Site icon IMLebanon

الإسكوا من بيروت: إصلاحات الربيع العربي خجولة

arabspring
زينب سرور
هكذا هتفوا في تونس «التّشغيل استحقاق، يا عصابة السّرّاق». وبهذه العبارة صدحت حناجرهم في مصر «عيش، حرية، عدالة اجتماعية». ذاك كان أواخر العام 2010.
قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات انطلقت في مصر حركة «كفاية» من أجل المطالبة بالإصلاح السياسي والمطالبة بالانتقال الديموقراطي. بعدها بسنة، أضرب عمّال المحلّة احتجاجاً على غلاء الأسعار وعدم زيادة الأجور. في تونس السيناريو عينه. تلك لها تاريخٌ قديم. انتفاضةٌ عنوانها «الخبز» شهدتها شوارع تونس الخضراء في العام 1984.
لا يحتاج الأمر إلى دراسةٍ معمّقة. وضع العالم العربي كان مزرياً. ما يُمكن ملاحظته، وبسهولة، أنّ التّحرّكات الشعبية لم تكن حصراً ضد أنظمة سياسة. بل كانت ضدّ التفاوت الاجتماعي المتراكم منذ عقود. كان الأمر صرخة في وجه العقد الاجتماعيّ بين السلطة والشّعب. أما ما حصل بعدها، وكيف تحولت مسارات الأمور، فذاك بحثٌ آخر.
بعد خمس سنوات على انطلاقة شرارة التحركات، حاولت منظمة «الإسكوا» الإجابة عن تساؤلٍ أساسيّ: «ماذا تبقّى من الرّبيع العربيّ؟. وتحت عنوان «مسارٌ طويل نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في المنطقة العربية»، أصدرت تقريرها الأول من سلسلة تقارير عن التنمية الاجتماعية تعتزم المنظّمة إصدارها. وهو يأتي بعد مرور سنتين على إصدار «وعود الرّبيع: المواطنة والمشاركة المدنية في مسارات التحول الديموقراطي»*.
ليست الإجابة عن الأسئلة المطروحة اعتباطية. من أجل الوصول إلى إجابةٍ دقيقةٍ، اختار التقرير تسليط الضّوء على ثلاثة بلدانٍ شهدت تحركات. مصر وتونس والمغرب. يُبرّر التّقرير هذا الاختيار لسببين اثنين. أولاً، لأنّ «هذه البلدان شهدت حراكاً شعبياً دفع باتّجاه وضع دساتير جديدة». وثانياً لأنّ «الحراك الشعبي لم يؤدِّ فيها إلى اندلاع نزاعاتٍ عسكريّة كبيرة وانهيار مؤسّسات الدّولة».
يقوم مفهوم العدالة الاجتماعيّة المُعتمد في التّقرير على أربع ركائز هي «المساواة والإنصاف والحقوق والمشاركة».
جاء التّقرير إيجابيّاً. على الرّغم من تأكيده أنّ معالم الفترة الانتقاليّة للبلدان موضوع الدّراسة اختلفت من بلدٍ لآخر، فإنّه يعتبر أنّ «كلّاً من البلدان الثّلاثة شهد تقدّماً ملحوظاً في مجال العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، على أثر اعتماد الدّستور الجديد».
تخلص الدّراسة، الّتي أعدّها قسم «العدالة الاجتماعيّة والمشاركة في شعبيّة التّنمية الاجتماعيّة في المنظّمة» بإشراف رئيس القسم أسامة صفا، إلى أنّ «الحراك الشّعبيّ دفع باتّجاه إطلاق مسارات دستوريّة جديدة أسفرت عن إصلاحات وتغييرات»، مشيراً إلى أنّ «كلّ بلدٍ من تلك البلدان شهد خطوةً نوعيّة إلى الأمام، إمّا من ناحية المسارات المُتّبعة لصياغة الدّستور، أو من ناحية مضامين الدّستور».
تلك خلاصاتٌ إيجابيّةٌ توصّل إليها التّقرير. لكنّه، بالرّغم من ذلك، لا يتردّد في وصف تلك التّغييرات بـ «الطّفيفة». كما يؤكّد أنّ «الرّبيع لم يلبِّ طموحات وآمال المواطنين العرب الّذين انتظروه سنين طويلة».
وبعبارةٍ واحدة يُلخّص كلّ شيء «مسار تحقيق العدالة الاجتماعيّة سيبقى طويلاً ومحفوفاً بالمخاطر وغير مضمون النّتائج».
ملاحظات
بالتّأكيد، التّقرير محايد. وحتماً، تسعى «الأسكوا» من خلاله إلى دراسة الوضع الاجتماعيّ بعد التّحرّكات. إلا أنّ أسئلةً وملاحظاتٍ مشروعة تطرح نفسها هنا. يضع التّقرير شروطاً مسبقة لتحقيق العدالة الاجتماعيّة. هو يعتبر أنّ المساواة والإنصاف والمشاركة تُشكّل أرضيّةً لتحقيق العدالة الاجتماعيّة. ذاك أمرٌ بحاجة إلى تدقيق. هل احترام حقوق الإنسان والمساواة هي شروطٌ مسبقة لتحقيق العدالة؟ أم أنّ الإنصاف والمساواة واحترام حقوق الإنسان تأتي بموازاة العدالة الاجتماعيّة؟ هل العدالة الاجتماعيّة من جهة، و «شروطها»، بحسب تصنيف المنظّمة، على علاقةٍ أفقيّةٍ أم عموديّة؟ ذاك استفسارٌ بحاجة إلى توضيح.
يرفض أستاذ العلوم السّياسيّة في جامعة «القاهرة» والنائب السابق عمر حمزاوي فكرة «الشّروط المسبقة». هو يعتبر أنّ «احترم حقوق الإنسان لا يتمّ إلا في ظلّ عدالةٍ اجتماعيّة».
يُعطي الرّجل ملاحظاته على ما حواه التّقرير. يعتبر أنّ اللامركزيّة، الّتي أكّد التّقرير على ضرورة اعتمادها في الدّول الّتي شهدت تغيّراً دستوريّاً، تحتاج إلى خطابٍ واعٍ. ويشدّد على ضرورة أن يتمّ التّعامل مع عمليّات الانتقال الدّستوريّ بالرّجوع إلى الواقع. بمعنى احترام خصوصيّات كلّ بلد.
هنا، يطرح حمزاوي سؤالاً مهمّاً يشي بمسألةٍ أكثر أهمّيّة «هل تغيّرت هويّة مَن يصنع السّياسات في العالم العربي»؟ طرحٌ مهمّ. هنا يُقاس التّغيير. هل تغيّرت فكرة أقلّيّة تتحكّم بأكثريّة؟ ليس المقصود هنا معايير دينيّة أو طائفيّة. الحديث هنا يرتكز حول فئة تمتلك الثّروة، تقوم باستلام مقاليد الحكم، وتتحكّم بالرّقاب. باختصار، يبقى سؤال التّغيير هو «هل تغيّرت فكرة أنّ فئةً قليلة تتحكّم بفئةٍ كثيرة»؟ عندما تتغيّر هذه الفكرة يُمكن الحديث عن تغييراتٍ جذريّة.