Site icon IMLebanon

شهيّب يلف خطّته بالغموض .. والدعاوى القضائية بإنتظاره


خضر حسان

تمخّض مجلس الوزراء و”لجنة (الوزير أكرم) شهيب” فأنجبا حلاً لأزمة النفايات غير مكتمل النمو، ولا يحمل هوية واضحة. الحل يبدأ بالتكتّم عن وجهة ترحيل النفايات ويحمل أرقاماً “مطّاطة” لا تؤشر الا الى إرتدادات سلبية. لكن يغفر القيمون على هذه الحلول، لأنفسهم، ان لا أحد سيحاسبهم، بل هناك من سيشكر خطوتهم إنطلاقاً من أن “الكحل أحسن من العمى”.

أشهر مضت وأزمة النفايات تتمدد وسطت بحث المسؤولين السياسيين عن “تخريجات” يضمنون بها تنفيعاتهم. والصفة المشتركة لتلك التخريجات، هي التكتّم. وأبرز نماذج التكتم، حين اعطي الأمر لشركة سوكلين بإزالة النفايات من بيروت. الا ان وجهتها كانت غير معروفة، وحينها، تكتّم السياسيون ورؤساء البلديات المعنية عن الوجهة، ليظهر لاحقاً ان المكلفون بحل الأزمة شرّعوا الباب أمام سوق سوداء في هذا الملف، فكانت المطامر العشوائية وأكلافها المرتفعة. وأبعد من ذلك، فتح هؤلاء لبعض اصحاب الشاحنات وبعض البلديات، المجال امام التحاصص عبر رمي النفايات في خراج البلدات، وقبض مبالغ مالية لقاء ذلك. دون ان تثير هذه الخطوة حفيظة الحكومة، لا على المستوى البيئي ولا القانوني ولا الأخلاقي، بل ان بعض الحكومة أوعز لأجهزتها الأمنية – بشكل ضمني – بملاحقة وقمع من يصوّر ويوثّق ويعترض على رمي النفايات عشوائياً.

إستمرت الأزمة، واستمر معها التلوّن والمماطلة، وسدّت الحكومة سبل الحل التي اقترحها خبراء بيئيون والعديد من ذوي الإختصاص، ومن بينها المحارق المجهّزة والمطامر الصحية والفرز من المصدر وغيرها، وبتكاليف أقل بكثير مما كانت تطرحه لجنة شهيب، أو الحكومة بشكل موسّع. لكن الإصرار على اختلاق الأزمات واقفال ابواب الحل، كان واضحاً، لأن الهدف الأساس هو الوصول الى الترحيل، لأنه يضمن أرباحاً أكثر، ويعفي الحكومة من وضع خطط ودراسات لمعالجة الأزمة فيما لو اعتُمد أي خيار آخر على الأراضي اللبنانية.
اليوم، تكتّم جديد يلف الإتفاق على خيار الترحيل. وأهمه وجهة النفايات والتي لم يحددها شهيب، بل مرّر السؤال عن الوجهة بالمزاح. غير ان كل الترجيحات تشير الى الترحيل بإتجاه افريقيا، لأنها الوجهة الوحيدة التي يمكن عبرها تمرير نفايات غير مفرزة وغير معالجة، دون اعتراض. الا ان ما يجهله البعض هو “الزواريب” الموجودة ضمن الخطة المعتمدة.

التضارب في المعلومات يبدأ من الكلفة، حيث “ضاع” فريق السلطة بين الأكلاف المعتمدة. وبين كلفة نقل الطن دون كنس وجمع وتعقيم، أو معها، تراوحت الأكلاف بين 191 دولاراً و215 دولاراً، و225 دولاراً، وصولا الى 232 دولاراً. وينتقل تشويه الحقيقة الى غياب الشفافية في المناقصات التي رست على الشركتين “هوا بي في” الهولندية و “شيروك أربن مايننغ انترناشيونال” الانكليزية، والمعروفة بمعالجتها للنفايات عبر المحارق التي تعمل وفق مبدأ التفكك الحراري. وغياب الشفافية يستدعي السؤال عن موقف القضاء اللبناني أولاً، وعن موقف الجهات الدولية التي أيدت هذا الحل، وأهمها “برنامج الامم المتحدة الانمائي”، الذي يسأله رئيس جمعية الخط الأخضر علي درويش، عن موقفه من “هذه العملية غير الشفافة”.

وفي حديث لـ “المدن”، يستغرب درويش عدم تحرك القضاء. ويرى انه “لو كان في لبنان قضاء، لوضع كل هذه السلطة في السجون”. كما يسأل درويش عن الشعب اللبناني الذي “خدّره الزعماء”، وعن “النقابات، وتحديداً الإتحاد العمالي العام، الذي لا يعتبر ان هذا الملف ضمن أولوياته”. أما عملية الحرق بالتفكك الحراري التي ستكون جزءاً من خطة معالجة النفايات، فكانت مدخلاً لتشكيك درويش بجدوى طرح خطة الترحيل والمعالجة على مدى 18 شهراً، لأن “عملية التفكك الحراري تحتاج الى أكثر من سنة ونصف”، ويُدرج درويش هذا التباين في المدة الزمنية في إطار “الكذب على الناس”، خاصة وان الحكومة تعتبر ان خيار الترحيل هو “أبغض الحلال” في حين ان الأزمة عمرها أكثر من 6 أشهر، و”خلال هذه المدة كان بالامكان تركيب معامل للفرز والبدء بالعملية”، ويدعم درويش توصيفه هذا، بإعلان الحكومة ان الحل لا يشمل النفايات المحروقة وتلك التي طُمرت بشكل عشوائي في المناطق وتحت الجسور وغيرها. ما يعني ان الحل المطروح لا يعالج الأزمة، بل يتركها مفتوحة على خيارات وتأثيرات سلبية كثيرة، اولها تلوث المياه الجوفية والتربة، وانتشار الأمراض.

ويلفت درويش النظر الى انهم، “كجهات بيئية”، سيعملون بالتعاون مع جهات بيئية عالمية، على “رفع دعاوى قضائية دولية، ضد هذه السلطة بشكل فردي، أي بالمسؤولية الفردية وليس كحكومة”.

الحل الذي ابتدعته الحكومة لا يراعي الشفافية، ولا يراعي الخطوات التقنية المرافقة لخيار التصدير الذي يُعتمد بشكل شفاف وعلمي. والأهم، لم يراعِ تداعيات المهل الزمنية المترتبة على البدء بالترحيل، إذ ان العملية تبدأ فعلياً منذ لحظة التعاقد مع الشركات واعلانها الاستعداد لمباشرة العمل، وهذا يعني ان علينا انتظار الحصول على موافقات الدول التي ستصدر اليها النفايات، فضلاً عن المهل القانونية التي تتطلبها عملية جمع الأموال واقرارها وتوزيعها بين الوزارات المعنية، وصولاً الى دفعها. ما يعني ان هناك طريقاً طويلاً امام التنفيذ، يقابله تكدس جديد للنفايات، واستمرار للأزمة.