Site icon IMLebanon

وثائق سفر فلسطينيي لبنان بخط اليد… وسلطات المطارات لا تقبلها

palestinian passport lebanon11

كتبت رنا نجار  في صحيفة “الحياة”:

عاد نزار إلى البصرة (العراق) حيث يعمل في إحدى شركات البترول، في 27 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بعد إجازة في بيروت. لكن الشاب الذي ولد في بيروت وترعرع فيها كلاجئ فلسطيني، لم يتمكّن من دخول العراق ومزاولة عمله كالعادة، اذ منعته السلطات العراقية من دخول أراضيها لأنه يحمل وثيقة سفر مكتوبة بخطّ اليد!

حاول نزار لساعات شرح حالة الفلسطينيين في لبنان وطريقة إصدار أوراقهم الثبوتية التي تكتب كلها بخط اليد، لضابط حقّق معه في مطار البصرة. ولكن الضابط “ملزم تطبيق قانون وكالة الطيران المدني الدولية ICAO التابعة للأمم المتحدة التي أصدرت قراراً بعدم قبول أي جواز سفر مكتوب بخط اليد أو غير مقروء آلياً، وعمّمته على كل دول العالم”.

اتصل نزار بالرقم 1717 المخصص للأمن العام اللبناني، واستفسر عن الموضوع، فأجابه أحد العناصر: “أحضر أوراقك الثبوتية واختمها من مختار المحلة التي تسكن فيها وتعال الى مديرية الأمن العام لتبديل وثيقتك ببيومترية”. فعل نزار ما قيل له، وعندما وصل الى مبنى الأمن العام، قال له أحد العناصر: “هذه المرة الأولى التي نسمع فيها بهذا الموضوع”. فحوّلوه الى مكتب الشؤون الخاصة. وبعد أخذ وردّ لأيام استطاع أن يتصل بنقيب في الأمن العام ليشرح له أن هذا الموضوع لا يمكن حلّه الآن وهو معقد يتعلّق بجميع اللاجئين، مضيفاً: “عليك الانتظار حتى أواخر العام 2016 لأننا أبلغنا أن السلطات ستبدل الوثائق الى بيومترية أواخر 2016 أوائل 2017”. رد نزار: “لكني مرتبط بوظيفة هناك ولا يمكنني أن أتأخر أكثر من أسبوع، سأُطرد من وظيفتي”.

بعد أسبوع من عودته الى بيـــــروت، قرر نزار المغــــامرة والسفـــر مرة أخرى الى البــصرة مع أحد زملائه في العمل وهـــو لاجئ فلسطيني أيضاً. “اتصل زميــــلي بصديق له في مطار البصرة لديه وساطـــة، ووعده بأن يساعدنا”. وهكذا دخـــلا البصرة وعادا الى عملهما، ولكنهما اليوم لا يستطيعان الخروج.

تضارب بموعد التبليغ

“الحياة” اتصلت بالأمن العام اللبناني عبر العميد أنطوان حنون، طالبة مقابلة مع اللواء عباس ابراهيم فور علمها بالخبر في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، لأن عدد اللاجئين الفلسطينيين حوالى 455 ألف شخص، وموضوع الوثيقة بمثابة الكارثة على عدد كبير منهم. ولكن حنون طلب إرسال أسئلتنا عبر الفاكس، ففعلنا ما طُلب في 6 من الشهر الماضي. لكن الردّ لم يأتِ الا بعد حوالى 3 أسابيع.

يفيد من التقت بهم “الحياة” من لاجئين فلسطينيين ورسميين وحقوقيين، بأن السلطات اللبنانية تبلّغت منذ سنتين قرار وكالة الطيران المدني الدولية ICAO في شأن الجوازات. وهو ما يؤكده أيضاً كل من المستشار الإعلامي في السفارة الفلسطينية حسّان شنينية وعضو المجلس الوطني الفلسطيني سميرة صلاح ورئيس العلاقات العامة والإعلام في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان “شاهد” محمد الشولي، اضافة الى بيانات الوكالة الدولية التي تحدّد أنه “في آذار (مارس) 2005، اعتمد مجلس ICAO قاعدتين قياسيتين جديدتين في الملحق التاسع في شأن الإصدار العالمي لجوازات السفر المقروءة آليا، فتلزم القاعدة القياسية 3-10 كل الدول الأعضاء بالـ ICAO بألا تصدر، اعتباراً من 2010/4/1، سوى جوازات سفر مقروءة آلياً، بينما تقضي القاعدة القياسية 3-10-1 بانتهاء صلاحية كل جوازات السفر غير المقروءة آلياً بحلول 2015/11/24”.

لكن مديرية الأمن العام أكدت أنه “تمّ تبلغ إخطار منظمة الطيران الدولي بتاريخ 8/6/2015”! ولكن قبل أن تُصدر “شاهد” في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بياناً تناشد عبره الحكومة اللبنانية حل أزمة وثيقة السفر، لم نسمع ولم نقرأ أي خبر أو بيان رسمي عن هذه القضية. ونشرت غالبية وسائل الإعلام اللبنانية البيان وأذاعته، من دون أن تتابع الموضوع لنعرف ما إذا كان هؤلاء الفلسطينيون الذين يحملون وثائق سفر والذين يبلغ عددهم 59624 (وفق الأمن العام)، لا يمكنهم السفر أو العودة الى لبنان بسبب تلك الوثيقة؟ أم أن مشكلتهم حُلّت؟

