يحتل الاقتصاد الصيني المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة، إذ يبلغ حجمه 10 تريليونات دولار (حجم الاقتصاد الاميركي 18 تريليوناً). أما سوق المال الصينية التي يقدر حجمها بحوالي 6 تريليونات دولار فتأتي مباشرة خلف سوق المال الاميركية التي يزيد حجمها على 21.5 تريليون دولار.
التنين بالأرقام
توقع تقرير حديث لصندوق النقد الدولي في عنوان «النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي» ان يشهد عام 2016 تحولا في خريطة القوى الاقتصادية العالمية، إذ ستقترب الصين من ان تصبح اكبر اقتصاد في العالم. ويلفت التقرير الى انه بحلول عام 2018، يُتوقع ان يصل حجم الاقتصاد الصيني الى 13 تريليون و760 مليار دولار، على ان يصل ناتجها المحلي إلى 40% من الناتج الإجمالي العالمي عام 2040 ليتخطى اقتصادها الاقتصاد الاميركي بفارق كبير، علماً انها تشكل حالياً 11% من الناتج المحلي الاجمالي في العالم.
على مستوى التجارة، تمثّل الصين حوالي 10% من حركة التجارة العالمية، وهي حتى بداية 2014 حققت فائضاً في حسابها التجاري بلغ 224 مليار دولار، فيما سجل الميزان التجاري الاميركي عجزاً بنحو 451 مليار دولار. هذه المعطيات تجعل الصين الشريك التجاري الرئيس لغالبية الاسواق في العالم.
وفي دلالة لافتة ومعبرة عن توسع النفوذ الاقتصادي الصيني حول العالم، تشير الاحصاءات الى انه في وقت رفعت الصين حصتها في صادرات السوق العالمية بين 1990 و2013 من 1.9% الى 11.7%، فان حصة المانيا صاحبة الاقتصاد الاقوى اوروبيا تراجعت من 12.4% الى 7.7%.
من جهة اخرى تشكل الصين 11% من الطلب العالمي على النفط وما بين 40 و70% من الطلب على باقي السلع المهمة. من هنا قدرة العملاق الآسيوي على التاثير على اسعار السلع الرئيسية من نفط وغاز طبيعي ومعادن… أما على صعيد الاستثمارات فإن الصين تأتي في المرتبة الأولى عالمياً في استقبال الاستثمارات الاجنبية المباشرة، حيث يشير تقرير الاستثمار العالمي (2015) إلى أنها تلقت نحو 129 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2014، وهي ثاني أهم دولة مصدرة للاستثمارات المباشرة بعد الولايات المتحدة، حيث خرجت منها استثمارات مباشرة لدول أخرى بقيمة 116 مليار دولار عام 2014.
انكماش ومخاوف استثمارية
على مدى ثلاثة عقود حافظت الصين على معدل نمو 10%. منذ عام 2010 بدأ الاقتصاد الصيني يشهد انكماشاً، ما ادى الى هبوط تدريجي في النمو. العام الماضي وصلت نسبة النمو الى 7.4%. وخلال الربع الثالث من العام الجاري سجل الاقتصاد الصيني نمواً بنسبة 6.9%، وهو اضعف معدل منذ الازمة المالية العالمية عام 2008، كما انه اقل من معدل 7% الذي كانت حكومة بكين تستهدفه.
وفيما كانت التوقعات تشير الى ان الانتاج الصناعي الصيني سيزيد بواقع 6.4% اتت الوقائع مخالفة. إذ ان الانتاج الصناعي لم يتخط عتبة 6.1%، اما الاستثمار في الاصول الثابتة، واغلبها العقارات، فقد تراجع الى 10.9% مسجلاً بذلك أسوأ الارقام منذ 15 عاماً.
هذه المعطيات زادت من مخاوف المستثمرين، وتسببت ـــ ولا تزال ــــ في موجة هلع ومخاوف متصاعدة من مستقبل الاقتصاد الصيني والدرب الذي سيسلكه. فعلى سبيل المثال، فقدت الصناديق السبعة الكبرى في العالم اكثر من 700 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام الجاري.
