IMLebanon

معضلة الأغنياء الجديدة .. كيف تتخلص من ثروتك بأفضل صورة؟

Mark-Zuckerberg-facebook
ستيفين فولي

إنها مُعضلة لا تواجهها سوى مجموعة صغيرة من الناس – أصحاب المليارات البالغ عددهم 1825 شخصا في العالم، لكن عدا الموعد المناسب للتبرع بثروتك، هناك كيف تختار القضية المناسبة للتبرع لأجلها، لأن التخلّص من ثروتك هو أمر أكثر صعوبة مما يبدو عليه.

رسالة مارك زوكربيرج لابنته الجديدة ماكس، التي تعهّد فيها بتكريس ثروته للأعمال الخيرية، كانت موجّهة إلى شخص واحد، وقرأها وناقشها ملايين – لكن سيكون الأشخاص البالغ عددهم 1825 شخصا قد أولوها اهتماماً خاصاً.

هؤلاء هم الأعضاء الآخرون لنادي النخبة من أصحاب المليارات في العالم، وفقاً لأحدث إحصاء سنوي أجرته مجلة فوربس، بثروة إجمالية تبلغ سبعة تريليونات دولار.

من الأرجح أن أقران زوكربيرج يُفكّرون من قبل في الأعمال الخيرية، إذا كانوا بين الناس البالغ عددهم 230 الذين ورثوا المليار دولار، ولربما كانوا يمنحون الأعمال الخيرية المال طوال حياتهم؛ وإذا حقّقوا أموالهم في الآونة الأخيرة في الصين الصناعية أو من خلال إنشاء شركة ناشئة بقيمة تزيد على مليار دولار في سيليكون فالي، فلا شك أنهم اغتنموا الفرصة لمساعدة الأشخاص الأقل حظاً وجعل العالم مكاناً أفضل.

في كلتا الحالتين، هم يُشاركون في المسعى الخيري في وقت مثير للاهتمام الشديد، حيث يتم الطعن بالطرق القديمة للعطاء، وحتى تعريف ما يعني أن تكون مُحسناً، يبدو أنه يتوسّع.

المبادرات رفيعة المستوى مثل تعهد زوكربيرج بتكريس 99 في المائة من ثروته من “فيسبوك” من أجل قضايا صالحة أثارت الجدل، ولا سيما في الولايات المتحدة حيث تقليد الأعمال الخيرية على نطاق واسع يعود إلى الرأسماليين اللذين حققا ثرواتهما بوسائل عنيفة وغير شريفة: جون روكفلر وأندرو كارنيجي، بالذات.

في هذا العصر الذهبي الثاني، تعتمد المجتمعات مرة أخرى على التوازن المناسب بين تشجيع الأعمال الخيرية، وفرض الضرائب على الثروة لإعادة توزيعها من قِبل الحكومة.

مع ذلك، بالنسبة إلى المُحسنين الناشئين، هناك أمور أكثر إلحاحاً لاتخاذ القرار وخيارات تتعلّق بمدى السرعة والنطاق الأوسع، والجدل ومن خلال أي الهياكل القانونية ينبغي أن يتصرّفوا.

جميع الأسئلة تعكس النقاشات المُحتدمة في مجال العمل الخيري، فهذه ليست مهمة سهلة: كيف تتبرّع بمليار دولار؟

العطاء أثناء حياة الشخص

أصبح تشاك فيني يعرف باسم “الملياردير الذي لم يكن” لأنه نقل ملكيته شركةDuty Free Shoppers إلى إحدى المؤسسات، ووجه كل ذلك ليصار إلى التبرع بها في موعد نهائي محدد في عام 2020. يجسد الأمير الوليد بن طلال نموذجا أكثر تقليدية للأعمال الخيرية.

من الممتع أكثر العطاء في الحياة من العطاء بعد الموت، وهذا ما هو مولع تشاك فيني بقوله.

يعتبر رجل الأعمال الإيرلندي الأمريكي البالغ من العمر 84 عاما، الذي أسس سلسلة متاجر التجزئة Duty Free Shoppers في عام 1960، النموذج الحديث لحركة “أثناء حياة الشخص”، التي تجادل بأنه ينبغي للأثرياء البدء بالعمل الخيري في وقت مبكر – والانتهاء منه مبكرا أيضا.