2016 مباشرة العمل بتبديل الوثيقة

أكدت مديرية الأمن العام لـ “الحياة” أن “وثيقة السفر الخاصة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان تدخل ضمن مشروع وثائق السفر البيومترية الذي جرى تلزيمه وبوشرت التحضيرات اللازمة لإنجازه ومن المتوقع مباشرة العمل به أواخر العام 2016”. هذا القرار الذي يؤكده رسمياً حسان شنينية، يتخوّف منه كثر كما يقول محمد الشولي الذي يعتبر أن “إعطاء موعد لبدء تبديل الوثائق قد يكون تأجيلاً موقتاً وليس حلاً موقتاً”. ويضيف: “أطلقت مثل هذه الوعود مراراً ولم تنفّذ، ثم أن آليات التطبيق غير واضحة وغير دقيقة، وسيبقى اللاجئ منذ الآن حتى إصدار الوثائق البيومترية خاضعاً لمزاج شركات الطيران والمطارات وهو ما قد يفقده عمله. صحيح أن الدول العربية تبلغت بالتمديد الموقت لتسوية الوثائق، لكن تصلنا شكاوى كثيرة عن تأخير للاجئين في المطارات والتحقيق معهم للتأكد من تاريخ ميلادهم أو عدم تزوير وثائقهم… بعد إصدار قرار ICAO”. لكن شنينية يبدو أكثر تفاؤلاً من الشولي، مؤكداً أن عملية التحويل هذه لا تقتصر على وثائق الفلسطينيين بل على جوازات السفر اللبنانية، وهي ستبدأ بجوازات الديبلوماسيين والسياسيين، ثم بالخاصة (عائلات الديبلوماسيين …) ثم بالوثيقة الفلسطينية اللبنانية، وأخيراً بالجوازات اللبنانية العادية.

أما لماذا لم تُستبدل هذه الوثيقة من قَبل ولماذا لم تلتزم السلطات اللبنانية الموعد الأخير الذي حدّدته وكالة ICAO، فلم يأتنا جواب. وكانت الدولة اللبنانية، وفق شنينية والشولي وصلاح، تبرّر التأخير في إصدار وثائق للفلسطينيين التي تتطابق مع المعايير الدولية وإلغاء تلك الورقية المكتوبة بخط اليد (طولها 15 سنتم والعرض 10 سنتم)، بعدم وجود الإمكانات المادية. مع العلم أن “الأمر يعتبر مكسباً مهماً للدولة اللبنانية والإجراءات الأمنية وتحديد هوية اللاجئين والحدّ من التزوير”، وفق شوال. ويشرح بيان لـ ICAO أن “جوازات السفر المقروءة آلياً تسمح بتخليص الإجراءات على الحدود في شكل سريع ومريح، وتُقدم في الوقت ذاته حلولاً أمنية فعالة للدول، من حيث التكلفة. وتشجّع لـ ICAO الدول على الامتثال لهذه التدابير الجديدة في أسرع وقت ممكن”.

ويشير الشولي الى أن مؤسسة “شاهد” تطالب بمكننة الأوراق الثبوتية للاجئين الفلسطينيين التي يسهل تزويرها بسهولة، منذ 3 سنوات، وكانت الوعود تطلق ولا تُنفّذ. ويفيد بأن “وكالة التنمية البشرية في الأمم المتحدة UNDP، قدّمت مليوناً ونصف مليون دولار لإتمام هذه المهمة، واستلمتهم الدولة اللبنانية عبر لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، ولكن حتى الآن لم يحصل شيئاً إلا إدخال البيانات على الكومبيوتر (Data Entry) إضافة الى تحسين وتجهيز مديرية اللاجئين”.

ويشرح الشولي أن من إيجابيات الوثيقة البيومترية، تسهيل مرور المسافر بسرعة في المطارات وعلى الحواجز، من دون أي إهانة أو تعريضه للتحقيق لأنه يحمل ورقة قد تبدو مزوّرة، كما أنها تلغي التمييز بحق حامل هذه الوثيقة والنظرة إليه كفئة ثانية والتعامل معه بعنصرية. والأهم أنها تنظّم وتضبط الوثائق والبيانات الصادرة عن الدولة اللبنانية لأي لاجئ وبالتالي تمنع التزوير.

قصة التمويل التي لا تنتهي

حُكي الكثير عن نقص التمويل الذي تتطبله عملية تحويل الوثائق الى بيومترية. وهنا يفيد حسان شنينية بأن “سويسرا والاتحاد الأوروبي عرضا تمويل هذه العملية، كما عرضه أثرياء فلسطينيون عبر السفارة ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. لكننا لم نعرف من هي الجهة التي اتّفقت معها الدولة اللبنانية على التمويل ولا ما إذا قررت هي ذاتها تأمين التكاليف! بتنا نعرف جيداً، أن كل لاجئ مسجل في لبنان سيدفع ثمن تحويل بطاقته أو وثيقة السفر بذاته وهو ما قد لا يقدر عليه بعضهم”.

وقيل إن الماكينة التي تطبع الوثائق البيومترية باهظة الثمن وليست موجودة لدى المديرية العامة للأمن العام، وعرضت حركة “فتح” الفلسطينية شراءها ومنحها له، لإيجاد حل سريع للفلسطينيين العالقين في بيروت. لكن المديرية اكتفت بهذا الرد: “تم شراء المعدات اللازمة وستصبح وثيقة السفر البيومترية قيد التنفيذ أواخر العام 2016”.

وفي ما يتعلّق بأي تنسيق مع السفارات اللبنانية لإيجاد حل لمشكلة فلسطينيي لبنان المقيمين في بلاد الاغتراب، جاء الرد: إن الموضوع قيد المعالجة مع سلطات الدول التي يـــتـــواجد فيها لاجئون فلسطينيون مسجّلون في لبنان وذلك عبر السفارات الموجودة في لبنان أو بعثاته في الخارج.