يشكل القطاع الإستشفائي أحد ابرز تحديات هيئات الدعم الدولية في أوساط النازحين السوريين لدى لبنان، وبرغم الجهود التي بذلت، لا تزال المعاناة من نقص الخدمات الاستشفائية كبيرة، خصوصا بعد تضاؤل إندفاع المنظمات والهيئات المحلية، إثر استمرار الأزمة السورية وتضخم حجم النزوح.
عمليا تغطي المفوضوية العليا لشؤون اللاجئين الخدمة الاستشفائية عبر بطاقة تعرف بـ MEDI VISA، وتسدد بموجبها نسبة 75% من كلفة استقبال الحالات الطارئة والولادات في المستشفيات والتي تستهلك الجزء الأكبر من الميزانية المخصصة للإستشفاء. اما في البقاع، وبحسب موظفة معاونة في قسم العلاقات الخارجية لدى المفوضية، تاتيانا عوده، فتتعاقد UNHCR مع 14 مستشفى و33 مستوصفاً لإستقبال الحالات الصحية الطارئة في صفوف السوريين، ويسجل دخول معدل 1600 مريض سوري الى هذه المستشفيات شهرياً.
بين المستشفيات المتعاقد معها، هناك من نجا من حالة التعثر على حساب أزمة اللجوء السوري كمستشفى الرحمة في تعنايل الذي فضّ عقده مؤخراً لخلافات مالية. ومنها من أعيد إطلاقه خدمة للنازحين السوريين أولاً، كمستشفى مياس في شتورا، والذي إفتتحه الوزير وائل ابو فاعور رسميا قبل اسابيع.
إرتبط إسم مستشفى مياس، والذي كان يعرف سابقاً بمستشفى الميس، بالأزمات، ولا سيما في حرب تموز 2006، ومؤخراً في ظل النزوح السوري. ويشرح المدير الاداري في المستشفى محمود عراجي لـ “المدن”، ان الرئيس سعد الحريري اشترى المستشفى قبل سنوات من النائب السابق محمد علي الميس اثر الحاح من ابناء المنطقة، كجزء من السياسة الرعائية التي يعتمدها تيار المستقبل في البقاع، خصوصا أن قسماً كبيراً من المساعدات غير المعلنة لمؤسسة الحريري كانت تنفق في القطاع الإستشفائي. تأخر إطلاق المشروع نتيجة للصعوبات المالية والظروف السياسية التي مرت بها البلاد، الى ان تفاقمت الأزمة السورية، ليأخذ المستشفى دوره بإدارة النائب غطاس خوري.
فبعد ان فرض الوجود السوري حاجات إضافية في القطاع الاستشفائي، “صار مطلوباً اعادة النظر في البنية الاستشفائية في مناطق اكتظاظ النازحين ولا سيما في البقاع وعكار”. ومن هنا يحدد المدير الطبي في مستشفى مياس، عاطف الصايغ، جدوى إعادة إفتتاح “مياس”، الذي باشر عمله قبل عامين ونصف كمستوصف مخصص لتقديم المعاينة الطبية المجانية للسوريين بالتعاون مع الجامعة الأميركية، قبل أن يعاد تجهيزه ليستقبل النازحين السوريين حصراً في البداية، ومن ثم خصص طابقٌ منه للمرضى اللبنانيين منذ ستة أشهر.
يتحدث الصايغ عن الرساميل الهائلة التي وضعت في إعادة إفتتاح المستشفى الذي بات مهيأً لإستقبال 120 مريضاً، وهو مجهز ايضا بغرفتي عمليات، ويجري التحضير لإضافة غرفة ثالثة، بالإضافة الى قسم العناية بالأطفال “الخدج” او الذين يولدون قبل أوانهم، وغرفة الطوارئ والمختبر وقسم التصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير الشعاعي المرتبط مباشرة بمستشفى الروم.
