مجلس الاحتياطي الفيدرالي شرع للتو في أول دورة لرفع أسعار الفائدة منذ عشر سنوات، لكن هذا لا يعني أن من السابق لأوانه التفكير في الكيفية التي يمكنه من خلالها إحياء الاقتصاد إذا ضربه ركود جديد بشكل غير متوقع.
قالت جانيت ييلين، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي، يوم الأربعاء الماضي إن حالات الانتعاش “لا تموت نتيجة التقدم في العمر”، في الوقت الذي رفضت فيه إشارات إلى أن توسع الولايات المتحدة أصبح عتيقا على نحو خطير بعد ست سنوات من الركود العظيم.
وأضافت أن احتمال أن تتعرض الولايات المتحدة لصدمة تدفعها نحو الركود في أي سنة معينة ربما يكون 10 في المائة على الأقل، لكن ليس هناك شيء يجعلها تشعر بقلق خاص إزاء التعرض لنكسة في الوقت الحاضر. وأوضحت أيضا أن الاحتياطي الفيدرالي كان ينظر أيضا إلى الخيارات التي ستكون تحت تصرفه إذا تعثر الاقتصاد الأمريكي.
هذ أمر معقول تماما. فقد رفعت البنوك المركزية في أنحاء العالم، بدءا من البنك المركزي الأوروبي إلى بنك اليابان والبنك المركزي السويدي، أسعار الفائدة في السنوات الأخيرة، فقط لتضطر إلى تخفيضها مرة أخرى بعد تعثر اقتصادها.
قال راندال كروزنر، الذي شغل منصب محافظ في الاحتياطي الفيدرالي خلال الأزمة، ويعمل الآن كلية بوث لإدارة الأعمال في جامعة شيكاغو: “لدينا الآن قواعد اللعب لهذا الوضع”. وأضاف: “هناك عدد من البنوك المركزية (…) انتهى بها الحال إلى إعادة خفض أسعار الفائدة والانخراط في التسهيل الكمي، وفي بعض الحالات أخذ أسعار الفائدة إلى المنطقة السلبية”.
يوم الأربعاء أطلق الاحتياطي الفيدرالي ما يحتمل أن يكون دورة رفع أسعار الفائدة الأكثر ضحالة منذ السبعينيات، في الوقت الذي يكبح فيه بحذر جماح التحفيز الاقتصادي الذي أطلقه خلال الانهيار المالي.
فحتى إذا تحققت التنبؤات المتوسطة لصناع السياسة – وهو أمر تشك به الأسواق – فإن سعر الفائدة على ودائع المصارف لدى الاحتياطي الفيدرالي بالكاد سوف تتجاوز 3 في المائة بحلول نهاية عام 2018، ما يعطي للاحتياطي الفيدرالي مجالا ضيقا للخفض قبل أن تصل المعدلات إلى الصفر مرة أخرى، إذا احتاج لدعم الاقتصاد.
وأشارت ييلين يوم الأربعاء إلى أن أحد أسباب رغبة الاحتياطي الفيدرالي في إبقاء التحفيز المقدم من ميزانيته المتضخمة، البالغة 4.5 تريليون دولار، قيد التنفيذ لبعض الوقت في المستقبل هو أن هذا يفترض أن يعطيه نطاقا أكبر لرفع أسعار الفائدة على ودائع المصارف وإيجاد عازل أكبر أمام خفض أسعار الفائدة، إذا كانت هناك حاجة إلى عكس مساره. وقالت في مؤتمر صحافي: “أحد العوامل التي تحدثنا عنها هو الرغبة في وجود بعض المجال للتعامل مع صدمة سلبية للاقتصاد، من خلال خفض سعر الفائدة على ودائع المصارف لدى البنك المركزي”.
وأضافت: “سيكون من الجميل أن تكون لدينا منطقة عازلة فيما يخص رفع سعر الفائدة على ودائع المصارف، بحيث تقدم لنا بعض المجال المنطقي من أجل الرد”.
