تعود أزمة القطاع الصحي الحكومي الى سنوات طويلة، لكن العام 2015 سجّل تطوراً سلبياً في عمر هذه الأزمة، ذلك ان أكثر من مستشفى حكومي في اكثر من منطقة رفع من حدة تحذيره، إما من أزمة نقص في المعدات، وإما من ضغط العمل دون تغطية ودعم من الوزارات المعنية، وبخاصة وزارتي المال والصحة، وإما بسبب عدم دفع رواتب الموظفين، والسبب الأخير هو الأبرز من بين تلك الأسباب، لأنه غالباً ما كان الشرارة الأولى التي تشعل فتيل الإعتصامات والإضرابات، والتغيرات الهيكلية في بنية الإدارة، وتحديداً بالنسبة لمستشفى بيروت ومستشفى صيدا.
اللافت في أزمة القطاع الصحي أن الحكومة مجتمعة، والوزارات منفردة، لا تقدم حلولاً جذرية تنتشل هذا القطاع من أزمته. بل تستمر بتجاهل احتياجاته واحياناً تدفعه نحو مزيد من التأزم، بسبب التمسك بالمصالح الشخصية التي لا تتعدى توظيف بعض الأشخاص في مواقع معينة في المستشفيات. اما من يدفع الثمن، فهو المواطن اللبناني والمال العام، ومنذ وقت ليس ببعيد، بات النازحون السوريون يتقاسمون تبعات أزمة القطاع الصحي، مع اللبنانيين.
3 مستشفيات تلخص أزمة القطاع الصحي العام، وهي مستشفيات بيروت وصيدا والبترون. مستشفيا بيروت وصيدا يشتركان في أزمة تأمين الرواتب ودخول المصالح السياسية في ملف التوظيفات وتأمين أموال المستحقات المطلوبة. فقد وقع مستشفى بيروت تحت وطأة الخلاف بين “وزير المال علي حسن خليل ووزير الصحة وائل أبو فاعور. حيث لم يدفع خليل اموال المستشفى بعد ان رفض أبو فاعور وإدارة مستشفى بيروت، التعاقد مع 20 طبيباً مقربين من خليل”، بحسب مصادر “المدن”. هذه الصورة هي واحدة من أزمات مالية يعاني بفعلها أكثر من 1000 موظف وعامل في مستشفى بيروت. وتكرار النتائج السلبية أوصل مدير عام المستشفى فيصل شاتيلا الى تقديم استقالته، ليخلفه فراس الأبيض، حاملاً معه حلماً بالإصلاح، بدأ مع “خفض العجز المالي الشهري من مليارين الى مليار ونصف المليار ليرة “، وفق ما قاله الأبيض لـ “المدن”.
ولم يكن مستشفى صيدا الحكومي ببعيد عن أزمة مستشفى بيروت، اذ ان المصيبة جمعتهما، وأدت أيضاً الى استقالة المدير العام للمستشفى علي عبد الجواد، وتعيين لجنة لإدارته. غير ان الأزمة المالية والتقنية للمستشفى، لم تلقَ أي اهتمام من قبل وزارة الصحة ولا من جانب المسؤولين السياسيين الذين أججوا الخلافات، فالمستشفى يرزح اليوم تحت الضغوطات عينها التي أوصلت الى استقالة عبد الجواد، دون تحرك أقطاب “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، الذين كانوا محرك الخلافات التي ظهرت على شكل اتهامات بالفساد المالي والاداري.
وفي ظل الأزمة الموحدة بين المستشفيين، تقول مصادر مطلعة على الملف لـ “المدن”، ان الوضع عموماً على حاله، عند نهاية العام 2015. لكن هناك تحسناً لا بأس به في ما يخص مستشفى بيروت، ذلك ان تعيين الأبيض، وهو من فريق ابو فاعور، جعل الأمور تهدأ في ما يخص العلاقة بين ادارة المستشفى ووزارة الصحة، على ان الخلاف بين الصحة والمال، مازال قائماً، وتدفع ثمنه مستشفى بيروت والمستشفيات الحكومية بشكل عام. الهدوء جا نتيجة بعض القرارات الادارية التي اتخذها الابيض، لكن يبقى هناك قرارات كان من المفترض اتخاذها ولم تتخذ، منها على سبيل المثال لا الحصر، اعادة فتح أقسام أقفلها الابيض في محاولة لتخفيف النفقات. وتشير المصادر الى ان مستشفى بيروت يعمل فقط بـ 40% من قدرته، لكن هناك تفاؤلاً بعد استقرار وضع المستشفى، وهو ما كان مفتقداً منذ فترة 2007- 2008. وتلفت المصادر النظر الى ان مستشفى صيدا مازال يعاني الكثير أيضاً، وللأسف وزارة الصحة لا تتعاطى مع المستشفيات الحكومية على انها مرافق تخضع لسلطتها، وعليها تحسين اوضاعها، ولا تأخذ المستشفيات اهتمام الوزارة على غرار اهتمامها بحملة مكافحة الفساد الغذائي.
الجانب المالي الذي يعاني منه مستشفيا صيدا وبيروت، يُضاف الى أزمة إدارية يعاني منها مستشفى البترون الحكومي. حيث ان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يدير المستشفى، قرر التخلي عن هذه الادارة بعد انتهاء عقد تشغيله لها مع نهاية العام الحالي. والتخلي يعود الى عدم قدرة الضمان على ادارة المستشفى، وهو أمر لا يدخل في اختصاص الضمان في الاصل، لكن الضمان أدار المستشفى بفعل “غياب المستشفيات الحكومية في العام 1971″، بحسب ما يقوله كركي لـ”المدن”، لكن في ظل الوضع الحالي ومع وجود دولة قوية ووزارة صحة فاعلة، آن الأوان وفق كركي، لأن تستلم الدولة المستشفى. ومع ان وزارة الصحة وافقت على استلام ادارة المستشفى، بعد دفع مبلغ 100 مليون ليرة شهرياً كتغطية للعجز فيه، الا ان الخطر لم يزل كلياً، لأن المستشفى هو مستشفى حكومي، اي ان ملفه مفتوح على احتمالين، إما دخوله في دوامة الصراع بين الجهات المعنية بالمستشفى، اي بين الإدارة الجديدة التي ستنشأ بعد تنفيذ عملية الاستلام ووزارتي الصحة والمال، وبشكل ما، ستشترك التدخلات السياسية في تعميق الخلافات. وأيضاً، ستعود الى الواجهة فكرة خصخصة المستشفى، والتي طُرحت كحل بديل عن تخلي الضمان عن ادارته، وفي حال لم تقبل وزارة الصحة بإدارته. وعليه، فإن أزمة هذا المستشفى وإن بدت هادئة اليوم، إلا انها تؤسس لمرحلة جديدة من الازمات اللاحقة، والتي تتحمل الدولة مسؤوليتها أولا وأخيرا كجزء لا يتجزأ من مسؤوليتها تجاه المستشفيات الحكومية ككل.