أصدر البنك المركزي المصري قرارات جديدة من شأنها الحد من فوضى الاستيراد العشوائي وتشجيع المنتج المصري أمام المنتجات الأجنبية في ظل شح موارد البلاد من العملة الصعبة.
ومن المقرر بدء تطبيق القرارات الجديدة من أول يناير كانون الثاني 2016.
وتأتي القواعد المصرفية الجديدة بعد أن ذكرت تقارير صحفية يوم الاثنين أن البنك المركزي المصري قدم 7.6 مليار دولار على مدى الشهرين الأخيرين لتغطية طلبات الاستيراد للسلع الأساسية والمواد الخام وسداد المستحقات المعلقة للمستثمرين الأجانب.
وفي بيان موجه لرؤساء البنوك اطلعت عليه رويترز طالب البنك المركزي البنوك بالحصول على تأمين نقدي بنسبة 100 بالمئة بدلا من 50 بالمئة على عمليات الاستيراد التي تتم لحساب الشركات التجارية أو الجهات الحكومية.
ويعني هذا أن المستوردين الذين يقومون باستيراد منتجات تجارية استهلاكية تامة الصنع سيخضعون لقرارات المركزي الجديدة.
واستثنى البنك المركزي في البيان الصادر ليل الاثنين “عمليات استيراد كل من الأدوية والأمصال والمواد الكيماوية الخاصة بها وألبان الأطفال فقط من التأمين النقدي.”
وقال محمد البهي عضو المجلس التنفيذي لاتحاد الصناعات المصرية لرويترز “من حق الدولة تنظيم الاستيراد العشوائي خاصة وأنها استثنت السلع الأساسية وعمليات الإنتاج من القيود.”
ونقل بيان لوزارة المالية يوم الثلاثاء عن مجدي عبد العزيز رئيس مصلحة الجمارك قوله إن الضوابط الاستيرادية الجديدة التي أصدرها البنك المركزي تكفل القضاء على الثغرات التى يستخدمها بعض المستوردين فى التحايل للتهرب من الرسوم مما يحفظ موارد الخزانة العامة من الجمارك.
غير أن زياد وليد الخبير الاقتصادي لدى بلتون المالية “ما يقومون به هو مجرد ضبط للقواعد الحالية في ظل نقص العملة الأجنبية. ولا شك أن هذا قد يزيد الضغط على المستوردين.”
وأضاف “يحاول البنك المركزي استخدام كافة الإجراءات المتاحة سعيا للحد من الواردات وقد يقلل ذلك من استيراد السلع الفاخرة لكنه ليس مفتاح حل (مشكلة) نقص العملة الأجنبية.”
كان هشام رامز محافظ المركزي المصري السابق انتقد في سبتمبر أيلول الاستيراد العشوائي الذي يلتهم الموارد المحدودة لمصر من العملة الصعبة قائلا إن بلاده استوردت تفاحا بقيمة 400 مليون دولار بخلاف استيراد سيارات بقيمة 3.2 مليار دولار خلال 2014-2015 .
وتمر مصر بمصاعب اقتصادية منذ انتفاضة 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك الذي استمر 30 عاما. ومنذ ذلك الحين يحجم المستثمرون الأجانب والسياح الذين تعتمد عليهم مصر كمصدر للعملة الأجنبية عن المجيء.
وقال مسؤول مصرفى بأحد البنوك الخاصة لرويترز ليل الاثنين “البنك المركزى المصرى يستهدف بتلك الإجراءات ترشيد استخدامات النقد الأجنبي المتناقص نتيجة تراجع السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وتشجيع المنتج المحلي والصناعة المحلية إلى جانب تنظيم فوضى الاستيراد العشوائي من الخارج وهو ما يطالب به اقتصاديون ومصرفيون منذ وقت طويل.”
وبلغت الاحتياطيات الأجنبية للبلاد 16.423 مليار دولار في نهاية نوفمبر تشرين الثاني انخفاضا من نحو 36 مليارا قبل الانتفاضة الشعبية في يناير كانون الثاني 2011.
