IMLebanon

المارونيان في “8 آذار” واقفان: الرأس يقارع الرأس

michel-aoun-sleimin-frangier

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

عندما فوجئ النائب سليمان فرنجية بتسريب خبر لقائه مع الرئيس سعد الحريري في باريس أدرك أنّ ترشيحه دخل مرحلة الخطر. فالقطب الزغرتاوي عضو ناشط في فريق «8 آذار»، وهو يعرف- من الداخل- إتقانَ هذا الفريق للمناورات وعمليات الإحراق. ومن البديهي أن يقول في نفسه: «إذاً، مِن بيت أبي ضُرِبت»!حاول فرنجية، عند عودته إلى بيروت، ترميم ما يمكن. لكنّ المهمة لم تكن سهلة لأنها تقتضي خوض مواجهة على ثلاث جبهات على الأقل، تتدرَّج من الصعب إلى الأقل صعوبة:

1- الأصعب هي إقناع «حزب الله»، صاحب الكلمة الفصل في الملف. ولذلك، سارع فرنجية إلى تقديم «كشف حساب» له، يتضمّن تذكيراً بالمكاسب التي ستتحقّق لـ«الحزب» مع وصوله إلى بعبدا.

فإضافة إلى أنّ رئيس الجمهورية سيكون من صلب الخط الحليف لـ«الحزب»، فإنّ ضمانات أخرى ستكون محسومة: من قانون الانتخاب إلى تركيبة الحكومة وبرنامجها، إلى الإمساك بالمرافق المهمة والمواقع والإدارات والأجهزة الحسّاسة. وسيعيد الرئيس العتيد ما كان سابقاً من علاقات بين بيروت ودمشق الأسد، وسيفتح خطاً من العلاقات مع طهران.

وفي الترجمة، حاول فرنجية القول إنه لمجرّد وصوله إلى بعبدا سيحقِّق الهدف الذي يقاتل «الحزب» لبلوغه منذ 11 عاماً، أيْ إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل نيسان 2005، و«تصحيح خطأ» انسحاب السوريين من لبنان لا بعودتهم إلى لبنان، بل بعودة «العلاقات المميَّزة» بين بيروت ودمشق.

2- الأقل صعوبة هو إقناع العماد ميشال عون بالانسحاب على قاعدة أنهما حليفان ينتميان إلى خطّ واحد، بل تكتّل سياسي واحد. ويعتقد فرنجية أنه سلّف عون موقفاً داعماً لترشيحه، «على بياض»، طوال عامين. وهو يعترف له بأنه الممثل الأقوى للمسيحيين في داخل الخطّ.

ولكن، أليس الأفضل أن تتمّ الإفادة من اللحظة التي تفرض على الحريري أن يسير في انتخاب أحد أركان «8 آذار»؟ وتالياً، أليس اقتناص الفرصة ودعم المرشح «الرقم 2» في فريق «8 آذار» أفضل من ترك المقعد الماروني شاغراً؟

ولم يترك فرنجية شيئاً إلّا وقدَّمه إلى عون لكي يقتنع بالانسحاب ويبارك له ببعبدا، وقال له: «وصولي إلى الرئاسة هو وصولك أنت. المهم أن يصل أحدنا». لكن لا شيء كان يقنع عون بالانسحاب. فلا ثمن للرئاسة.

3- الأقل صعوبة هو إقناع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ومسيحيّي «14 آذار». وهذه المهمة متروكة للمعالجة على يد الحريري. فإذا سارَ عون بالصفقة ستمشي، وسيمشي بها كثيرون من مسيحيّي «14 آذار». أما الباقون فلا بأس ببقائهم معترضين لتسجيل موقف. وخلال «العهد الفرنجي» تتمّ مراضاتهم تدريجاً، كما حصل عند تأليف الحكومة السلامية وهيئة الحوار الحالية.

إذاً، بالنسبة إلى فرنجية، إذا وافق «حزب الله» ستمشي الصفقة وسيتم ترتيب وضع عون، وتالياً لا حاجة إلى الآخرين جميعاً. لكنّ «الحزب» لا يقع في خطأ القول إنه تخلّى عن عون، وهو سيترك لعون نفسه أن يعلن الانسحاب من المعركة في الوقت المناسب.

وهكذا، في الشكل، يقع فرنجية في حلقة مفرغة: البيضة أوّلاً أم الدجاجة؟ أما في المضمون، فالأمر ليس كذلك. فلا الأسماء هي المشكلة، لا فرنجية ولا عون ولا جعجع، ولا الأمر متعلق بالصراع بين الزعامات المسيحية، بل بالصراع الإقليمي الشامل الذي لا يبدو موقع الرئاسة سوى أحد عناصره الهامشية.

في البداية، سمح «حزب الله» لحليفه فرنجية أن يذهب إلى باريس ويستمع إلى الحريري ويعرف إلى أيّ حدّ سيقدِّم التنازلات في أيّ صفقة موعودة.

وعندما تمّ اللقاء، وتبلّغ «الحزب» بالتفاصيل، كشف عنه في الإعلام لتحقيق أهداف عدة في آن معاً:

– طمأنة عون إلى أنه لا يفعل شيئاً «من وراء ظهره».

