Site icon IMLebanon

عاملان يمنعان الاقتصاد العالمي من النمو

DigitalEconomy
بروفسور جاسم عجاقة
حدثان ميّزا نهاية هذا العام، الأول هو سعر الفوائد في الولايات المُتحدة الأميركية والثاني فشل المحادثات بين دول الأوبك وبين روسيا حول خفض الإنتاج. وهذان الحدثان سيكون لهما تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي كما سيُظهره التحليل التالي.
ينص المنطق الاقتصادي على أنّ انخفاض أسعار البترول يُقلل الكلفة على اقتصادات الدول، وبالتالي فإنّ النتيجة الحتمية تكون في تعزيز نمو الاقتصاد العالمي وخصوصاً نمو الإقتصادات المُتطورة.

لكن ملاحظة النمو العالمي منذ منتصف العام 2014 (مع سعر برميل النفط أكثر من 115 د.أ) وحتى أواخر هذا العام (مع برميل نفط أقل من 40 د.أ)، يُظهر أنّ النمو العالمي المُسجّل هو أقل بكثير مما كان مُتوقعاً حيث أنّ انخفاض سعر برميل النفط (بقيمة 75 د.أ) لم يُعط نمواً إلّا بنسبة 0,5%.

وهذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى أنّ الإطار الاقتصادي العالمي تغيّر كثيراً ومن الضروري أخذ بعض العوامل الاقتصادية الأخرى في النماذج الاقتصادية النظرية التي تُستخدم في وضع السياسات الاقتصادية.

وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار عوامل الإنتاج والعرض والطلب في سوق النفط، نرى أنّ حجم دول الأوبك يُشكّل 47% من الإنتاج اليومي العالمي. وهذه الحصّة تّم استخدامها من قبل دول الأوبك للسيطرة على الأسعار عبر خفض رفع الكمية بما يتلاءم مع أسعار مُربحة لهذه الدول.

في المقابل تُنتج دول النفط التي لا تنتمي إلى دول الأوبك بكامل قدرتها الإنتاجية، ما يعني أنّ هذه الدول لا تمتلك أي هامش تحرك من ناحية أن خفض الإنتاج يضرب اقتصاداتها بالدرجة الأولى وتالياً يُقلل من مدخولها. من هذا المُنطلق لعبت دول منظمة الأوبك وما زالت تلعب دوراً رئيسياً في تحديد سعر برميل النفط.

إلّا أنه وفي الوقت الحالي تدور معركة ضارية داخل دول الأوبك (فيما بينها)، وبين دول الأوبك وبين روسيا والولايات المتحدة الأميركية على توزيع الحصص خصوصاً مع العودة المُرتقبة لإيران العام المُقبل مع رفع العقوبات بالكامل عنها.

إذاً، فقد أدّى هذا الصراع على الحصص، خصوصاً بعد الاتفاق على النووي الإيراني، إلى خلل في هيكلية العرض والطلب (عوامل العرض والطلب) وذلك بشكل متواز أي أنّ العرض زاد نتيجة ما تقدم، والطلب انخفض نتيجة تراجع الطلب الصيني بالدرجة الأولى على النفط وعلى المواد الأولية.

ويأتي النمو المُسجل منذ منتصف العام 2014 إلى اليوم أقل من المُتوقع بسبب التغيير الهيكلي الأساسي بين الإقتصادات المُتطورة والإقتصادات الأخرى خصوصاً النامية والمُصدّرة للنفط والتي أصبح وزنها أكبر في الاقتصاد العالمي.

وإذا كانت الدول المُستوردة للنفط تربح من ناحية تخفيض الكلفة عليها، إلّا أنّ الدول المُصدّرة تُعاني خسائر كبيرة نتيجة الإنخفاض الهائل في أسعار النفط في فترة لا تتجاوز العام والنصف. وهذا الأمر يُشبه لعبة بمجموع صفر (Jeu à somme nulle).