تعتبر هذه الحركة تحديا للنموذج التقليدي للعمل الخيري في الولايات المتحدة، الذي بموجبه لا تزال المؤسسات التي أسسها كل من جون روكفلر وهنري فورد وأندرو ميلون، من بين أكبر الجمعيات الخيرية في البلاد بعد مرور نحو سبعة عقود على وفاة آخر المؤسسين، منفقة فقط الدخل من أوقافهما.

مؤسسة فيني “أتلانتك للعمل الخيري”، التي منحها حصة الملكية الخاصة به في مجموعة التجزئة في عام 1984، أعطيت موعد انتهاء ثابت في عام 2020، حيث إنها ستقدم المنح النهائية لديها العام المقبل، وستكون قد تبرعت في نهاية المطاف بأصول بلغ مجموعها ثمانية مليارات دولار، لأهداف وأغراض متعددة كرعاية الذين يعانون الخرف في إيرلندا، والوقاية من مرض الإيدز في جنوب إفريقيا، والكفاح ضد عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة.

اسم يوليوس روزينوالد، مؤسس شركة سيرز للبيع بالتجزئة، نادرا ما يظهر مقارنة باسم روكفلر، لكنه يلقى التبجيل بين دعاة حركة “العطاء أثناء الحياة” لأنه كان أول من قال “إن ثروته ينبغي أن يتم إنفاقها، بدلا من استخدامها لتقديمها كهبات لمنظمة دائمة”.

وبقيت تعمل حتى عام 1948، أي 16 عاما بعد وفاته.

تبقى دعائم الأسرة، المصممة لتمريرها إلى الأجيال المقبلة، النموذج الأمريكي الرئيسي، وهي واحدة تم تصديرها بنجاح إلى الخارج.

يقول مستشارو الأعمال الخيرية “إنه يجري تقليدها من قبل أصحاب المليارات حديثي العهد في الصين، وفي الشرق الأوسط”، قال الأمير الوليد بن طلال هذا العام “إنه سينشئ مؤسسة لأطفاله، لتدار بعد وفاته على أنها التزام للبشرية جمعاء”.

إن السبب وراء تصاعد أعمال حركة “العطاء أثناء الحياة” في الولايات المتحدة له علاقة بما هو أكثر من مجرد “المتعة” التي يتحدث عنها فيني، والرضا والارتياح عند رؤية الأثر الذي يحدثه مال أحدهم. هنالك أيضا الحجة من الرياضيات.

إن الانتظار حتى وقت لاحق يكون منطقيا فقط إذا كنت تعتقد أن المال ينمو أسرع من المشكلات، بحسب ما يقول هال هارفي، الرئيس التنفيذي لشركة “ابتكار الطاقة”، وهي شركة استشارات لسياسات البيئة.

يقول أيضا “إن الإنفاق الكبير على قضايا التغير المناخي أكثر فاعلية من المراوغة في المنح المقدمة على مدى السنوات، لأن الكربون يواصل تراكمه في الغلاف الجوي: إذا تراكم الجانب السلبي بصورة أسرع من الجانب الإيجابي، أنفق أموالك فورا”.

أما كريستوفر أوكسلي، الرئيس التنفيذي في شركة أتلانتك للعمل الخيري، فيعتبر الأمر مسألة تتعلق بالتواضع. “ليس الأمر كأننا الكيان الوحيد الذي يملك الثروة لينشرها للمصلحة العامة. لا تكن منهمكا في ذاتك بشكل كبير لتعتقد أن ما تفكر فيه وما تقوم بفعله حاسم ومهم بالنسبة إلى العالم، باستبعاد الآخرين. هنالك مزيد من الثروة في الطريق”.

الاهتمام بالسياسة

بول سينجر، مؤسس شركة إليوت مانيجمينت، قال لصحيفة فاينانشيال تايمز في وقت سابق من هذا العام، “إن المُحسن يجب أن يستخدم جميع الأدوات المتوافرة لتحقيق تغيير منهجي، بما في ذلك دخول المُعترك السياسي كما فعل عندما دعم الحقوق”. تبرع زميله مدير صندوق التحوّط جون بولسون بمبلغ 400 مليون دولار إلى الجامعة التي درس فيها يعكس نهجاً – عادة – ما يكون أقل إثارة للجدل.