أرسى “مياس” عقوداً متينة مع الهيئات والمنظمات الداعمة للنازخين السوريين، حتى صار يعرف بمستشفى السوريين. اذ انه على رغم محاولة مدراء المستشفيات عدم التمييز بين المريض السوري والمريض اللبناني، يكشف هؤلاء عن نظرة دونية يرفض من خلالها البعض التواجد بغرفة يشغلها نازح سوري، ما تسبب بإشكالية دفعت بعض المستشفيات لتحديد سقف استقبال المرضى السوريين بحسب مدير مستشفى البقاع محمد قرعاوي، الذي يلفت ايضا الى ان المستشفيات البقاعية “الشغالة اساسا” تعاني من إكتظاظ اسرّتها بالمرضى اللبنانيين، وبالتالي من الطبيعي ان يأخذ مياس دوراً أكبر بالنسبة لإستقبال المرضى السوريين.
الا ان الإشكالية تبقى بحسب الصايغ، في القدرة المالية للنازح السوري، وعجزه عن تسديد حتى نسبة الـ 25% من الكلفة الاستشفائية، الأمر الذي يثار تكراراً مع الهيئات الداعمة، في محاولة لإيجاد مخرج يحول دون إغراق المستشفيات بأعباء الفواتير غير المسددة، اذ ان طبيعة الخدمة الطبية التي يحتاجها معظم من ينقلون بشكل طارئ الى مستشفيات البقاع، لا تحتمل التأجيل، كالولادات مثلا، والتي لا تزال معدلاتها عالية في اوساط النازحين. ووفق قرعاوي سجلت المفوضية العام الماضي نحو 30 الف حالة ولادة في مستشفيات لبنان نحو 17 الف منها في البقاع وحده. فيما يحصي مستشفى مياس ما بين 260 الى 310 حالة ولادة عادية او قيسرية في المستشفى شهرياً، حيث تترافق هذه الإشكالية ايضاً مع أعداد الأطفال الذين يولدون مع حاجة لحاضنات الأطفال، وهذا بحد ذاته كما يقول عراجي “يرتب أعباءً كبيرة على المستشفيات وعلى الجهات المانحة وحتى على الأهل، بسبب كلفة إشغال الحاضنات المرتفعة”.
ومن هنا يتحدث مدراء المستشفيات عن إنعكاس تراجع المساهمات الاستشفائية سلباً على قدرة إستقبال المستشفيات لبعض الحالات المستعصية على مسؤوليتها، ومنها حالات الأمراض المزمنة، او امراض السرطان المنتشرة بشكل لافت في اوساط النازحين، والتي لا تغطيها الـ MEDI VISA، فيشير الصايغ الى ان مستشفى مياس عمل على تسهيل المعاملات المطلوبة لتردد هؤلاء المرضى الى سوريا حيث يتلقون العلاجات مجاناً، حتى في ظل المخاطر الأمنية التي يواجهها بعضهم في بلاده.
تقر عوده في المقابل انه بعد اربع سنوات من الازمة السورية صار هناك تفاوتٌ كبيرٌ بين الحاجات المتزايدة والامكانيات، وخصوصا على الصعيد الاستشفائي، وتشير الى محاولة دائمة لسد الثغرات عبر الاستفادة من كل مساعدة تقدم، ومن بينها مساهمة المنظمات المتعاونة مع الـ “UNHCR” في خدمة تسيير العيادات النقالة الى المخيمات، آسفة لكون رفع السقف المالي لتغطية الحالات المرضية لا يزال محدودا، الأمر الذي يقول معنيون بالقطاع الاستشفائي انه يرتب أعباءً إضافية حتى على الدولة اللبنانية التي تؤمن في بعض الحالات الاستثنائية ادوية الأمراض المزمنة مجاناً. واعربت في المقابل عن مخاوفها من ان يتحول هذا الملف الى عبء دائم يلقى على عاتق البلدان المضيفة، ما لم تسع المنظمات الدولية لتأمنين المساهمات المستقرة والإضافية لإستشفاء النازحين.