كتب المحرر السياسي في صحيفة “السفير”: حسبها سليمان فرنجية على طريقته وكما تشي شخصيته وهي ليست بخافية على معظم اللبنانيين.
ليس من كلام يرضي ميشال عون إلا جملة واحدة يقولها النائب عن قضاء زغرتا: “الجنرال” هو المرشح الوحيد لفريقنا السياسي لرئاسة الجمهورية.
هذه الجملة مع “نقطة على السطر” لو صدرت عن فرنجية، لكان شخص آخر غير زعيم “تيار المردة” قد تفوّه بها حتماً. ثم هل بمقدور فرنجية أن يسمع مقدمة نشرة “أو تي في” عشية مقابلته أو تلك التي تم تدبيجها، أمس، وما تردد بينهما عبر أثير “الإذاعة البرتقالية”، ولا يقرر أن يبدأ مقابلته التلفزيونية بالعبارة التي لم يكن يرغب “الجنرال” بسماعها نهائيا: أنا مرشح لرئاسة الجمهورية “أكثر من أي وقت مضى”.
بهذه الجملة انتهت حفلة “التسويق” التي بدأت غداة لقاء باريس، بعدما تيقن فرنجية أن كل محاولاته لطرق أبواب الرابية قد بلغت الحائط المسدود، ولو تسنى له لكان روى ما رافق وصوله إلى البترون.. وأيضا إلى الرابية التي كاد يختفي حراسها من أمامها بعدما أُعطي أمر عمليات للصحافيين بمغادرة المكان فوراً.
ومن يعرف سليمان فرنجية، سواء أكان على صواب أم على خطأ، هو من الصنف الذي لا يتجاهل التفاصيل. من الصنف الذي لا يحتاج الى من يبلغه الرسائل بالإشارات أو ما يسميها “الحركات”. اعتبر أنه قام بواجباته تجاه حليفه لكن الأزمة بينهما ليست وليدة هذه المبادرة، بل عمرها سنوات، وهو لا يحمّل “الجنرال” مسؤوليتها بل من اختاره وسيلة اتصال وتواصل على خط الرابية ـ بنشعي لا بل على كل الخطوط السياسية.
هل نجحت وظيفة المقابلة مع الزميل مرسيل غانم؟
اذا احتسبنا عدد الجلسات التي سبقت البث المباشر، لأمكن الافتراض أن الرسالة الأساسية وصلت الى من يعنيهم الأمر.
أولا، كان المطلوب مخاطبة اللبنانيين بلغة بسيطة تشبه بساطة ابن زغرتا وعفويته، وهذا ما تجلى بتقديم برنامج رئاسي لا مثيل له منذ الاستقلال حتى الآن، قوامه الأساس أن يشعر اللبناني بكرامته بتوفر الحدود الدنيا من مقوّمات عيشه من كهرباء ومياه وبيئة نظيفة.
ثانيا، استطاع فرنجية أن يخترق بيئات لبنانية جديدة، وخصوصا بيئات “14 آذار” المسيحية والسنّية. نجح في هذا المجال، وأعطى نماذج لكل خطابه على مدى شهر بكيفية ملاقاة خصومه السياسيين الى منتصف الطريق من دون أن يغادر هو أو الآخرون قناعاتهم وثوابتهم السياسية.
ثالثا، استفز فرنجية بيئة المقاومة التي لطالما كانت تكنّ تقديراً استثنائياً له، خصوصا بعد عقد من الزمن من علاقة اتسمت بالثقة والتقدير والإعجاب، الى حد أن أكثر من “مدقق سياسي” كان يردد دائماً أن المرشح الفعلي والجدي “تحت الطاولة” لهذه البيئة هو سليمان فرنجية. أما سبب الاستفزاز، فمرده انحياز هذا الجمهور الى الخيار الذي تحدده قيادته له، وهل من كلام أوضح مما ردده الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله بتبني ميشال عون أكثر من مرة منذ بدء موسم الفراغ الرئاسي حتى الآن. يفضي ذلك إلى تأكيد المؤكد بأن “حزب الله” ازداد إحراجه برغم إدراكه أن “الجنرال” لا يشكك لحظة بموقفه، غير أن ما يسري على قيادة “التيار الحر” لا يسري على القواعد التي تتأثر إلى حد كبير بالمناخات السياسية والإعلامية وتتورط كغيرها من القواعد في لعبة الاشتباك المفتوح وغير المقيد بضوابط عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
رابعا، يدرك فرنجية أن “حزب الله” لن يسمح نهائياً بكسر ميشال عون، وهو يعني ما يقوله في هذه النقطة، فلو أن الحريري وفريقه السياسي بادروا الى إعطاء “الجنرال” في قيادة الجيش، لكانوا سهّلوا أمورهم الرئاسية، أما أنهم لم يعطوا هناك ولا في الرئاسة ولا في أشياء كثيرة سابقاً أو لاحقاً، فإن هذا الأمر عند الحزب في خانة “المحرّمات”!