إلى أي مدى تشعر بالارتياح من الاهتمام بالسياسة؟ لورا أريلاجا أندرسن، مؤلفة كتاب Giving 2.0 وزوجة صاحب رأس المال المُغامر مارك أندريسن، تسأل لأنه مع طموح صاحب المليارات لإحداث تغييرات كبيرة في العالم، تأتي الحاجة إلى حشد كل من القطاع العام والسياسيين.

أي شخص يريد التخفيف من مشكلة التشرّد في سان فرانسيسكو، على سبيل المثال، سيفهم بسرعة أن تغيير سياسات حكومة المدينة سيكون له أثر أكثر استدامة من تمويل الملاجئ.

لا يوجد شخص واحد سيعمل على حل مشكلة تغير المناخ، لهذا السبب ركّز المُتبرّعون مثل جيف سكول، المسؤول التنفيذي السابق في شركة إيباي، على حشد الرأي العام من خلال مجموعات تنظيم الحملات الأساسية، والعلاقات العامة، وقبل عقد من الزمن، تمويل إنتاج الفيلم الوثائقي آل جور “الحقيقة المُزعجة”.

التغيير على نطاق النظام هو هدف واضح بالنسبة إلى كثير من المُحسنين الأغنياء اليوم – من المؤكد أنه أكثر عصرية من بناء المستشفيات أو تمويل المتاحف – لكنه صعب ومُثير للجدل.

ويتضمن كتاب أريلاجا أندريسن قسما كاملا يُسمّى “خوض المعركة”، حيث كتبت “باعتبارك مُحسنا داعما، أنت بحاجة إلى أن تكون متأكدّاً من معتقداتك ومستعدّاً للدفاع عن مبادئك”.

الجدل لا بد أن يُرافق هذا المجال. لم يكُن هناك أبداً خط واضح بين الأعمال الخيرية والسياسة. الشخصيات المعروفة على نطاق أوسع أنهم من الجهات المانحة السياسية، مثل تشارلز وديفيد كوتش، يموّلون أيضاً العمليات الخيرية التي تتوافق مع معتقداتهم. حيث تموّل مؤسسة تشارلز كوتش المنح الدراسية والكراسي الأكاديمية لتعزيز البحوث في الأسواق الحرة، وتدفع لمنظمة الحرية الاقتصادية للمؤشر العالمي في معهد فريزر.

قضية تغيير نظام التعليم الأمريكي من خلال إنشاء مدارس مُستأجرة – مؤسسات جديدة qlk القطاع العام لكنها شبه منفصلة عن سيطرة السلطة المحلية – يدعمها الجميع من عائلة والتون لتجارة التجزئة ومديري صناديق التحوّط إلى بيل جيتس، لكنها تأتي أيضاً مقابل مقاومة شرسة من الاتحادات.

يجادل هارفي بأن المُحسنين بحاجة إلى اتخاذ قرار واضح “بإمكانك الحصول على تغطية صحافية جيدة بقدر ما تشاء، ما عليك سوى منح المال لأندية الفتيان والفتيات المحلية أو الحفلة الموسيقية المحلية.

كلما كانت المشكلة التي تُعالجها أصغر، كانت مؤشرات الإشباع لديك أقوى. مع التغيير المنهجي، حتى لو نجحت، فإن السلسلة السببية تكون غامضة، فهناك مساهمة أقل، ومفخرة اجتماعية أقل”.

لنأخذ التالي في الاعتبار: حتى منح مبالغ مالية لمرة واحدة لمؤسسات راسخة غير سياسية، لن يضمن عدم التعرض للانتقادات العامة، كما اكتشف جون بولسون هذا العام. حيث تم انتقاد منحة مدير صندوق التحوّط البالغة 400 مليون دولار إلى جامعة هارفارد، باعتباره يقوم بإدامة عدم المساواة من خلال مزيد من المنح لمؤسسة تعتبر نخبة بالفعل.

