2015 عام أسود بتاريخ شركة فولكفاغن العملاقة لصناعة السيارات والذي لن تنساه الشركة الألمانية بسهولة، طالما تداعيات فضيحة التلاعب بنسب الانبعاثات ستظل قائمة لسنوات بل وحتى عقود.
“ستهجم فولكسفاغن بالولايات المتحدة الأمريكية” إنها الجملة التي قالها مارتين فينتركورن في يناير عام 2015 خلال معرض ديترويت للسيارات. ولم يكن أبدا يتصور أن الولايات المتحدة بالذات ستصبح بعد أقل من سبعة أشهر من مصدرا للكشف عن فضيحة ستقضي على مستقبله بالشركة وعلى سمعة فولكسفاغن.
كانت الأمور تسير على أحسن ما يرام، إذ نجح فينتركورن مدير مجموعة فولكسفاغن لصناعة السيارات، في أبريل الماضي من إزاحة أقوى أعداءه. ويتعلق الأمر بفيرديناد بيش، مدير مجلس الإدارة السابق الذي قرر سحب البساط عن فينتركورن معلنا عن “وضع مسافة بينه وبين فينتركورن” في إشارة لسحب الثقة عنه. غير أن باقي المساهمين اصطفوا مجتمعين خلف فينتركورن ، فيما وجد بيش، أكبر المساهمين بالشركة، نفسه وحيدا قبل أن يجبر على التخلي عن جميع مناصبه.
بعد إزاحة بيش، بات فينتركورن أقوى مدير بألمانيا براتب سنوي يصل إلى 15 مليون يورو، كما أنه كان يقود مؤسسة تضم 600 ألف مستخدم. ولا أحد مثله أعرب عن طموحات توسعية كبرى، كما فعل هو مشددا على أن “مبيعات فولكسفاغن ستكون الأعلى في العالم في عام 2018.
قيم خالدة؟!
في منتصف عام 2015، استطاع فينتركورن تسجيل أول نجاحاته، عبر تحقيق معدل مبيعات يفوق لأول مرة مبيعات شركة تويوتا اليابانية أكبر الشركات العالمية المنتجة للسيارات.
ولم يتردد فينتركورن في 14 من سبتمبر/أيلول في المعرض الدولي للسيارات بفرانكفورت عن التأكيد على قيم الشركة وعن منتجاتها التي لا تشمل “السيارات والتقنية فقط” وإنما “تعكس أيضا نمط حياة وقيما حقيقية خالدة”. وذلك رغم علمه المسبق بما توصل إليه مكتب البيئة الفدرالي الأمريكي حول تورط المجموعة في قضية الغش في انبعاثات الغازات الملوثة للبيئة.
وبعد أربعة أيام فقط كشفت السلطات الأمريكية عن ما توصلت إليه من حقائق، معلنة في سبتمبر/أيلول الماضي أن مجموعة صناعة السيارات فولكسفاغن زودت سياراتها ببرنامج الكتروني متطور قادر بشكل آلي على التعرف على متى تقوم السلطات بفحص السيارة لمعرفة مستوى تلويثها وبالتالي تشغيل آلية داخلية تحد من انبعاثات الغازات الملوثة – من دون حتى علم السائق. وفي حال عدم تفعيل هذا البرنامج يتبين أن السيارات مخالفة لقوانين البيئة المعمول بها في الولايات المتحدة.
تطور مأساوي
تداعيات الفضيحة على فولسكفاغن كانت ولازالت رهيبة، بدء من انخفاض مستوى أسهمها في البورصة، وصولا إلى تزايد أعداد السيارات التي تم التلاعب فيها من 500 ألف سيارة في الولايات المتحدة إلى أكثر من 11 مليون سيارة حول العالم.
ولم يعد الأمر يقتصر على سيارات الديزل كما أشيع في البداية، بل شمل أيضا محركات البنزين. بل وطالت الفضيحة أيضا سيارات أودي وسكودا وبورشه إلى جانب فولكسفاغن. وفتحت التحقيقات في أوروبا وأمريكا وآسيا، كما رفعت دعاوى ضد الشركة في جميع أنحاء العالم، ما جعل الخبراء يقدرون حجم الخسائر إلى نحو عشرين مليار يورو. لكن الطامة الكبرى تكمن في أن الشركة التي كانت ترمز يوما للصناعة الألمانية المتينة تحولت الآن إلى رمز للتحايل والغش.
بعدها لم يبق أمام فينتركورن سوى طلب الصفح من العالم، قائلا: “الملايين من الناس في العالم لهم الثقة في سياراتنا وتقنيتنا. وأنا آسف جدا أننا لم نكن عند حسن ظنكم. إني أعتذر بشدة لزبائننا وللسلطات وللرأي العام على هذا السلوك الخاطئ”.
لكن بعد فات الأوان! فبعد يومين من اعتذاره في 23 سبتمبر/أيلول أجبر فينتركورن على الاستقالة، لتسند الأمور إلى مدير شركة سيارات “بورشه” ماتياس مولر الذي تعهد بـ “توضيح كل الأمور بدقة كاملة”، بما في ذلك الكشف عن المسؤول عن عملية الغش، ومدى تورط الإدارة فيها.