عندما قرر المستثمرون الصينيون في الآونة الأخيرة شراء حصة 13 في المئة من أسهم شركة مانشستر سيتي، عاد اهتمام الصين بكرة القدم إلى الواجهة.
ولم تكن الصين أبدا بلدا كبيرا في كرة القدم، إذ لم تتأهل إلى نهائيات كأس العالم إلا مرة واحدة.
وكما يبدو أن اهتمام الصينيين بدوري كرة السلة الأمريكي أكبر من اهتمامهم بكرة القدم التي تعد اللعبة الأكثر شعبية في أغلب دول العالم.
ولكن المستثمرين الصينيون بدأوا في السنوات الأخيرة شراء حصص في أندية كرة قدم في إنجلترا وأسبانيا وفرنسا وهولندا وجمهورية التشيك، كما اعترف الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، بحبه لهذه اللعبة.
فلماذا يقتنص الصينيون الآن الفرص لشراء حصص في الأندية الأوروبية؟
هناك أسباب عديدة لهذا الاهتمام من بينها رغبة وطنية في الظهور بمظهر جيد على الساحة الدولية، وتطوير كرة القدم في الأندية الصينية والمنتخب القومي، وتكوين قواعد جماهيرية للعبة، واستخدام المؤسسات التجارية الأندية لإيجاد حضور تجاري في أوروبا.
ويقول سيمون تشادويك، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في جامعة كوفنتري، إن “الصين تريد أن تكون مسيطرة وناجحة في كل شيء تقوم به.”
وأضاف: “الشيء الذي لا يجيدونه حاليا هو كرة القدم، اللعبة العالمية. فالصين تريد أن ترتقي إلى مركز تنال فيه احتراما عالميا باعتبارها جزءا من المجتمع الدولي لكرة القدم.”
ويقول إن الرئيس الصيني، شي، بدا مشجعا كبيرا لكرة القدم، وتريد الصين بحلول عام 2025 أن تمتلك صناعة لكرة القدم بقيمة 840 مليار دولار (864 مليار جنيه إسترليني). وتشير تقديرات متفائلة إلى أن اقتصاد الرياضة العالمية بأكمله في الوقت الحالي يقدر بنحو 400 مليار دولار.
حالة نادي سلافيا
وأثقل نادي سلافيا براغ، أحد أكثر أندية كرة القدم عراقة في التشيك، بالديون، واقترب من انهيار مالي وشيك قبل بداية هذا الموسم.
وفي سبتمبر/ أيلول، اشترت شركة الطاقة الصينية المحدودة (CEFC) قرابة 60 في المئة من أسهم النادي في صفقة غير معلنة، لتشارك رجل الأعمال التشيكي، جيري سيمان، الذي اشترى نحو 40 في المئة.
وكانت صفقة الشركة الصينية في مجال كرة القدم في إطار خطوة استثمار أوسع في جمهورية التشيك.
ففي عام 2014، قررت إنشاء قاعدة أوروبية كبيرة لها في براغ، وشراء عقارين تاريخيين في المدينة، وكذلك عدد من الشركات الأخرى.
وفي أعقاب الاضطرابات التي تعرض لها نادي سلافيا، نجحت شركة الطاقة الصينية في الإبقاء على كبار اللاعبين مثل مهاجم المنتخب الوطني، ميلان سكودا، في النادي، إلى جانب خطط لشراء غيره من كبار اللاعبين المحليين المحبوبين لدى الجماهير.
واستطاع نادي سلافيا النجاة من الهبوط الموسم الماضي، ويحتل الآن المركز الخامس في الدوري، وهناك توقعات بوصوله لتصفيات الدوري الأوروبي الموسم المقبل.
ويقول البرفيسور تشادويك: “سيكون ذلك بمثابة صناعة للسوق على نطاق غير مسبوق في الرياضة… فالصين ستكون عندئذ قادرة على المنافسة على كأس العالم لكرة القدم، وهدفها الأسمى هو الفوز به.”
وأضاف: “لكنهم في حاجة إلى تعلم الكثير عن كرة القدم، فذلك أمر بالغ الأهمية. وبعمليات شراء الأندية الرياضية هذه يبدأون في اكتساب الأهلية لذلك.”
تأثيرات متعددة
ويقول تشاديك إن الأسر الصينية عادة ما تفضل تعلم أولادهم حرفة بدلا من امتهان الرياضة، ولتحسين مستويات اللعب تعكف البلاد في الوقت الحالي على إنشاء مدارس لكرة القدم على غرار الولايات المتحدة.