اختيار قضية وعدم الوقوع في الحب

قام المؤسس المُشارك لشركة فيسبوك داستن موسكوفيتز وزوجته، كاري تونا، بتمويل مؤسسة جيف ويل، المنظمة التي يُديرها محللو صناديق التحوّط السابقون، حتى يتمكّنا من تحديد الأنواع الأكثر فعالية في الأعمال الخيرية، في حين إن المستثمر في “فيسبوك” شون باركر يدعم العثور على أمر مميز – الخاص به هو العلاج المناعي لمرض السرطان.

عندما حضر أصحاب المليارات الحديثون من صناعة التكنولوجيا إلى عتبة “مؤسسة مجتمع سليكون فالي”، وهي منظمة استشارية في مجال التبرّع، قدّمت لهم علبة من أوراق اللعب. طُبع على كل منها قيمة – التواضع، العدل، التقليد، على سبيل المثال – أو قضية – الحقوق المدنية، وسلامة الغداء، والإسكان والمأوى. الهدف هو مساعدة المُحسن الراغب في التبرع في اتخاذ القرار حول ما ينبغي التركيز عليه. حقاً هناك مليار طريقة للتبرّع بمليار دولار.

تقول ميليسا بيرمان من منظمة استشارية أخرى في مجال التبرّع “روكفلر لمستشاري الأعمال الخيرية”، “إن هناك سؤالا أساسيا في وقت مبكر هو ما إذا كان ينبغي اختيار مجموعة واسعة من القضايا في إطار موضوع واحد، أو مجموعة ضيّقة من التحدّيات للعمل عليها”.

ربما هو تأثير اتساع موقع فيسبوك في حياتنا، لكن مؤسِسيه حدّدوا طموحات واسعة بشكل لافت للنظر. حدّد زوكربيرج هدفاً “لتحسين الإمكانات البشرية وتعزيز المساواة لكافة الأطفال” وفي تلك الرسالة العامة إلى ابنته المولودة حديثاً، ماكس، تراوح بشكل واسع بين مجالات التركيز المحتملة وبين التعليم الشخصي إلى علاج الأمراض إلى بناء المجتمعات.

في الوقت نفسه، فإن المؤسِس المُشارك في “آيسبوك” داستن موسكوفيتز، وزوجته كاري تونا، اتّخذا طريقة منهجية لاختيار التدخّلات من جدول كبير يتضمن تقييماً لقيمة كل شيء، من منع الكويكبات من ضرب الأرض إلى إعطاء منح نقدية للقرويين في كينيا. “الكويكبات لم تحصل على المال؛ لكن القرويين الكينيين فعلوا”.

رسالة تونا المُذهلة عن اختيار القضايا هي، عدم الوقوع في الحب. تقول “إن الخروج إلى الميدان لتقييم العمل الخيري يُمكن أن يكون له جانب سلبي: من السهل تماماً الوقوع في حب قضية. الزيارات الميدانية هي أداة مهمة بمجرد اختيار مجال التركيز؛ إنه أقل قيمة كأداة نسبية”.

يقول مؤيدو الأسلوب الضيّق – ربما معالجة الأمراض التي أودت بحياة أفراد العائلة، أو معالجة المشكلات الاجتماعية في منطقتك – إنه قد يكون من الأسهل إظهار العاطفة لعدد أقل من القضايا.

شون باركر، المستثمر في “آيسبوك”، كتب في وقت سابق من هذا الشهر “إن المُحسنين بحاجة إلى التركيز على مجالات حيث لديهم نظرة فريدة من نوعها أو نهج جديد. الضيق لا يعني عدم وجود طموح، لكنه يعني أن المُحسنين الطموحين سيحتاجون إلى التفكير بشأن تحمّلهم المخاطر”.

تقول بيرمان “إن هناك قضية وضع كل شيء في مجال واحد”. المُحسن الذي يراهن بشكل كبير، على سبيل المثال، على نهج جيني لمرض السرطان قد ينتهي به الأمر مع إظهار القليل “إلا أن بإمكانك القول إنك وفّرت على المجتمع الطبي إنفاق مليار دولار في مجال يصل إلى طريق مسدود”.