Site icon IMLebanon

الحلفاء للحريري: أعطِنا مكسباً واحداً لنمشي بالصفقة

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

سأل أحد الصحافيين ركناً مسيحياً بارزاً في 14 آذار: حتى الآن، عرفنا الكثير من المكاسب التي سيحقّقها فريق 8 آذار من صفقة انتخاب فرنجية. ولكن ما هي المكاسب التي سيحققها فريقكم في المقابل، فأجاب: إذا كان لك سبيل إلى الرئيس سعد الحريري، إطرح عليه هذا السؤال. فنحن بُحَّ صوتنا في سؤاله: أعطِنا مكسباً واحداً لنمشي بالصفقة، ولكن عبثاً ننتظر جواباً. «كْعينا»!يذهب الركن المسيحي إلى خلاصة أعمق من ذلك، فيقول: صراحةً، علينا أن نضحك في سرِّنا للعناد الذي يبديه العماد ميشال عون في وجه الصفقة. فلولاه لكان الحريري مشى بفرنجية، مع فريق 8 آذار، وتركَنا على قارعة الطريق. ولذلك، علينا أن نشجّع عون على مزيد من العناد حتى تمرَّ الغيمة.

إذاً، ليس الشعور المرير بالاستفراد والإستغياب وحده هو الذي يزعج مسيحيي 14 آذار، بل أيضاً الشعور بأنّ الحريري يصرّ وبأيّ ثمن، وبشكل غير مفهوم، على تمرير صفقةٍ يعتبرونها خاسرة، بل إنها ستقود عملياً إلى التصفية الكاملة لفريق 14 آذار في غضون فترة قصيرة.

فعهد سليمان فرنجية سيدوم 6 سنوات. وخلالها، سيكون لفرنجية وحلفائه متسع من الوقت ليستميلوا قوى من 14 آذار ويُرضوها ويستبعدوا أخرى، ما يؤدّي إلى بروز مزيد من التفسّخات بين مكوّنات هذا الفريق وتضارب في المصالح.

وفي هذه الحال، لن يكون هناك مجالٌ لتكرار المقولة المعتادة: «نحن نختلف في التكتيك ونلتقي في الاستراتيجيا». فمدة 6 سنوات ستكفي لتباعد الجميع في التكتيك والاستراتيجيا.

وفي رأي هذا الركن في 14 آذار أنّ السعودية مستعدة للمضي في الصفقة. لكنّ إيران هي التي تتريث حالياً، لا لأنها تتمسك بعون أو ترفض فرنجية، بل لأنها تنتظر مزيداً من تبلور الصورة، خصوصاً في سوريا. وعلى أساس ذلك ستقرّر ما تفعله في لبنان.

يضيف الرجل: لقد أعطوا إيران المنزل. وهي توحي بأنها غير راضية لكي تحقق المزيد من المكاسب: هي أيضاً تريد الحديقة والبراح الخارجي وسائر حقوق الملكية.

فالإيرانيون هم الذين يمتلكون غالبية القرار في لبنان، وإذا لم تكن الصفقة ستحقق لهم المزيد من المكاسب، فلماذا يتحمّسون لها؟ ولذلك، هم اليوم يوحون بالاعتراض لكي يقدِّم المستعجلون على التسوية مزيداً من المكاسب، أيْ الحديقة وما إليها… وعندما يحصلون على ذلك سيمضون في الصفقة على فرنجية.

ويُسأل هذا القطب: هل قانون الانتخاب هو ما تنتظر إيران تحصيله؟ فيجيب: « قانون 1960 تريده إيران لأنه مناسب جداً لـ»حزب الله». والحريري وجنبلاط موافقان عليه. فلا مشكلة في هذا المجال. وهي تريد تحسين بعض المواقع في الحكومة وسائر الأجهزة والمؤسسات في لبنان، وتريد مكاسب إقتصادية ومالية.

لكنّ الأهم بالنسبة إليها هو الإفادة من الضغط الدولي- العربي لتمرير التسوية في لبنان لكي تساوم وتحصل على السقف الأعلى لمصلحة حليفها بشّار الأسد في سوريا. ومن هنا ارتباط سرعة التسوية في لبنان بسرعتها في سوريا.

وفي أيّ حال، ضمنت إيران وحلفاؤها حتى الآن، في لبنان، اعترافَ 14 آذار بأنّ الرئاسة محصورة بفريق 8 آذار، وأنْ لا مجال إطلاقاً لوصول رئيس من 14 آذار. فـ»المستقبل» لن يتراجع عن رئاسة الحكومة تحت أيّ ظرف مقابل رئاسة الجمهورية.

وهكذا أصبح التنافس قائماً داخل 14 آذار بين المكوِّن السني الذي يريد رئاسة الحكومة والمكوِّن المسيحي الذي يريد رئاسة الجمهورية. وهذا التباين في ذاته خسارة للفريق وانتصار لفريق 8 آذار الذي يحتفظ برئاسة المجلس النيابي ولا يتخلّى عنها ويفاوض على رئاسة الجمهورية إضافة إليها.