وتنص القرارات الجديدة للمركزي على إجراء عمليات استيراد السلع التجارية الاستهلاكية من خلال “مستندات تحصيل واردة للبنوك مباشرة عن طريق البنوك في الخارج مع عدم قبول مستندات التحصيل الواردة مباشرة للعملاء وتُمنح البنوك مهلة لمدة شهر من تاريخه لتطبيق ذلك.”
وقال مصرفى بأحد البنوك لرويترز “إن ذلك يعنى أن مستندات العمليات الاستيرادية ترسل من بنك لبنك ولا دخل للعميل فى ذلك”.
ويعني هذا عدم اعتداد البنوك بأي فواتير يقدمها المستورد المحلي الذي يقوم باستيراد سلع استهلاكية على أن يكون تقديم الفواتير من خلال البنك الذي يتعامل معه الطرف المصدر في الخارج أي أن تكون المعاملات بنكية فقط وليس من خلال العملاء.
ويشكو المنتجون المحليون في مصر من عدم قدرتهم على منافسة أسعار السلع المستوردة بسبب عمليات التهرب الجمركي والتلاعب في فواتير الاستيراد.
وقال المركزي إن عمليات “استيراد سلع لغير غرض الإتجار مثل ما تقوم المصانع باستيراده من السلع الرأسمالية أو مستلزمات الإنتاج والخامات وغيرها فلا قيد عليها على الاطلاق إلا القواعد المصرفية المعتادة.”
والسلع الرأسمالية هي السلع التي يمكن شراؤها لمزاولة عمل ما ولا يمكن ممارسة هذا العمل بدونها وتستخدم إما لإنتاج سلع أخرى أو تقديم خدمات ذات نوعية متميزة.
وطالب البنك المركزي البنوك “بعدم السماح بإعادة تمويل العمليات الاستيرادية لأغراض التجارة من خلال منح تسهيلات مؤقتة بالعملة الأجنبية.. (مع السماح) بإعادة تمويل العمليات لغير أغراض التجارة والسلع الغذائية الأساسية والتموينية -غير شاملة هيئة السلع التموينية- والأدوية والأمصال والمواد الكيماوية الخاصة بها وألبان الأطفال.”
كان محمد السويدي رئيس اتحاد الصناعات المصرية قال لرويترز في نوفمبر تشرين الثاني “إذا نظمنا الاستيراد سيقل التهافت على الدولار. سيكون لدينا معايير للاستيراد قبل نهاية 2015 بإذن الله بما يحد من الاستيراد العشوائي.”
وسعيا لمحاربة السوق السوداء في العملة الصعبة فرض البنك المركزي قيودا رأسمالية في فبراير شباط شملت وضع سقف للإيداعات الدولارية عند 50 ألف دولار شهريا. وسببت تلك الإجراءات مشاكل للمستوردين الذين لم يعد بمقدورهم توفير احتياجاتهم من الدولار لتغطية الواردات.
وقال البهي إن الخطوة التي يحتاج إليها السوق المصري خلال الفترة المقبلة هي “حرية إيداع وسحب الدولار وعدم وجود أي سقف للمساعدة في جذب الاستثمار المباشر وطمأنة المستثمر الأجنبي على تحويل أرباحه للخارج.”
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة قوله إن هذا القرار “جيد في حال قيام المركزي بتوفير الدولار للمستوردين” لكنه حذر من تضرر الواردات إذا عجز البنك عن توفير العملة الصعبة.
وأوضح شيحة قائلا “في حال عدم قدرة البنك المركزي على توفير العملة للمستوردين في ظل عدم انتظام موارد الدولة الدولارية بعد تراجع معدلات السياحة فستحدث أزمة تتمثل في عدم قدرة المستوردين على الالتزام بتعاقدهم” محذرا من أن ذلك سيؤدي لارتفاع الأسعار واختفاء كثير من السلع.