– كشْفُ الحريري أمام حلفائه المسيحيين بأنه يبرم الصفقات مع الخصوم من دون علمهم، وأنه «يبيعهم» في أيّ لحظة لتأمين مصالحه، على طريقة «يا ربّ نفسي»، أيْ إنه يبيع الرئاسة الأولى في سبيل عودته إلى لبنان ووصوله إلى رئاسة الحكومة.

– إنتزاع اعتراف علني من الحريري بأنّ موقع الرئاسة الأولى مكرّس لمسيحيّي «8 آذار»، أيْ إنه إما لفرنجية وإما لعون. ومن هذه النقطة، يبدأ المفاوضة على بقية عناصر الصفقة.

– إنّ كشف اللقاء يثير ضجيجاً سياسياً حوله، من جهات مختلفة، ما يؤدّي إما إلى إفشاله وإما إلى إبطاء سرعته. وفي ذلك، يستطيع الإيرانيون أن يفاوضوا على مستتبعات الصفقة في لبنان وعلى الأثمان التي سيحصلون عليها في سوريا والعراق واليمن.

فطهران تريد استثمار رغبة بعض القوى السعودية في عودة الحريري، والضغط الدولي لملء الفراغ الرئاسي. وترى طهران أنّ الفرصة سانحة لتحصيل الأثمان خصوصاً في سوريا، ولكنها لا تستعجل الأمور لبنانياً لأنّ «الستاتيكو» القائم حالياً يناسبها تماماً.

وهكذا، ينتظر فرنجية «ضربة حظ» حسّاسة توصله إلى بعبدا. ولو كانت هذه الضربة مرهونة باللاعبين المحلّيين لكان الأمرُ سهلاً. لكنها مرتبطة بمسار إقليمي معقّد يبدأ بسوريا والعراق ولا ينتهي باليمن. فالرئاسة اللبنانية جزءٌ من مقايضة كبرى لم تنضج بعد.

ولا يريد الإيرانيون أن يقدّموا شيئاً في أيّ مكان، ما لم يحصلوا على الثمن في مكان آخر. ولماذا يسهّلون التسوية في لبنان مجاناً؟

يقول بعض فريق «8 آذار»: نحن اليوم في وضع ممتاز، والأرجح أننا بوصول فرنجية أو بالفراغ الرئاسي سنبقى أصحاب القرار في لبنان. واليوم، لا شيء يمرّ من دون إرادتنا. وفي ظلّ الفراغ القائم حالياً، تراجع الضغط الذي كان يُمارَس علينا خلال «حكومتنا»، حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

وفي ظلّ الوضعية الراهنة، لا يمكن لأحد تحميلنا المسؤولية عن أيّ أمر. وقد استطعنا أن نغطّي أنفسنا بحكومة متوازنة يرئسها تمام سلام المحسوب على «المستقبل»، فلماذا الاستعجال في الوصول إلى سدّة الرئاسة وتحمُّل المسؤولية مجدَّداً، إذا لم تكن هناك لنا مكاسب في أماكن أخرى؟

وإذا كان الحريري يعتقد أننا سنُصاب بصدمة إيجابية ونستعجل إيصال حليفنا فرنجية، فنحن نقول له: هذا الخيار ممتاز، ولكننا لسنا مستعدين لدفع ثمنه. وإذا كان هو مستعجلاً ويرى فيه مصلحته، فليقدّم هو والمحور الذي ينتمي إليه الأثمان اللازمة لذلك، ليس في لبنان فحسب، بل في سوريا وسواها… وإلّا فلا بأس بالفراغ الرئاسي لفترة أطول.

لذلك، لم يبلغ فرنجية، حتى الآن، طريق القصر. ولكنه ينتظر أن يكون «فلتة شوط» إقليمية. وحظوظ نجاحه أو الفشل تتأرجح ضمن هامش الـ50 في المئة. ولكن، المهم في الأمر هو الآتي: بالنسبة إلى فرنجية، إنّ ما قبل «المبادرة» سيكون مختلفاً عمّا بعدها.

ففرنجية لم يعد قادراً على سحب نفسه من «كادر» الصورة كـ»رئيس للجمهورية» مع وقف التنفيذ. وتالياً، هو لن يدعم أيّ مرشح آخر، خصوصاً من فريق «8 آذار» بعد اليوم. وهو بالتأكيد لن يعود إلى دعم عون تحت أيّ ظرف.

بعد «المبادرة» الحريرية، سيتعاطى فرنجية مع ملف الرئاسة، كما عون، وفق قاعدة: إما أن أكون الرئيس وإما أن لا يكون هناك رئيس! وهذا ما فعلته «المبادرة» الحريرية السابقة بعون أيضاً، عندما أوصلت اللقمة إلى فمه وسحبتها.

وهكذا، بات المارونيان القويان في «8 آذار» واقفَين، الرأس يقارع الرأس: «أنا أو لا أحد»! وسيكون ضرورياً انتظار الأسابيع الأولى من العام الجديد لمعرفة الحقيقة: هل النار المشتعلة هدفها إنضاج الطبخة أم إحراق صاحبها بعد إحراق عون، لغاية في نفس أكثر من يعقوب؟