وهنا الفارق الأساسي بين المفاوض الشيعي الذي ينطلق من مكاسب يتمسك بها مسبَقاً ولا يفاوض عليها، والمفاوض السنّي الذي بدأ مفاوضاته بالتسليم بحذف موقع رئاسة المجلس من المفاوضة، وتخلّى عنه لفريق 8 آذار بلا نقاش، إضافة إلى رئاسة الجمهورية.

إذاً، بات محسوماً في المعادلة التي كرَّسها اجتماع الحريري- فرنجية في باريس أنّ أيّ صفقة سيطبخها الحريري لا أمل فيها لمسيحيّي 14 آذار في بلوغ رئاسة الجمهورية. واستتباعاً، باتت تسمية «المستقبل» للدكتور سمير جعجع كمرشح فريق 14 آذار مجرد تسمية وهميّة، وهي تشبه شيكاً بمليار دولار… ولكن بلا رصيد!

وحتى الرئيس أمين الجميل، الذي يُفترض أن يكون الخيار البديل عند الحريري، إذا لم ينجح تسويق ترشيح جعجع، لم يعد له أيّ مكان في أيّ صفقة رئاسية يعقدها الحريري. وهذا ينطبق أيضاً على الموارنة المستقلّين في 14 آذار.

في تقدير البعض أن فريق 8 آذار استدرج الحريري إلى ساحته، ووضعه أمام خيار وحيد هو انتخاب رئيس الجمهورية من هذا الفريق حصراً. وفي ذلك ربح المعركة قبل أن تبدأ:

1- ضرْبُ الثقة بين مسيحيّي 14 آذار و«المستقبل»، ولو جرى ترميمها صوَرياً.

2- التضحية بمرشحي 14 آذار، حتى المستقلّين منهم الذين كان بعضهم يمكن أن يشكل بديلاً مقبولاً من المرشحين الأقطاب إذا تعذّر وصول أحدهم.

3- حسم الهوية السياسية لموقع الرئاسة لمصلحة 8 آذار، حتى إشعار آخر.

4- إستطاع فريق 8 آذار أن يجرّ الحريري إلى لعبة مقاسمة بين 8 (رئاسة الجمهورية) و14 (رئاسة الحكومة)، وأن يُبعد موقع رئاسة المجلس النيابي عن هذه المقاسمة. وفي الترجمة، ستكون رئاستان من اصل 3 رئاسات لـ8 وواحدة لـ14.

ولأنّ رئاسة الجمهورية مضمونة لـ6 سنوات ولا قدرة لأحد على اختصارها، ولأنّ رئاسة المجلس ثابتة لـ4 سنوات، فإنهما ستكونان الأقوى في مقابل رئاسة الحكومة التي يمكن «قبعها» بسهولة، وفي أيّ لحظة، من خلال 5 وسائل:

– الانتخابات النيابية التي تفرز حكومة جديدة.

– سحب الثقة من الحكومة في المجلس النيابي.

– إستقالة ثلث أعضائها.

– إستقالة رئيسها تحت تأثير ضغوط معينة.

– في السنوات الأخيرة، دخل عامل جديد لإسقاط الحكومة هو تعطيلها ميثاقياً بانسحاب وزراء أيّ طائفة منها. وعملياً، يمكن للثنائي الشيعي أن يسحب وزراء الطائفة من الحكومة فيعطلها، كما جرى في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. واليوم، يجري شيء من هذا القبيل لحكومة الرئيس تمام سلام، ولكن بطبيعة مختلفة.

ومن هنا، يسأل مسيحيّو 14 آذار: إذا كان فريق 8 آذار سيحقق كلّ هذه المكاسب في الصفقة الموعودة، فما الذي يدفع الحريري إلى التمسك بها والسعي بأيّ ثمن إلى تحقيقها؟ وهل يدرك الحريري أنها ستزيد من خسارته، على عكس ما يعتقد كثيرون، وستؤدّي إلى الإخلال نهائياً بالتوازن بين المحوَرين المتصارعَين في لبنان؟

وإذا كان يعلم ذلك، فهل اختار الحريري هذه النتيجة طائعاً أم هو يتعرَّض لضغوط بعض القوى الإقليمية التي تطبخ الصفقات لمصلحتها وتفرض على الوكلاء اللبنانيين أن يسيروا بما يخالف مصالح 14 آذار؟ وفي أيّ حال، هل تستأهل هذه التسوية تقديمَ التنازلات التي بدأت الأصوات من داخل فريق «المستقبل» تعترض عليها بقوّة؟

يختصر الركن البارز في 14 آذار تقويمه بالقول: إعتدنا على الصدمات، لا منذ 2005، بل قبل ذلك بسنوات وسنوات. رحم الله الشهداء جميعاً.