ولاحظ لو كراندال، كبير الاقتصاديين في رايتسون ICAP، أن الاستراتيجية منطقية. وقال إن أمام الاحتياطي الفيدرالي “بعدين على طول تلك الفترة يمكنه تشديدهما”، أحدهما من خلال السماح لميزانيته العمومية بأن تتقلص مع بلوغ الأصول تواريخ استحقاقها، ومن ثم استهلاكها، والبعد الآخر عن طريق رفع أسعار الفائدة. وإذا نعثر الاقتصاد سيكون من السهل بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي تخفيض الأسعار مرة أخرى، بدلا من إعادة شراء الأصول لتضخيم ميزانيته العمومية. وقال: “من الناحية السياسية من الصعب جدا أن نبدأ (التسهيل الكمي) مرة أخرى”. وإذا اضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيض أسعار الفائدة مرة أخرى إلى نقطة قريبة من الصفر، فإنه سيضطر قريبا لبدء التفكير في استراتيجيات بديلة لإعادة تشغيل الاقتصاد – وجميعها بحسب كراندال، محفوفة بصعوبات.
أحد الخيارات يتمثل في تخفيض أسعار الفائدة ودفعها إلى المنطقة السلبية، وهو ما تحاشاه الاحتياطي الفيدرالي أثناء الأزمة الأخيرة، بسبب مخاوف من تداعيات سلبية في الأسواق المالية. ووفقا لكراندال، هذه المناورة يمكن أن تكون تخريبية إلى حد كبير بالنسبة لصناعة صناديق سوق المال، لأنها تستثير تدفقات خارجة ضخمة.
ومع ذلك، تركت ييلين ذلك الأمر على القائمة، عقب التجربة الأخيرة للبنوك المركزية في أوروبا بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي. وقالت: “أنا لا أفكر في أننا سنحتاج إلى ذلك، وإنما هو شيء يمكننا دراسته”.
وما كان ذلك خيارا حقيقيا، فهذا يعتمد بصورة رئيسية على دليل فاعلية سياسات أسعار الفائدة السلبية الأخيرة في الخارج. وحتى الآن لم يتم التوصل إلى قرار حاسم في هذا الشأن.
الخيار الأرجح ربما يكون القيام بما هو أكثر من خلال الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي، وكذلك الإرشاد المتقدم لضمان أن أسعار الفائدة في الأسواق ستبقى منخفضة. وقال كراندال إن الخطوة المبدئية قد تكون تغيير تكوين محفظة الاحتياطي الفيدرالي بالتحول نحو أوراق مالية ذات آجال أطول.
لكن ومن شأن ذلك أن يكون قرارا تدريجيا للغاية. الخطوة الأكثر جرأة تتمثل في توسيع الميزانية العمومية، في الوقت الذي يعزز فيه الاحتياطي الفيدرالي مخزونه من الأوراق المالية. ومع أن التسهيل الكمي يمكن أن يكون فعالا في المساعدة على تهدئة حالة الذعر، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن الأثر الاقتصادي سيكون متواضعا نسبيا. وقال كروزنر: “الاحتياطي الفيدرالي والسوق يدركان أن الأمر سيكون بحاجة إلى رفع أعلى للأسعار من أجل أن يكون له التأثير نفسه كما كان من قبل”. وأضاف: “ومع ذلك، لن يردعهم ذلك عن استخدام التسهيل الكمي إذا كان هناك هبوط كبير أو خطر انكماش”.
في الوقت الذي يشرع فيه البنك المركزي في زيادة أسعار الفائدة، لا شيء من هذا يبدو مصدر قلق فوري. وبحسب جيم أوسوليفان، من “هاي فريكونسي إيكونوميكس”، بمجرد أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، تميل العملية إلى الاستمرار لبعض الوقت. لكنه حذر قائلا: “مع نمو متواضع جدا، قد يحتاج الأمر إلى صدمة أقل مما كان عليه في الماضي حتى يتأثر الاقتصاد”.