اثرياء الصين بدورهم بدأوا بأخذ احتياطاتهم تحسباً لاي مخاطر قد تطرأ فجأة، فبدأوا بتهريب اموالهم التي قدر حجمها في شهر آب فقط بحوالي 150 مليار دولار. كما ان الرعب من تراجع قيمة العملة الصينية دفعت بالكثيرين الى تحويل اموالهم من اليوان الى عملات اجنبية، وقدر حجم الاموال المحوّلة بـ 600 مليار دولار.
توقعات مختلفة… والنتيجة واحدة
توقع مصرف «سوسيتيه جنرال» في تشرين الاول الماضي ان احتمالات ان يكون الاقتصاد الصيني عرضة لهبوط حاد تلامس الـ 30%. ووفقاً للدراسة، في حال تحققت هذه المخاوف فان معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الصيني سيهبط الى 3% في 2016.
وقدرت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي انه في حال تراجع النمو الصيني بنسبة 2% لمدة عامين سينخفض اجمالي النمو العالمي بنسبة تفوق 0.3%.
نسبة الانخفاض هذه ليست ثابتة، ومن الممكن ان تكون اكبر تبعاً للارتباط التجاري مع الصين. وبالتالي، في حال شهد النمو الصيني هبوطاً بنسبة 2%، فقد يشهد الاقتصاد الاميركي واقتصاد منطقة اليورو انخفاضاً بنسبة 0.5%، فيما قد يصل الى 1% بالنسبة لاقتصاديات البرازيل وروسيا والهند، والى 0.75 بالنسبة لليابان.
مؤسسة «اوكسفورد ايكونومكس» وضعت تصوراً لكشف ما قد يصيب العالم في حال تباطؤ الاقتصاد الصيني وتسجيله نمواً بنسبة 2.4% في 2016، على ان يعود ويرتفع بحدود 5% بعد 5 سنوات. فما هي ابرز الانعكاسات في حال الهبوط الحاد لاقتصاد التنين الآسيوي؟
التجارة العالمية في خطر
بعد ان سجلت البضائع التي تستوردها الصين ارتفاعاً سنوياً بمعدل 11% خلال عقد كامل من 2004 الى 2014، تراجع حجم هذه البضائع بحدود 4% في الأرباع الثلاثة الاولى هذا العام، ما يعني ان الصين قلصت حوالي 0.4 في المئة من نمو التجارة العالمية في الأشهر التسعة المنتهية في نهاية أيلول، بعد أن أضافت 1 % في المتوسط كل سنة خلال العقد الماضي.
واكبر المتضررين ستكون الدول التي لها علاقات تجارية وثيقة مع الصين، ومن الدول المتقدمة ستكون المانيا الاكثر تضرراً.
روسيا والاسواق الناشئة
الناتج المحلي الاجمالي للشركاء التجاريين مع الصين سيتضرر بشكل كبير، إذ يشير تقرير «اوكسفورد ايكونومكس» الى ان اليابان لن تعاني فقط من تراجع صادراتها الى الصين، وإنما ستعاني صادراتها أيضا إلى كوريا والشركاء التجاريين الآخرين في آسيا الذين تضرروا نتيجة التباطؤ في الصين.
روسيا ستكون اكبر المتضررين في حال الهبوط الحاد للاقتصاد الصيني، حيث يتوقع ان ينمو اقتصادها بنسبة 5% اقل في 2016 ــــ 2017.
الدول المتقدمة والمحيطة بالصين لن تسلم ايضا من تأزم الاقتصاد الصيني، مع توقع ان يسجل النمو في كل من هونغ كونغ وسنغافورة و كوريا الجنوبية نسبة 3% اقل من المعدل الاساسي.
النفط …35 دولاراً
من شأن الهبوط الحاد للاقتصاد الصيني ان يؤثر على الطلب على الطاقة والسلع الاخرى. ومع ان تدهور اسعار النفط سيفيد العديد من المستوردين من الدول الاوروبية كألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلا انها ستؤثر بشكل كبير على عدد آخر من الدول وبالاخص روسيا ودول الخليج وتشيلي حيث تشكل السلع اكثر من 50% من عائدات التصدير. وكنتيجة مباشرة لتراجع الاقتصاد الصيني توقعت «اوكسفورد ايكونومكس» ان يهبط سعر برميل النفط الى 36 دولاراً، فيما قدر «سوسيتيه جنرال» السعر بـ 35 دولاراً للبرميل.