خامسا، استطاع فرنجية أن يطمئن مسيحيي “14 آذار” المستقلين، وهي الكتلة التي يحرص “المستقبليون” على حمايتها وتعزيز حضورها، على عكس ما يقوم به حليفهم المسيحي الأبرز بإصراره على اعتبار هؤلاء مجرد موظفين “على البايرول” عند “المستقبل”!
سادسا، لم يكن يحتاج فرنجية للمقابلة لتقديم أوراق اعتماده الى كل من نبيه بري ووليد جنبلاط، لكنه بمفرداته وحرصه على حضورهما في قلب المبادرة الحريرية، زاد منسوب الثقة، خصوصاً بينه وبين الزعيم الدرزي.
سابعا، نجح فرنجية في تقديم نفسه إلى “الدول” ومن المفترض أن تكون معظم السفارات الغربية والعربية، قد بعثت بملخصات للمقابلة المطوّلة ولأبرز ما تخللها من محاور، وخصوصا نظرة رئيس “تيار المردة” إلى بعض العناوين الأساسية (سوريا، السعودية، اسرائيل، سلاح “حزب الله”، المحكمة الدولية الخ…).
ماذا بعد المقابلة التي أعادت تزخيم المبادرة الرئاسية؟
حتماً ستكون فترة الأعياد مناسبة للتبريد وإعادة ترتيب الأوراق، قبل أن يطل سعد الحريري في الأسبوع الأول من الشهر المقبل عبر الشاشة الصغيرة (على الأرجح عبر “كلام الناس”) من أجل إعلان تبني ترشيح سليمان فرنجية رسمياً باسم “تيار المستقبل”..
ليس خافياً على فرنجية أن ما رُصد من مواقف إقليمية، وخصوصا من السعودية، في الأيام الأخيرة، لا يشي بتفاهمات إقليمية وشيكة، وآخر دليل الرد الصادر عن السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري على موقف “حزب الله” من “التحالف العسكري الإسلامي”، فضلاً عن “المبادرة الخليجية” التي أجهضت، أمس، في مجلس الأمن والمتمثلة بمحاولة تصنيف “حزب الله” وحركة “أمل” كـ “تنظيمين إرهابيين” يقاتلان على الأراضي السورية!
سيمضي الجميع الى الأعياد، وبينهم فرنجية الذي يدرك بفطرته السياسية أن سعد الحريري لم يطلق مبادرة نحو شخص بعينه يستطيع حشد أربعة نواب في أحسن الأحوال في مجلس النواب (شطب فرنجية منهم النائب إميل رحمة)، بل نحو فريق سياسي اسمه “8 آذار”، أي أن الهدف من التسوية ـ المبادرة هو التفاهم مع هذا الفريق وليس مع فرنجية حصراً، وهذا الأمر يتطلب تمديد فترة الأعياد والتبريد، من أجل محاولة صياغة ما أسماها السيد حسن نصرالله السلة المتكاملة للحل، وهذه مهمة تقع على عاتق فريق “8 آذار” السياسي، سواء أكان مرشحها الأول هو ميشال عون والثاني هو سليمان فرنجية أو أي اسم آخر.
هذه السلة يجب أن تكون حاضرة مع بدء العد العكسي للعام 2016 الذي يرجح أن يكون عام “التسويات الصعبة” في لبنان والمنطقة.