وتمكن هذه المدارس الشباب الموهوبين من تحسين مهاراتهم في كرة القدم توازيا مع الدراسة، وربما الاستعداد لدخول الجامعة.
وفيما يتعلق بتأسيس دوري محلي لكرة القدم، يقول تشادويك إن الصين تأثرت بالدوري الياباني.
فقبل تأسيسه في عام 1993 لم يتأهل منتخب اليابان لنهائيات كأس العالم، لكن منذ عام 1998 تأهل للنهائيات خمس مرات على التوالي.
وفضلا عن تأثرها بالتجربتين الأمريكية واليابانية تعمل الصين حاليا على اكتساب الخبرة من أندية كرة القدم الأوروبية.
ويقول تشادويك: “صفقة مان سيتي ليست عشوائية… لقد امتلكوا مجمع الاتحاد، وهو النموذج الذي تريد الصين اتباعه.”
ويضيف أن امتلاك الأندية الأوروبية تمنح (الصين) صوتا داخل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، يمكن الاستفادة منه عندما تتخذ القرارات بشأن أماكن تنظيم البطولات المستقبلية لكأس العالم.
“مستوى وموارد”
ويقول غو تشن، من مؤسسة يوتانغ سبورتس للتسويق الرياضي ومقرها بكين، إن المستثمرين الصينيين يتوقعون كذلك تحقيق عائدات اقتصادية كبيرة من كرة القدم الأوروبية.
ويضيف أن امتلاك حصص في أندية مثل أتليتيكو مدريد ربما يفتح المجال أمام اللاعبين الصينيين للظهور في الفرق في أوروبا الأكثر شهرة.
ويتابع: “ونتيجة لذلك، ربما يكون هناك المزيد من مشجعي الأندية من الصينيين، ما يعني قيم تجارية أكبر للأندية من السوق الصيني.”
ويتابع: “وربما تجني الشركات (كذلك) عندئذ الأموال من خلال نقل اللاعبين الدوليين (من الفرق الأوروبية) إلى الفرق الصينية. وهذا مصدر عائدات مربح للغاية.”
نادي سوشو
وانتابت الدهشة الجماهير في فرنسا – وتشكك آخرون- عندما اشترت شركة ليدوس المدرجة في بورصة هونغ كونغ نادي الدرجة الثانية سوشو من شركة بيجو مقابل صفقة بلغت سبعة ملايين يورو (5 ملايين جنيه إسترليني) في يوليو/ تموز الماضي.
وتعمل ليدوس في إنتاج المكونات الكهربائية، ومتخصصة في إنتاج أنظمة إضاءة ليد (LED).
ويعتبر سوشو من أقدم الأندية المحترفة في فرنسا، وامتلكته بيجو التي أسسته عام 1928. وبالنسبة للسكان المحليين، فإن النادي وبيجو كانا بمثابة عائلتهم.
ويقول مراقبون بوسائل الإعلام الفرنسية إنه ليس من المرجح أن تنجح ليدوس في بناء قاعدة جماهيرية في الصين حول النادي، فبدلا من ذلك يستخدم الملاك الجدد نادي سوشو أداة لتطوير علامة ليدوس التجارية، في فرنسا وأوروبا.
وبعد بداية النادي المتواضعة بهذا الموسم، يحتل سوشو في الوقت الحالي المركز الثالث من ذيل الترتيب في الدرجة الثانية، وبدأت الجماهير تسأل عن استراتيجية الصين الفعلية لسوشو.
ويقول ملاك النادي الصينيون إن شركة ليدوس في سوشو ستكون على المدى الطويل، وإن النادي سيحقق هدفه في العودة مرة أخرى إلى الدوري الفرنسي الممتاز.
ويقول تشادويك كذلك إن الشركات الصينية التي تتبع رغبات الرئيس، وتدعم كرة القدم ربما ينظر إليها نظرة إيجابية من قبل السلطات.
وثمة مؤشرات على أن استثمار الشركات في سوق كرة القدم المحلية في الصين حقق تقدما.
ويشير الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في جامعة كوفنتري إلى نادي جوانجزو إيفر غراند –الذي تمتلك فيه شركة إيفر غراند العقارية 60 في المئة مع شركة علي بابا للصيني جاك ما- الذي فاز ببطولة دوري أبطال آسيا مرتين في الثلاث سنوات الماضية.
ويقول: “أعتقد بأن الصين في إمكانها الفوز بكأس العالم… فلديها الموارد ، والمستوى، ودعم الدولة لاختصار 150 عاما من تاريخ تطور كرة القدم في عشر سنوات.”