اسعار الفائدة….مجمدة
ورغم ان التقرير صدر قبل ان يرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي اسعار الفائدة، وتضمّن توقعاً بحصول ذلك، الا انه لفت الى وضع دورة التضييق على الانتظار، والى ان المركزي البريطاني سيتريث قبل رفع اسعار الفائدة، وكذلك الامر بالنسبة للمصرف المركزي الاوروبي.
أفريقيا… والعواقب الوخيمة
منذ سنوات، تركّز الصين اهتمامها على افريقيا حتى اصبحت لاعباً اساسياً في القارة السمراء، لا بل اللاعب الاساسي والاقوى في الكثير من الدول الافريقية. وفيما تستورد من افريقيا المواد الاولية الاساسية لتحريك عجلة اقتصادها، فان القارة السمراء تمثل سوقا استهلاكية ضخمة بالنسبة للصين، إذ زادت صادراتها الى أفريقيا بنسبة تقارب 15% خلال 2014، وهو ما يتجاوز معدل نمو صادراتها إلى آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.
وتشير الارقام الى ان تجارة الصين مع افريقيا قفزت من 10 مليارات دولار في 2000 إلى 220 ملياراً، وهو ما يزيد على ثلاثة أضعاف قيمة تجارة الولايات المتحدة مع القارة الأفريقية.
وفي هذا السياق اشار تقرير صادر عن مؤسسة «فاثوم للاستشارات» البريطانية الى تراجع قيمة واردات الصين من افريقيا في تموز الماضي بنسبة 40% مقارنة بمستوياتها قبل عام. وبحسب التقرير، فان الدولة الاكثر تضرراً من تباطؤ الاقتصاد الصيني هي زامبيا، تليها جنوب افريقيا ومن ثم ليبيريا.
الاقتصاد الصيني مريض، ولم يعد في مقدور السلطات الصينية اخفاء الازمة التي يعاني منها. قد تنجح محاولات اعادة ضخ الدم في شرايين اقتصاد العملاق الآسيوي، لكن كل المعطيات والتوقعات لا تبشر بالخير. والاكيد انه في حال هبوطه بشكل حاد فلن يهبط وحيداً، لا بل سيجر معه الاقتصاد العالمي بأسره. وحتى يقترن الشك باليقين على الجميع الدعاء بألا يكون الهبوط مؤلماً جداً…
الدول العربية… مهددة
شهدت الاسهم الصينية تراجعاً كبيراً في الساعات الأخيرة، لتهبط بأكبر وتيرة في اسبوعين بفعل مخاوف التأثير السلبي للطروحات الجديدة على السوق.
وهبطت شركات قطاع العقارات والرعاية الصحية بفعل تكهنات بتجاوز مكاسبها في الجلسات الماضية للحد الأقصى المفترض، ما دفع المستثمرين الى البيع لجني الأرباح. آثار هذا الهبوط الحاد قد تكون له انعكاسات كبيرة على الدول العربية. فمنذ ثلاثة اشهر، وتحديداً في ايلول الماضي، هبطت اسعار الاسهم في الصين بنسبة 16% ما أدى الى حدوث عمليات بيع أسهم ضخمة داخل البورصات في أرجاء المنطقة، في وقت شهدت فيه اسواق الخليج هبوطاً بنسبة 30%.
المملكة العربية السعودية ستكون على المستوى العربي اكبر الخاسرين من تباطؤ الاقتصاد الصيني، نظراً الى أن الصين هي أكبر مستورد للنفط السعودي، وبالتالي فان أي تباطؤ في النمو الاقتصادي للصين أو نقص طلبها للنفط السعودي، سيزيد من متاعب المملكة.
سلطنة عمان من جهتها تصدر أكثر من نصف نفطها الى الصين، وبلغت صادراتها 10% من واردات الصين النفطية عام 2014. من هنا فان الانكماش في الاقتصاد الصيني ستكون له انعكاسات وخيمة على السلطنة.
وكأنه لا ينقص العراق مصائب إضافية حتى تأتي الازمة الصينية لتزيد من جراح اقتصاد بلاد ما بين النهرين. فالصين تستورد من العراق اكثر من 9% من نفطها، وهو ما يجعل الاقتصاد العراقي عرضة للتأثر بشكل كبير بمستقبل الاقتصاد الصيني.