Site icon IMLebanon

ضريبة المحروقات “مؤكدة”.. والخيار بين 3 و5 آلاف ليرة

gasstationlebanon
خضر حسان

تبحث الحكومة اللبنانية عن الخاصرة الرخوة للمواطن اللبناني كي تضربه من خلالها، وتتذرّع لتبرير خطوتها بإنسداد الأفق. واللافت ان هذه الحكومة تتجه الى خيار فرض الضرائب عندما يسأل المواطن عن حقه، والضرائب لا تكون تصاعدية بهدف تحقيق العدالة، وانما موحّدة، تراعي إمكانية دفع السياسيين وأصحاب المصارف لها، على عكس الفئات الشعبية.

عندما سدّت الطرق بوجه الحكومة في ملف تمويل سلسلة الرتب والرواتب، كان الإقتراح الأسرع والأنسب بنظرها هو اللجوء الى الضريبة المباشرة، وتحديداً رفع سعر صفيحة البنزين. يومها اعترضت هيئة التنسيق النقابية، لكن لم يكن الإعتراض على مستوى شعبي واسع، لأن أحزاب السلطة لجمت أنصارها. واليوم يعود خيار رفع سعر المحروقات من باب ترحيل النفايات. اذ ان خيار الترحيل بات تحصيلاً حاصلاً بعد سد الدولة لأبواب الحلول الأخرى، عبر عدم التوافق على تقسيم حصص الحلول، إن على مستوى المطامر او المحارق أو معامل الفرز وغير ذلك.

3000 ليرة هي قيمة الزيادة المقترحة على سعر صفيحة البنزين لتمويل عملية الترحيل، ورفض هذا الخيار، يعني بنظر الحكومة عرقلة حل ازمة النفايات، لأن “الجميع متفق على خيار الترحيل”، وفق ما أكده وزير الزراعة أكرم شهيب، في حديث اذاعي الإثنين. وبعيداً من الموافقة او الرفض، فإن للزيادة تداعيات تتخطى ازمة النفايات لتخلق ازمة معيشية، سيسببها ارتفاع الأسعار. إلا أنّ خيار الذهاب الى أزمة معيشية لا يؤذي السلطة، لأن احزابها قادرة على الامساك بالشارع في ما يتعلق بالازمات المعيشية. فإرتفاع الاسعار لا يخلق ازمة شعبية وسياسية لأن المواطن اعتاد ان يستهلك في جميع الاحوال، وان يقتصر رفضه على الامتعاض لا أكثر، على عكس الاعتراض على ازمة النفايات، حيث يستحيل الاعتياد عليها.

رفع اسعار المحروقات بدأ الترويج له منذ حوالي أسبوع، لكنه لم يدخل حيّز الإعلان الرسمي بعد. وهذا الإقتراح، يحمل نَفَسَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كان عرّاب اقتراح زيادة اسعار المحروقات لتمويل السلسلة. ويستند السياسيون في قرارهم هذا الى ان اسعار النفط منخفضة عالمياً، والمواطن اللبناني كان يستهلك النفط وفق السعر المرتفع قبل الانخفاض، وبالتالي فهو معتاد على ارتفاع الاسعار، ومبلغ 3000 ليرة ليس كبيراً، ويسهل احتماله. وقد يكون هذا الرأي صائباً، أو على الاقل يمكن احتماله، إذا ضمنت وزارة الاقتصاد عدم ارتفاع الأسعار في السوق عموماً، لأن المحروقات هي سلعة اساسية تدخل في عملية الانتاج، ورفع سعرها سيرفع سعر الكلفة حتماً. فهل تستطيع الوزارة ضبط الاسعار؟ التجربة تشير الى عكس ذلك، فحين ارتفعت اسعار النفط، ارتفعت اسعار السلع، وتعرفة النقل، وعندما انخفض النفط، بقيت الاسعار على مستواها نفسه.

في هذا السياق، يرى رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي، ان “فرض هذه الضريبة هو الخيار الاسهل الذي يكسب هذه السلطة الملايين، في وقت سريع”. ويعتبر في حديث لـ “المدن” ان “زيادة 3000 ليرة هو امر بالغ الخطورة، فالمبلغ يعني سلب المواطن لربطتي خبز مع كل صفيحة بنزين”، ويشير الخولي الى ان الشعب سيدفع اموالاً تضاف الى كلفة زحمة السير التي تصل سنوياً الى نحو “2 مليار دولار، وفق دراسات اجرتها الجامعة الامريكية في بيروت”. ويقترح الخولي ان تتجه الحكومة الى “تخفيض كلفة زحمة السير عبر سلسلة من مشاريع البنى التحتية، فضلاً عن ضرورة ضخ اموال في السوق وتشجيع الاستثمارات وخلق فرص عمل، بدل القاء اعباء اضافية على المواطنين”. ولأن اعتماد هذه السياسات امر مستبعد، يؤكد الخولي ان الحكومة “لا تملك افقاً سياسياً واقتصادياً، وهي لا تتخذ قراراتها وفق دراسات لمعالجة الازمات، وانما لديها حلول سريعة لا تلتفت الى اي انعكاسات”.

من الناحية المالية، زيادة الضرائب تؤدي الى زيادة ايرادات الدولة، لكن من الناحية الاقتصادية فإن الحسابات تختلف. لأن الوضع الاقتصادي في البلاد اليوم، متردٍّ، وفرض ضريبة على الناس في وقت الأعياد، يزيد الضغط الاقتصادي. لكن هذه الناحية مستبعدة حتى اللحظة نظراً لضيق الوقت، فالترحيل لم يُقر قانونياً ولم يدخل حيز التنفيذ. لكن مصادر اقتصادية تؤكد لـ”المدن” ان اقرار الزيادة حاصل لا محالة، لأن الدولة بحاجة الى اموال لتغطية نفقات الترحيل. والدولة – بناء على قرارات سلامة – قد تضحي بالوضع الاقتصادي شرط حماية الاستقرار المالي، لأن الجانب الاقتصادي يمكن إصلاحه مع الوقت، نظراً لطبيعته التي تظهر تأثيراتها مع الوقت، وفي أبسط الأحوال، يمكن الركون الى إيداعات مالية قد يحصل عليها لبنان من دول عربية، تساهم في انعاش الوضع الاقتصادي، لكن اهتزاز الاستقرار المالي، يُظهر نتائج لحظية وكارثية في أغلب الاحيان.

إذن، خيار الترحيل نهائي، وزيادة الضريبة خيار يتجه نحو الاعتماد النهائي، لكن يمكن تعديل شكله، فبدل ان تكون الضريبة 3000 ليرة، وتكتفي الدولة بتحصيل هذا المبلغ، يمكن تثبيت سعر المحروقات، ليصبح سعر صفيحة البنزين مثلاً 20 ألف ليرة، خاصة وان هناك احتمالاً بأن ينخفض سعر النفط عالمياً الى حدود 30 دولاراً للبرميل، وبنتيجته يصل سعر صفيحة البنزين الى حوالي 15 ألف ليرة، وتثبيت السعر يُكسب الدولة 5000 ليرة بدل 3000.