حنان حمدان
أظهر تقرير منظمة “الصحة العالمية” الصادر في 26 تشرين الثاني الفائت، أن اللحوم المصنّعة مثل “البرغر والسجق واللحم المقدد والناغيتس” هي من مسببات أمراض السرطان كسرطان القولون مثلاً. وجاء في التقرير، أن تناول الأفراد 50 غراماً من اللحوم المصنعة يومياً من شأنه أن يرفع احتمال الإصابة بسرطان القولون بنسبة 0.20%. ما حض المنظمة على إضافة هذا النوع من اللحوم إلى القائمة التي تحتوي “السجائر والخمور والزرنيخ والأسبستوس”، وهو ما يعد أمراً خطيراً للغاية، وفق ما أكدته الوكالة المعنية بأبحاث الأمراض السرطانية لدى المنظمة.
هذا التقرير لم يكن الأول من نوعه على صعيد اللحوم المصنعة، إذ صدرت سابقاً العديد من التقارير التي حذرت من مضار اللحوم المصنعة كمرقة الدجاج مثلاً. ولكن على ما يبدو أن هذا التقرير فتح المجال واسعاً أمام البحث في مختلف مخاطر اللحوم ليس المصنعة وحسب بل “المعالجة” أيضاً. وفي هذا السياق، قال خبراء المنظمة أن اللحوم “المعالجة” يمكن أن تصيب الإنسان بمرض سرطان الأمعاء أيضاً. وهي عبارة عن اللحوم التي تمت معالجتها بالمضادات الحيوية (الأنتبيوتيك)، والتي تتكون غالباً في جسم الحيوان بسبب إعطائه جرعات مفرطة من المضاد الحيوي للمعالجة أو الوقاية من الأمراض. علماً أنه يفترض منع إعطاء الحيوانات أي نوع من المضادات قبل فترة وافية من دخولها في غذاء الإنسان، أي ما يعرف بفترة “أمان”.
إلا أن عدم تقيد أصحاب المزارع والشركات المصدرة لأنواع اللحوم المختلفة بالفترة المذكورة، فاقم المشكلة. والأخطر من ذلك، هو أن معظم شركات الطعام العالمية كالـ”KFC” مثلاً، تقدم الوجبات السريعة أو ما يعرف بالـ”Fast food”، وهي عبارة عن وجبات تضم لحوماً مصنعة ومعالجة في أكثر الأحيان، ما يشكل خطورة على صحة الإنسان لاسيما صحة الأطفال بسبب تناولهم كميات كبيرة من هذه الوجبات.
وفي هذا السياق، إنطلقت حملة منع استخدام اللحوم والدواجن التى تمت معالجتها بالمضادات الحيوية فور صدور تقرير منظمة الصحة على الصعيد الدولي، وفق ما أكدته مسؤولة قسم مراقبة وسلامة الغذاء في جمعية حماية المستهلك ندى نعمة في حديث لـ “المدن”، والتي أشارت إلى أن “الحملة تستهدف توعية المواطنين حول مخاطر الإستخدام العشوائي وغير الرشيد للمضادات الحيوية، التي عادة ما يدفع المستهلك ثمنها. وتستهدف العمل على مستوى الإدارات المعنية للدفع من أجل تفعيل آليات المراقبة على المزارع المحلية وعلى اللحوم المستوردة من الخارج للتأكد من خلو هذه اللحوم من المضادات، والتأكد من التزامها بفترة الأمان”.
لبنانياً، لا يعد التيقن لخطورة اللحوم المعالجة بالأمر الجديد، فمنذ ثلاثة أعوام، تم التواصل مع المعنيين في شأن المضادات الحيوية في وزارة الزراعة، إلا أن الأمر لم يلقَ آذاناً صاغية حينها، علماً أن جمعية المزارعين، طالبت وقتها بمراقبة اللحوم المستوردة والمحلية وفحص عينات منها للتأكد من وجود المضادات أو عدمه، وفق ما يؤكده رئيس الجمعية أنطوان الحويك، لـ”المدن”. ويعتبر حويك أن ” أصل الخلل يكمن في غياب الرقابة التي يفترض أن تمارسها الإدارات المعنية وليس في الشركات المستوردة للحوم، إذ لا تقتصر المسألة على اللحوم المستوردة، بل تتعداها لتطال المزارع اللبنانية، ولاسيما مزارع الدواجن، حيث يعمد أصحابها إلى إعطاء الدواجن كميات كبيرة من المضادات الحيوية حفاظاً على إنتاجها”.
أما على مستوى الإدارات الرسمية، فإن فريق سلامة الغذاء في وزارة الصحة، باشر بوضع الآليات المناسبة لمتابعة الموضوع، وفق ما أكده وزير الصحة وائل أبوفاعور لـ “المدن”. وللغاية، يتم حالياً إجراء دراسة على اللحوم المحلية، يتم بعدها التأكد من وجود المضادات الحيوية فيها، ولكنها تحتاج إلى فترة شهر للإنتهاء إلى خلاصة يتم على إثرها إتخاذ الإجراءات المناسبة، وهذا ما رأت المنسقة العامة لحملة سلامة الغذاء في وزارة الصحة جويس حداد في حديث مع “المدن”، أنه “يدخل ضمن صلاحيات الوزارة، على اعتبار أن مراقبة اللحوم المستوردة تدخل ضمن صلاحيات وزارة الزراعة، والتي يفترض أن تترافق معها شهادة صادرة عن بلد المنشأ، تفيد بعدم وجود أي مضادات حيوية داخل اللحوم المستوردة”.
من جهة ثانية، تشرح المنظمة عبر الملصقات (بوسترات)، كيفية إنتقال المضادات الحيوانية إلى جسم الإنسان من خلال حملة بعنوان “كيف تتعامل مع المضادات الحيوية بحرص”، توضح فيها كيفية تعامل كل قطاع أو طرف مع المضادات، والوسائل التي تحد من تفاقم المشكلة، لما فيها من تداعيات سلبية على صحة الإنسان، كتلقيح الحيوانات الذي يُعتمد للتقليل من الحاجة الى المضادات، أو أن يتم إعطاء المضادات الحيوية عند اللزوم فقط وبإشراف بيطري. وتشير الملصقات ايضاً، إلى أنه بمجرد إعطاء المضادات الحيوية للحيوانات تتكون البكتيريا المقاومة للأدوية في أمعائها، وتنتقل الى الإنسان بواسطة الغذاء. وتنتشر هذه البكتيريا بين الأفراد بسبب الإفراط في إستعمال المضادات الحيوية في تربية الماشية والأسماك.
ولا يقتصر الأمر على الحيوانات، إذ يتم وصف المضادات الحيوية أيضاً للأفراد بشكل عشوائي ومفرط، حتى أنه كان بإمكان أي شخص الحصول على المضادات من دون أي وصفة طبية. قبل أن يصدر أبو فاعور قراراً الشهر الفائت نص على “منع صرف المضادات الحيوية إلا بموجب وصفة طبية”، وقد نوه القرار بضرورة “إلتزام الصيدلي بهذا القرار تحت طائلة إقفال الصيدلية، والملاحقة القانونية”.