بعد خفض توقعات النمو خلال العام الحالي، الأمر الذي يجعل من الصعب الخروج من الهاوية، تُكافح إيطاليا للخروج من الركود الاقتصادي المستمر منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ووسط معاناة ثالث أكبر اقتصادات منطقة اليورو من النمو الفاتر، تُثار التساؤلات حول عمق وفعالية الإصلاحات الهيكلية السابقة التي تم اتخاذها من قبل حكومة رئيس الوزراء ماتيو رينزي.
وبعد أن أظهرت الكثير من المعايير الاقتصادية الرئيسية بوادر انتعاش هذا العام، ليتماشى النمو الاقتصادي في إيطاليا مرة أخرى مع معدلات النمو في منطقة اليورو، للمرة الأولى منذ خمس سنوات. خفض الاتحاد العام للصناعات الإيطالية «كونفينداستريا» توقعاته لنمو الاقتصاد إلى 0.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الحالي ثم 1.4 في المائة في عام 2018. ونما الاقتصاد الإيطالي بنسبة 0.2 في المائة خلال الربع الثالث، الذي كان أقل قليلاً من التوسع في الربع الثاني من العام الحالي بنحو 0.3 في المائة.
ورغم أن إيطاليا قدمت بعض التقدم بشأن إصلاح بنوكها؛ حيث وافق المركزي الإيطالي، في وقت سابق من هذا الشهر، على صرف حزمة إنقاذ بنحو 3.6 مليار يورو لإنقاذ أربعة بنوك، وفقًا لصحيفة بلومبيرج. لا يزال الائتمان المصرفي مقيدًا نظرًا لكمية ارتفاع القروض المتعثرة، مما يعوق نمو الاستثمار. كذلك يُسهم تباطؤ نمو سوق التصدير في إعاقة الصادرات.
وأحد أكبر التحديات التي تواجه النمو في البلاد؛ هو الحجم الهائل من القروض المتعثرة، التي ارتفعت إلى أكثر من مائتي مليار يورو (218 مليار دولار)، أي بزيادة قدرها أربعة أضعاف منذ نهاية عام 2008. وترى المفوضية الأوروبية، أنه إذا لم تتخذ الحكومة الإيطالية حلولاً جدية حول معالجة الديون المتعثرة، التي تسحق النظام المصرفي في البلاد، سوف يستمر اقتصادها في التعثر.
كذلك تتضمن ميزانية عام 2016 تخفيضات ضريبية كبيرة وحوافز للشركات وأصحاب العمل، وهو ما جعل المفوضية الأوروبية تُحث الحكومة الإيطالية لإعادة النظر في الميزانية حتى لا تتعرض لخطر الأهداف المالية غير المُتزنة.
وكاد الاقتصاد الإيطالي ينمو بصعوبة في السنوات الـ15 الماضية، في حين ارتفع الدين العام إلى مستوى قياسي ليبلغ 133 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأكبر في منطقة اليورو بعد اليونان. ووفقا للمفوضية الأوروبية، أصبحت إيطاليا غير قادرة على المنافسة؛ حيث إن معدل النمو المحتمل، الذي يقيس قدرة الاقتصاد على التوسع السريع دون توليد التضخم المفرط، أقل من الصفر حتى الآن.
وتُعاني إيطاليا، تاسع أكبر اقتصاد على مستوى العالم، من عدم الاستقرار السياسي والركود الاقتصادي وعدم وجود إصلاحات هيكلية حقيقية. فقبل الأزمة المالية، نما الاقتصاد الإيطالي بمتوسط 1.2 في المائة بين عامي 2001 و2007، وكان للأزمة العالمية تأثير كبير في تدهور الاقتصاد الإيطالي الهش. ومنذ عام 2009، لم يُظهر اقتصاد إيطاليا أي اتجاه واضح للانتعاش. وسجل الاقتصاد في عام 2012 و2013 انكماش بنسبة 2.4 و1.8 في المائة على التوالي.
