كتب انطوان فرح في صحيفة “الجمهورية”:
منذ كلمته الأخيرة، تحولت «رسالة» امين عام «حزب الله» الى المصارف و«الدولة»، الى مادة جدلية تثير القلق في الاوساط المالية والمصرفية والاقتصادية. البعض قرأ تحذيرا واضحا وخطرا للقطاع المصرفي، آخرون قلّلوا من خطورة الكلام، واعتبروا انه يهدف الى فتح حوار لتخفيف مفعول الاجراءات الأميركية الجديدة.لا يختلف اثنان على أن المدة التي خصّصها أمين عام حزب الله للحديث على قضية القانون الأميركي الجديد الذي يستهدف تجفيف مصادر التمويل لدى حزب الله، تعكس عمق الأذى الذي سيتسبّب به الاجراء الأميركي المفاجىء نسبياً للحزب وقيادته، لأنه جاء في أعقاب الاتفاق النووي مع ايران، وبعدما سهّل الحزب إقرار القوانين المالية المطلوبة أميركياً، في مجلس النواب اللبناني.
لماذا يشعر حزب الله هذه المرة، بأن القانون الأميركي سوف يؤذيه أكثر من القوانين السابقة؟ وهل اراد الحزب من خلال «تحذير» الدولة اللبنانية والمصارف، أن يُشرِك الجميع في المسؤولية لتخفيف الضغط عليه؟
ما يخشاه حزب الله، شرحه السيد حسن نصر الله، في كلمته عندما تحدث عن الفارق بين تصنيف «الحزب» كمنظمة ارهابية، وبين تغيير التوصيف الى منظمة اجرامية عابرة للحدود. في حالة الارهاب، لا يوجد اتفاق دولي على هذا التوصيف، ومن هي المنظمة التي ينطبق عليها، في حين ان الاجرام العابر للحدود توصيف مُتفق عليه دولياً، بما يعني ان الدول مُلتزمة تطبيق أي اجراء يُتخذ في هذا الشأن.
اليوم، انتقلت المشكلة من كونها تستهدف تجفيف تمويل حزب الله، الى أزمة تقلق كل اللبنانيين، بعدما أشرك السيد نصر الله الجميع في المسؤولية، لأن الحزب أدرك ان الموضوع لا يتعلق بمحاصرته مالياً فحسب، بل يستهدف عزله ضمن بيئته، بحيث أن كل متمول شيعي سوف يكون عليه أن يختار بين الاستمرار في التواصل والتبرّع للحزب، بطريقة أو بأخرى، وبين خطر وضعه على اللائحة السوداء الاميركية، بما سيؤدي حتما الى منعه من الدخول الى النظام المصرفي في لبنان والعالم.
هذه النقطة تحديدا هي التي أثارت حفيظة الحزب، ودفعته الى اتخاذ الموقف التهديدي الأخير، حيث طلب بوضوح من المصارف ومن الدولة ان ترفض الانصياع للطلبات الاميركية، وهو يدرك أن الرفض ليس متاحاً، لأنه يهدّد مصير المصارف، والتجارب السابقة واضحة في هذا الاتجاه. وبالتالي، السؤال المطروح، لماذا أطلق نصر الله هذا الموقف، ما دام يدرك ان المصارف غير قادرة عملياً على تلبية ما يطلبه، لأن ذلك سيكون بمثابة توقيع حُكم الانتحار؟
من الواضح أن حزب الله أراد من خلال كلامه، أن يوجّه رسالة مزدوجة الى الطبقة المصرفية في لبنان، والى السلطات الأميركية، مفادها ما يلي: لن نذهب وحدنا الى المقصلة، بل سنأخذ معنا البلد، وعليكم الاختيار.
هذا الموقف أراد من خلاله الحزب وقف الاندفاعة الأميركية في اتجاه عزله عن بيئته، وهو يأمل في أن يحول الدولة اللبنانية، والقطاع المصرفي الى متراس يقف وراءه، بحيث يضطر الاثنان الى العمل مع الاميركيين على ايجاد تسوية ما، تخفّف من قوة الاجراءات المالية في حقه.
ولا يراهن الحزب هنا على قوة تأثير الدولة والمصارف على واشنطن، وهو يعلم أن لا تأثير يُذكر للطرفين عندما يتعلق الامر بقوانين اميركية نافذة، لكنه يراهن على أن الاميركيين الحريصين على منع انهيار الدولة اللبنانية قد يأخذون في الاعتبار المعادلة الجديدة، الشبيهة بعملية أخذ رهائن، بحيث يصبح على الجهة الراغبة في انهاء العملية الاختيار بين الهجوم لتحرير الرهائن، والمجازفة بحياتهم، وبين التفاوض مع «الخاطف» لتلبية بعض المطالب وضمان خروج الرهائن سالمين من العملية.
ماذا ستختار الولايات المتحدة الاميركية اذا ما وضعت امام هذه المعادلة؟
الجواب صعب ومعقّد، لكن المؤكد ان سمعة لبنان وقطاعه المصرفي، وبمجرد وصول الامور الى هذا الحد من الخطورة سوف تتأثر كثيرا في العالم. واذا كان القانون الاميركي الجديد أدّى بمجرد صدوره الى اشاعة حذر اضافي في الاوساط المصرفية العالمية في طريقة التعاطي مع المصارف اللبنانية، خوفا من التورّط في عقوبات أميركية تبين اخيرا انها قاسية وموجعة ولا يمكن التملّص منها، فان ردة فعل حزب الله على القرار ساهمت في تعميق الحذر لدى الاوساط المالية الدولية، وساهمت في ترسيخ علامات الاستفهام المطروحة حول اسلوب التعامل مع القطاع المصرفي اللبناني، وهنا تكمن الاضرار الجسيمة، قبل الوصول الى مرحلة طرح السؤال: ماذا سيحصل اذا اختارت واشنطن تطبيق قانونها من دون الأخذ في الاعتبار «تهديدات» حزب الله؟