هذا الواقع غيّر قواعد اللعبة الاقتصادية أو أقله النظرة إلى النفط ودوره في الاقتصاد. ففي الماضي كان سعر النفط المُنخفص يُعتبر المُحرّك الأساسي للدورات الاقتصادية، أما اليوم ومع الوزن المُتزايد لمُنتجي النفط أصبح وزن سعر البترول أقلّ في إنعاش الدورة الاقتصادية، وهذا ما تمّ إثباته في العام والنصف الماضي مع برميل بسعر أقل بـ 75 د.أ. نسبة إلى السابق في حين أنّ زيادة النمو لم تتجاوز الـ 0,5%.

على صعيد آخر إستفادت الأسواق الناشئة من نسبة إستثمارات عالية مع السياسة النقدية الأميركية التي تمّ إتباعها خلال 7 سنوات. هذه الإستفادة أتت من خلال سعر الفائدة المُنخفض في الولايات المُتحدة الأميركية المعروفة تاريخياً بمصاصة رؤوس الأموال نظراً لتطور الإقتصاد الأميركي والثقة الكبيرة في أنظمتها السياسية وقوانينها.

اليوم ومع رفع الفائدة، من المُتوقع أن يكون لهذه الزيادة أثر سلبي على الإستثمارات الأجنبية في الإقتصادات النامية وفي اقتصادات الدول المُنتجة للبترول.

إذ أنّ قسماً كبيراً من هذه الإستثمارات يذهب إلى قطاع الطاقة، وتقليص رؤوس الأموال في هذه البلدان سيدفع ميكانيكياً إلى تقليص الإنتاج. وبالتالي، فإنّ أسعار النفط ستعود إلى الإرتفاع مع التآكل الطبيعي لقدرة النفط الإنتاجية.

وإذا ما نظرنا إلى بعض الدول النامية، نرى أنّ بلداناً كالصين والهند كانت تُنفق أموالاً طائلة لدعم المحروقات في أسواقها الداخلية وكانت هذه الأموال تُشكل عبئاً كبيراً على الموازنات. أما اليوم ومع أسعار نفط مُنخفضة، فإنّ الحكومات تُوفر الكثير على خزينتها، لكنها تخسر في نفس الوقت الرساميل التي ستذهب إلى الولايات المُتحدة الأميركية.

أما في ما يخص الدول المُنتجة للنفط، فإنّ العديد منها على شفير الركود لأنّ مدخولها الأساسي من النفط قَلّ. وبالتالي، تمّ وقف العمل بكثير من المشاريع الإستثمارية التي كانت قائمة. كما أنّ احتياطات هذه الدول من العملات الأجنبية بدأت بالتآكل بنسبة سريعة على مثال المملكة العربية السعودية التي زادت مصروفها العسكري بحكم الظروف الجيوسياسية القائمة في المنطقة.

أيضاً يُمكن ذكر المكسيك وروسيا لأنهما تُعانيان عجزاً كبيراً في موازناتهما، لكنّ الدول التي لها سعر صرف عملة شبه ثابت مقابل الدولار الأميركي تبقى المُتضرر الأكبر، كالمملكة العربية السعودية.

من ناحية أخرى فإنّ التباين في السياسات النقدية مدعومة باحتياطات هائلة في بعض الأحيان كحال السياسة النقدية للولايات المُتحدة الأميركية، سمحت لبعض هذه الإقتصادات بالصمود في الظروف الصعبة، لكنّ بعضها الآخر كان في ميدان آخر ظهرت نتائجه مع تدهور أسعار النفط.

وبالتالي، فإنّ الأشهر والسنوات المُقبلة ستُظهر مفاجئات سيئة خصوصاً في بعض الدول المُنتجة للنفط. وكنتيجة لكلّ ما سبق ذكره، نرى أنّ النمو العالمي سيبقى ضعيفاً خلال الأعوام القادمة. وبحسب تحليلنا، فإنّ الخروج من هذا الواقع لن يتمّ إلّا عبر إحدى هاتين الطريقتين: الصناعة العسكرية، أو التطور التكنولوجي.

في الختام يُمكن القول انّ التغيير الهيكلي في الخارطة الاقتصادية وزحف الثقل الاقتصادي إلى الشرق، أظهر إلى العلن مشكلة النماذج الإقتصادية التي أصبحت عاجزة عن توقع التغيرات بحسب المُعطيات. هذا الأمر له تداعيات سلبية على السياسات الاقتصادية للبلدان خصوصاً في أوقات الأزمات، ويحدّ من قدرة الدول على تدارك الأزمات.