ويواجه الاقتصاد الإيطالي عددا من التحديات الهامة، واحدة منها هي البطالة؛ حيث ارتفع معدل البطالة بشكل مستمر في السنوات السبع الماضية. وفي عام 2013، وصل معدل البطالة إلى 12.5 في المائة، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. وسجل معدل البطالة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 11.5 في المائة، وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء؛ مما يسلط الضوء على نقاط الضعف في سوق العمل الإيطالي وسط المنافسة العالمية المتزايدة.
وتُظهر بيانات لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD»، أن 50 في المائة فقط من الإيطاليين يستخدمون الكومبيوتر في وظائفهم، وهي أدنى نسبة في المنظمة بأكملها، حيث يبلغ متوسطها 70 في المائة.
ومنذ فترة طويلة، يعتبر اقتصاد الظل في إيطاليا واحدة من أكبر العقبات التي تحول دون تحديث الهيكل الاقتصادي للبلاد. ولا يزال القطاع غير الرسمي يُمثل نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي، وتمثل تلك النسبة حجم الأنشطة الاقتصادية غير الخاضعة للضرائب وغير المسجلة. ذلك فضلاً عن ارتفاع معدلات التهرب الضريبي داخل إيطاليا، وبحسب الاتحاد العام للصناعات، لا يتم سداد نحو 33.6 في المائة من إجمالي ضريبة القيمة المضافة، وهي أعلى نسبة تهرب من هذه الضريبة داخل الاتحاد الأوروبي بعد اليونان التي تصل فيها النسبة إلى 34 في المائة من إجمالي الضريبة. وكلف التهرب الضريبي اقتصاد إيطاليا نحو 122 مليار يورو (133 مليار دولار) خلال عام 2015، وفقًا لمنظمة أرباب العمل في إيطاليا.
وقال وزير الاقتصاد الإيطالي بيير كارلو بادوان، خلال تصريحات صحافية، إن إيطاليا رفعت العجز المستهدف في ميزانيتها لعام 2016 إلى 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من المستوى البالغ 2.2 في المائة الذي أرسلته إلى المفوضية الأوروبية في وقت سابق من العام الحالي.
ويعول الاتحاد العام للصناعات الإيطالية، على حزمة محفزات يُمكنها دعم لاقتصاد الإيطالي، تعادل قيمتها 26 مليار يورو (28.4 مليار دولار) خلال العام الحالي، و34 مليار يورو خلال 2016 بما يعادل 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لإيطاليا. وتتمثل تلك المحفزات في أسعار النفط المنخفضة وضعف قيمة اليورو وانخفاض أسعار الفائدة في منطقة اليورو.
وكشفت الحكومة الإيطالية عن خطة خمسية جديدة لحقن الاقتصاد بنحو 160 مليار يورو (173 مليار دولار) لتعزيز الانتعاش الاقتصادي في إشارة إلى إعادة صياغة السياسة الاقتصادية للبلاد.
وأعلنت مؤسسة «Cassa Depositi e Prestiti) «CDP)، المملوكة بنسبة 80 في المائة لوزارة الخزانة الإيطالية والباقي مساهمات من المؤسسات المصرفية الإيطالية، في خطتها الخمسية الجديدة عن هدفها بأن تُصبح اللاعب رقم واحد في رأس المال الاستثماري في إيطاليا. ولتحقيق ذلك تعمل المؤسسة على حشد 117 مليار يورو، بزيادة 73 في المائة عن الخطة الصناعية السابقة، للاستثمار في قطاع الشركات لدفع عجلة النمو وخلق فرص العمل.
وتتوقع الخطة ضخ استثمارات بنحو 24 مليار يورو في البنية التحتية، وسوف تستثمر المؤسسة ما يزيد على 15 مليار يورو في إصلاح الإدارة الحكومية المحلية والإقليمية. وكجزء من خطة أعمالها الجديدة، قالت «CDP» إنه سيتم توظيف أدوات مالية جديدة بما في ذلك صندوق الأسهم الخاصة لمساعدة الشركات العائلية على النمو.