف بالقول إن الأمور كما وُضعت الخطة لها، فهذا يعني إمكانيّة فتح باب عرض المناقصات في شهر يونيو/حزيران من العام 2016. ويلفت إلى أن لقاءات لجنة الأشغال وهيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، أثمرت وضع خطة طورائ من أبرز نقاطها، إقرار مرسومي تقسيم المياه البحرية إلى “بلوكات” (مواقع)، ودفتر الشروط ومسودة اتفاقية الاستكشاف والإنتاج. وسيلي هاتين الخطوتين المفترض حصولهما في مجلس الوزراء، إقرار القانون الضريبي المتعلق بالأنشطة البتروليّة في مجلس النواب. ولكن كيف يُمكن إقرار هذين المرسومين والقانون في ظلّ تعطيل الحكومة والبرلمان؟ يؤكّد معلوف أن هناك توافقاً سياسياً على إقرار المرسومين والقانون، وعلى أصغر التفاصيل المتعلقة بها، وقد “اتفقنا مع الرئيسين بري وسلام على إقرارها في نهاية يناير/كانون الثاني 2016، إذا ما بقيت الأمور على حالها سياسياً، ولم يُسجّل أي خرق عبر انتخاب رئيس للجمهوريّة”. وعمّا إذا كان الخلاف السابق حول طرح جميع “البلوكات” العشرة في وقت واحد أو تجزئتها لا يزال مستمرا، أشار معلوف إلى أن الاتفاق هو على أن يتم عرضها جميعا على المناقصة، مع ترك عمليّة الطرح حسب مصلحة الدولة. وهنا يلفت إلى أن التوافق شمل أيضاً، أن يكون عرض المناقصات من صلاحيات وزير الطاقة، والطرح من صلاحية الحكومة مجتمعة. لكن الكثير من اللبنانيين ومن السياسيين يتخوّف من فساد في إدارة هذا القطاع. ويُشير بعض المتابعين للملف إلى أن الانضمام إلى مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية لا يعني وقف الفساد “فلبنان عضو في معاهدة حقوق الإنسان وهناك انتهاك لحقوق الإنسان فيه” كما يقول أحد المصادر المتابعة لهذا الملف لـ”العربي الجديد”. هنا يُعلن معلوف أنه يقوم بوضع قانون مكافحة الفساد في قطاع النفط والغاز، “ونقوم بتفصيل كلّ المراحل من العرض حتى تفكيك المنشآت، ونعمل على تحديد النقاط الموجودة في كل مرحلة والتي يُمكن الاستفادة منها للكسب غير المشروع، وخلق رادع يمنع ذلك”.

ويلفت إلى أن هذا القانون بهذا التفصيل يُعد الأول من نوعه عالمياً، وسيبدأ النرويجيون في الربع الأوّل من العام المقبل “بالتعاون معنا لتوسيع أطر محاربة الفساد”.

ويُثني معلوف على تعاون هيئة إدارة قطاع النفط في هذا المجال. كما يُعلن عن وجود توافق على إحالة كلّ عائدات الغاز إلى صندوق سيادي لا يجوز استعمال موارده لمصاريف الحكومة اليومية. لكنّه يُقرّ بعدم وجود تصور كامل بعد لكيفية إدارته.
وتهدف الخطوات اللبنانية هذه لحفظ موقع لبنان في سوق الغاز الناشئ في المنطقة ولدفع الأمم المتحدة والولايات المتحد للتدخل لحلّ المشكلة الحدود مع إسرائيل.
فكما بات معلوماً، هناك خلاف مع اسرائيل لجهة مطالبة لبنان بحقوق له في النقطة 23، ويُشير معلوف إلى أن المندوب الأميركي حاول اللعب على الخلافات اللبنانيّة خصوصاً في زيارته الأولى إلى لبنان، لكن في الزيارات “أبلغناه بأن هناك توافقا لبنانيا وعليه أن يلتقي بري لإبلاغه القرار الرسمي للبنان”.
ويتحدث معلوف، الذي يُعد واحداً من البرلمانيين اللبنانيين القلّة العارفين بتفاصيل هذا القطاع، عن وجود خلاف حدودي مع قبرص وسورية، لكنه يلفت إلى أن إمكانية حلّه أسهل بكثير بسبب وجود علاقات دبلوماسية طبيعية مع هذين البلدين.
كلام معلوف يكاد يكون وردياً. لكن عند الذهاب في النقاش معه، يعترف الرجل بأن لبنان لا يزال يحتاج إلى الكثير من العمل في هذا السياق.

ومن أبرز النواقص غياب الاستراتيجية الوطنية للقطاع، إذ يسأل معلوف هل سيجري تسييل الغاز في لبنان أم خارجه؟ لا يزال هذا السؤال المهم بلا إجابة. كما أن هذه الاستراتيجية يُفترض أن تتضمن ماذا سنفعل بالغاز ولمن سنبيعه ومع من سننسق وكافة الأمور اللوجستية. لكن تفاؤل الرجل ينبع من وجود توافق سياسي رغم كل الخلافات حول هذا الملف، وهو ما يسمح بحلّ كل العقبات. فإذا تم عرض المواقع للطرح في يونيو/حزيران من العام المقبل، فإن لبنان يحتاج من أربع إلى ست سنوات لبدء استخراج الغاز، “وفي حال استعمل الغاز للاستهلاك المحلي فقط، فإننا سنوفر مليار دولار فاتورة استيراد غاز” بحسب معلوف. يتمنى اللبنانيون أن يسير هذا القطاع بخطوات ثابتة، لما سيخلقه من فرص عمل والأموال التي سيضخها في الاقتصاد المحلي، وإمكانية الاستفادة من الصندوق السيادي في بناء اقتصاد حقيقي، إن في الصناعة أو الزراعة. ويأمل اللبنانيون أن لا يبتلع الفساد ما سينتجه هذا القطاع.​ ويوضح موقع هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان أن اتفاقية الاستكشاف والإنتاج، هي عقد بين الدولة وشركات نفط لبنانية أو عالمية، تمنح هذه الأخيرة الحق باستكشاف وتطوير وإنتاج مكامن النفط والغاز المتواجدة في المنطقة الاقتصادية الحصرية للبنان. يُمنح هذا الحق للشركات من خلال عملية مزايدة تنافسية، ينظمها قانون الموارد البترولية في المياه البحرية، وأنظمة وقواعد الآنشطة البترولية. وعند توقيع الشركات لاتفاقية الاستكشاف والإنتاج، تصبح مسؤولة عن الالتزام بجميع شروط قانون المواد البترولية في المياه البحرية وقواعد الأنشطة البترولية أيضا. وقد تأهلت 12 شركة كمشغل صاحب حقوق، ومن أبرزها “إكسون موبيل” الأميركية و”شل” الهولندية و”توتال” الفرنسية وشركات أخرى من الولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا والنرويج والدنمارك واليابان والبرازيل وماليزيا، وكان لافتاً عدم وجود شركات روسية ضمن الشركات المتأهلة. ويتحتم على الشركات دفع إتاوات للدولة تعادل 4% من الغاز المنتَج، لكنها تتراوح في النفط بين 5% و12%، وتخصص نسبة (تحددها المزايدة) من النفط والغاز لأصحاب الحقوق لكي يعوضوا الاستثمارات التي قاموا بضخها للإنتاج، بينما تتشاطر الدولة وأصحاب الحقوق ما يتبقى من النفط والغاز بنسبٍ تحددها المزايدة.