كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تقفل الـ 2015 اللبنانية على معادلة مرشّحة للاستمرار طويلاً، وربما تصلح عنواناً للـ 2016 وهي تقوم على الـ “لا سلم ولا حرب” في الوطن الذي يوائم بين تَحوُّله “دولة فاشلة” او “لا دولة” عبر شلّ المؤسسات الواحدة تلو الاخرى (الرئاسة والحكومة والبرلمان) وبين الحؤول دون انضمامه الى نادي الدول المشتعلة من حوله، من خلال النجاح في حماية الاستقرار الأمني ومنع انهياره عبر إنجازات مرموقة تحققها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في مكافحة الارهاب.
ومن المرجح ان تطول مرحلة “تعليق” الدولة في لبنان، الذي يتيح له “ربْط النزاع” بين الكتلتين السنية والشيعية كامتداد لمحوريْ الصراع في المنطقة (السعودية وايران) تجنب الحرائق الأمنية، اذ يصعب توقُّع كسر المأزق الوطني في بيروت، الناجم عن التعطيل المتعمّد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ 19 شهراً، من دون حصول تفاهمات اقليمية لم تنضج ظروفها مع العداء المستحكم بين ايران والسعودية على مدى قوس الأزمات في المنطقة.
وشكلت المحاولة المتقدمة اخيراً لـ “الافراج” عن الدولة بدءاً من السعي لانتخاب رئيس جديد كمدخل لضمان انتظام عمل المؤسسات (الحكومة والبرلمان)، تجربة بالغة الدلالة، في ملابسات إخراجها وفي ظروف إحباطها… وهي محاولة تبنّي الفريق اللبناني المحسوب على المملكة العربية السعودية (تيار المستقبل) المرشح الرئاسي الفعلي المحسوب على المحور السوري – الايراني، اي النائب سليمان فرنجية، الذي قد تؤدي كثافة “النيران الصديقة” المصوّبة على فرصته المتاحة الى الإجهاز عليها.
ومن المفيد في خضمّ حال “التشاؤل” التي تحوط صعود وهبوط خيار فرنجية، التوقف عند مفارقات أظهرتها الأسابيع الماضية ومن شأنها التحكم بمجريات هذا المسار في الأشهر المقبلة، وأهمها:
* ان “التنكيل السياسي” الذي تعرّض له زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري من قواعده وحلفائه بسبب تخطيه الخطوط الحمر في سعيه لملء الشغور الرئاسي الى حد ترشيح فرنجية الأكثر راديكالية في علاقته بـ “حزب الله” وصديق الرئيس السوري بشار الاسد، لم يكن سبباً للاعتقاد السائد بتضاؤل فرصة فرنجية، بل “الضربة القاضية” لهذا الخيار التي قد تهبّ من “8 آذار”، اي من حلفاء فرنجية.
* ثمة تقديرات بأن تمهّل الحريري في إعلان دعمه الرسمي لترشح فرنجية، ربما يكون بالتفاهم مع الأخير على الحاجة الى انضاج بعض الظروف التي من شأنها توسيع مروحة التأييد لفرنجية، وطمأنة بعض المتوجسين، وهو الامر الذي لم يتضح مساره بعد رغم الحوارات الجانبية الجارية في اكثر من اتجاه وسط توقعات بأن يعلن الحريري امراً ما مطلع السنة الجديدة في هذا الخصوص.
* نجاح الاتصالات التي جرت بين تيار الحريري و”القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع في احتواء عاصفة أزمة الثقة التي كانت رسمت علامات استفهام حول متانة التحالف بين قطبيْ “14 آذار”، وتَمكُّن الجانبين من التفاهم على تنظيم الخلاف في شأن خيار فرنجية، الذي تعارضه “القوات اللبنانية” انطلاقاً من التموضعات السياسية.
* الموقف الحاسم والنهائي للمرشح رقم واحد لقوى “8 آذار” زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون بالمضي قدماً و”ما دام حياً” في ترشحه للرئاسة متكئاً على دعم “حزب الله” الذي يدرك ان لا حظوظ بوصول عون الى الرئاسة، وتالياً فإنه لم يحن الوقت الاقليمي الملائم لحل هذه العقدة.
* الاندفاعة اللافتة لرأس الكنسية المارونية، البطريرك الكادرينال مار بشاره بطرس الراعي في دعمه لمبادرة فرنجية – الحريري ومطالبة الجميع بتسهيل إما عبورها وإما تقديم البدائل عنها على النحو الذي يؤدي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اسرع وقت. ومن غير المستبعد ان يشكل الموقف البطريركي مظلة لمعاودة تحريك الجهود الداخلية والخارجية الداعمة لخيار فرنجية.
* الانطباع الذي يزيد رسوخاً يوماً بعد يوم بتبلور موقف شديد السلبية من “حزب الله” حيال ترشح فرنجية ومضيه في المعركة الرئاسية. فبالرغم من ان الحزب لا يريد ان يخسره كحليف لكنه لن يفتح له الطريق للوصول الى قصر بعبدا لاعتبارات عدة بعضها جرى التلميح لها وبعضها الآخر ما زال مكتوماً.
ويشكل الموقف السلبي المضمر لـ “حزب الله” من ترشيح فرنجية صدمة للقريبين منه أكثر من البعيدين عنه، خصوصاً بعدما أصبح مفتاح الرئاسة “بيده” نظراً لقدرته على تعطيل استحقاقها منذ اكثر من عام ونصف العام.
وإزاء هذه اللوحة من المواقف يصعب التكهن بالمسار الذي سيبلغه تفاهم فرنجية – الحريري الذي تضاعفت التحديات في وجهه والناجمة في شكل أساسي من موقف “حزب الله” كرافعة محلية واقليمية، لكن من دون ان تفقد الأطراف الداخلية والخارجية الداعمة له الامل في إمكان العبور بخيار فرنجية حقل الالغام.