روسيا، إيران، العراق، الكويت، المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان الُمنتجة للنفط، تخوض حرباً ضارية في السوق الآسيوي لربح حصص في هذا السوق الضخم. وإذا ما كان الأميركيون قد سمحوا للشركات النفطية الأميركية بتصدير النفط، فإن هذا الأمر سيُعقّد الأمور في سوق نفط تتشابك فيه العوامل الجيوسياسية.
أظهرت البيانات القادمة من أسواق النفط أن حصة روسيا في السوق الآسيوي للنفط زادت من 4.7% العام الماضي إلى 7.3% هذا العام مُتقدمة بذلك على إيران. وهذا الأمر جاء نتيجة زيادة مبيعات النفط الروسي إلى آسيا (خصوصاً الصين وكوريا الجنوبية) بنسبة 23%، لتصل بذلك إلى 1.3 مليون برميل يومياً. وهذا الأمر كان متوقعاً من قبل خبراء النفط كنتيجة للعقوبات الغربية على روسيا والتي حدّت من الصادرات النفطية الروسية إلى أوروبا، ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً إلى ترطيب العلاقات مع الصين وكوريا بهدف زيادة الإستيراد للنفط الروسي. وساعد روسيا في هذه الخطوة ضعف الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي ما أدّى إلى خفض كلفة إنتاج النفط الروسي وبالتالي أصبح أكثر تنافسية.
في هذا الوقت تسعى إيران إلى تحضير عودتها إلى سوق النفط العالمي بعد الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني والذي تضمن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بما فيها تصدير النفط. لذا كان من الطبيعي أن تعمد إيران إلى تعزيز وجودها في الأسواق القريبة، منها أي السوق الآسيوي. لكن إيران التي لاقت تجاوباً كبيراً في باكستان، تواجه تحديات كبيرة في قدرتها الإنتاجية خصوصاً مع أسعار نفط منخفضة وحرب ضروس من قبل العراق الذي كسر الأسعار في ظل إستراتيجية توسعية، سمحت له بزيادة صادرته النفطية بنسبة 25% والتفوق على الكويت وإحتلاله المرتبة الثالثة كأكبر مورّد للسوق النفطي الآسيوي، مع 1.9 مليون برميل يومياً. وتبقى المملكة العربية السعودية في المرتبة الأولى في السوق الآسيوي مع 4.25 مليون برميل يومياً.
على صعيد الأسعار، سجّلت الأسواق المالية إنخفاضاً في أسعار برميل النفط حيث بلغ سعر برميل خام بحر الشمال 36.61 دولار أميركي وهو المستوى الذي بلغه في كانون الأول 2004. أما الخام الأميركي فتمّ تداوله في اليومين الماضين بسعر 35.24 دولار أميركي للبرميل الواحد. بمعنى آخر فقد برميل النفط 72 دولار أميركي من قيمته نسبة إلى حزيران 2014 ليكون بذلك العجز في موازنات الدول المُنتجة للنفط كارثياً من ناحية نقص السيولة ومن ناحية وقف المشاريع الإستثمارية نظراً لأن الإستثمارات في هذه البلدان تأتي بالدرجة الأولى من عائدات النفط.
لكن لماذا هذا الإنخفاض في سعر النفط في وقت يرزح الاقتصاد العالمي تحت عبء الركود؟
الجواب بكل بساطة، هو الحرب الطاحنة التي تقودها الدول المُنتجة للنفط في ما بينها (داخل منظمة الأوبك وبين المنظمة والدول الأخرى). فالمملكة العربية السعودية والولايات المُتحدة الأميركية كانتا السباقتين في رفع الإنتاج حيث أنه وفي العام 2014 بلغ الإنتاج اليومي الأميركي من النفط 12.5 مليون برميل مقابل 11.6 مليون برميل للسعودية. وإذا كانت أهداف هاتين الدولتين بالدرجة الأولى ضرب الإحتياطي الروسي من العملات الأجنبية بهدف منع بوتين من خوض حروب وضرب الإحتياط الإيراني للجم نفوذ النظام الإيراني في الشرق الأوسط، إلا أن الأهداف الاقتصادية لم تكن أقل، وتتمثل بحصد حصص في أسواق النفط العالمية. وبالنظر إلى البيانات التاريخية، نرى أن روسيا عمدت إلى زيادة إنتاجها من 10.6 مليون برميل يومياً إلى 10.8 مليون برميل في العام 2015. وبالتالي تظهر الصورة بوضوح على أن حرب الأسعار هي بين دول الأوبك، وبين دول الأوبك والدول النفطية الأخرى، وهذه الحرب هي التي دفعت بالأسعار إلى الإنخفاض عبر زيادة الإنتاج وكسر الأسعار.
وتعقّدت الأمور مع فشل منظمة الأوبك في إجتماعها الأخير من تثبيت سقف للإنتاج المسموح به وبالتالي من المُتوقع بحسب وكالة الطاقة الأميركية أن يزيد الإنتاج في العام 2016 خصوصاً من قبل دول الأوبك. كما أن وكالة موديز للتصنيف الإئتماني توقعت في تقريرها عن آفاق أسعار النفط للأعوام القادمة، أن تنخفض الأسعار مع زيادة الإنتاج وعودة إيران من الباب الواسع إلى هذا السوق.
إضافة إلى هذه المعطيات سمح الكونغرس الأميركي عبر مشروع موازنة العام 2016 للشركات الأميركية بتصدير النفط وذلك بعد قانون منع تصديره على إثر أزمة العام 1973. وهذا الأمر سيزيد من العرض في سوق النفط ويضغط على الأسعار نزولاً، حيث أنه من الممكن أن تكون الأسعار على مدى الأعوام المُقبلة تحت عتبة الـ 40 دولار أميركي للبرميل الواحد وذلك على الرغم من توقعات الوكالة الأميركية للطاقة بزيادة الطلب على النفط بـ 1.3 مليون برميل يومياً.
أظهرت هذه الأزمة مدى هشاشة إقتصادات الدول المُنتجة للنفط والتي تعتمد بشكل رئيسي على النفط لتمويل موازناتها. وبالتالي فإن أي نكسة تضرب سوق النفط، تُترجم بعجز يزيد ضرره خاصة في الدول التي تربط عملتها بالدولار الأميركي كالمملكة العربية السعودية. ويبقى القول أن قطر التي توجد في نفس حالة الدول المُنتجة للنفط، تعمل على تمويل موازنتها من عائدات صندوقها السيادي وذلك إبتداءً من العام 2020.