IMLebanon

الصراع ضد الشركات الصينية يضع الحزب مقابل النخبة

GuoGuangchang-china-fosun
توم ميتشيل وباتي فالدمير

جو جوانجتشانج، الذي أطلق عليه اسم وارن بافت الصين، هو رجل أعمال ملياردير يثير اختفاؤه لفترة قصيرة تساؤلات، حول ما إذا كان القطاع الخاص الآن هو هدف لحملة مكافحة الفساد في بكين.

في الصين التي يحكمها الرئيس تشي جين بينج، يختفي الأشخاص دائما في الوقت الذي يعمل فيه الحزب الشيوعي الحاكم بشكل روتيني على اعتقال الأقوياء والضعفاء على حد سواء، فيما يتعلق بالتهم التي تكون غالبا غامضة وذات دوافع سياسية.

على أن الاختفاء الغامض – والظهور لاحقا هذا الأسبوع – للمياردير جو جوانجتشانج بإيعاز من سلطات لا تزال مجهولة لم يكن أمرا روتينيا على الإطلاق، ما يوحي بأن أساطين القطاع الخاص يجري استهدافهم من قبل حملة مكافحة الفساد التي أثارها الرئيس الصيني.

خلافا لنظرائهم في الشركات المملوكة للدولة، عمل أغنى رجال الأعمال في القطاع الخاص في الصين حتى الآن، على تجنب وطأة حملة الرئيس تشي لمكافحة الكسب غير المشروع لثلاث سنوات وتجنب التحقيق الأخير بخصوص الانهيار الذي حدث في الصيف في بورصتي شنغهاي وشنزين.

وعلى الرغم من أنه لم يتم توجيه الاتهام إلى جو بارتكاب أي مخالفات، إلا أن الإيحاء بأن الحزب والمحققين الحكوميين ربما يحولون اهتمامهم في إطار حملة ملاحقة الفساد إلى القطاع الخاص، وهو ما أثار صدمة في مجتمع الاستثمار والأعمال في البلاد.

نتيجة لذلك، يستعد كثيرون الآن لاحتمال التعرض لصدام بين السلطة والمال في الصين. وأي صراع من هذا القبيل سيضع واحدا من الأحزاب السياسية الشمولية الأكثر دواما في العالم، في خندق ضد مئات من أصحاب المليارات الذين ظهروا أخيرا، ما يعمل على تحطيم العلاقة الحميمة السابقة بين الطرفين.

يقول ستيف تسانج، باحث صيني في جامعة نوتينجهام “إن أباطرة الأعمال الصينيين الناجحين ليسوا محبوبين في حد ذاتهم من قبل الحزب، لكن يجري استغلالهم من قبل الحزب لتحقيق أهدافه. الأمر الأهم في هذا الشأن هو استمرار سلطة الحزب، الذي يكون من الضروري تماما بالنسبة إليه الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي والسياسي”.

في منشور حديث في مدونة اختفى صاحبها منذ ذلك الحين، نقل رئيس مجلس إدارة إحدى أكبر شركات العقارات في الصين عن نظيره الذي حذر بأن الحزب ينظر إليهم على أنهم “صراصير”.

كتب فينج لون من شركة فانتون القابضة “قال أحد أباطرة القطاع الخاص ذات مرة: قال قطب في قطاع الأعمال الصيني: في نظر المسؤول الحكومي، نحن لا شيء سوى صراصير. إذا أراد قتلك، فسيقتلك. وإذا أراد السماح لك بالعيش، فسيفعل ذلك”.

يصف أحد التنفيذيين الصينيين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، اختفاء جو بأنه “زلزال في الدوائر المالية”، مضيفا أنه “نذير بأن الناس يجب أن يكونوا أكثر حذرا من أي وقت مضى، في تعاملاتهم مع الحكومة”.

الجميع في خطر

جو هو المؤسس المشارك لمجموعة فوسون ومقرها شنغهاي، وهي أكبر تكتل للقطاع الخاص في البلاد. كان تركيزه في الأصل على قطاعات العقارات والصلب والصناعات الدوائية في الصين، أما في الآونة الأخيرة فقد حقق اسما كمستثمر جامح نحو الخارج ذي شهية كبيرة، نحو شركات التأمين والمصارف ومجموعات الصناعة الترفيهية الأجنبية. كما تشمل محفظته الآن علامات تجارية مثل نادي ميد وحصة نسبتها 25 في المائة في سيرك دو سوليه.

طالب الفلسفة السابق البالغ من العمر 48 عاما يعتبر أن وارن بافت، الرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي، هو أحد مصادر إلهامه، قائلا “إنه، شأنه في ذلك شأن مثله الأعلى، يرى شركات التأمين وكأنها أبقار نقد كبيرة يمكنها تمويل استثمارات إضافية”.

يقول جيمز ماكجريجور، مختص استشاري مقره شنغهاي “أصبح هذا حدثا دوليا بسبب طبيعة الشخص جو. عندما يختفى وارن بافت الصين، فإن هذا أمر كبير”.

في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، ذكرت مجلة مالية صينية أن المسؤولين التنفيذيين في شركة فوسون فقدوا الاتصال مع رئيسهم. في اليوم التالي، أوقفت الشركة التداول في أسهم وحداتها المدرجة في البورصة، وقالت “إن جو كان يساعد في تحقيقات معينة تُجريها السلطات القضائية في البر الرئيسي”. كما أضافت المجلة أنه كان قادرا على إعطاء رأيه فيما يتعلق بشؤون الشركة “عبر وسائل مناسبة”.

خلال مؤتمر عبر الهاتف مع المستثمرين ووسائل الإعلام أجري في نهاية الأسبوع الماضي، سأل أحد المساهمين الأجانب التنفيذيين في شركة فوسون فيما إذا كان ذلك يعني أن بإمكانهم التواصل مع جو مباشرة أو التحدث إليه من خلال وسطاء.

إلا أن السؤال لم تتم الإجابة عنه. ما قاله التنفيذيون فقط هو أن تحقيق جو ليس له علاقة بدوره في شركة فوسون.

ومن ثم في اليوم الخامس، الإثنين الماضي، ظهر جو مرة أخرى. وحاز اجتماع داخلي للشركة تصفيق زملائه، لكنه رفض التعليق على فترة اختفائه خلال نهاية الأسبوع. مع نهاية الأسبوع، كان في نيويورك، حيث زار ساحة التزلج في مركز روكفلر.

ما يعمق من الطابع الدرامي المخيف في الملحمة، لم يعلق أي من المسؤولين التنفيذيين الصينيين على هذه القضية، على الرغم من أنها انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام المحلية، وخلقت عاصفة من الثرثرة عبر شبكة الإنترنت.

وبعد مرور أسبوع على ذلك، لا يزال من غير الواضح فيما إذا كان جو، الذي تقول شركة فوسون إنه ليس عضوا في الحزب، قد تم استجوابه من قبل اللجنة المركزية لمراقبة الانضباط التابعة للحزب، أو الشرطة أو أي وكالة حكومية أخرى.

في الصين، ليس من غير المألوف أن يختفي الناس خلال فترة تحقيق، ربما يهمهم أو لا يهمهم وبعد ذلك يظهر سالما.

مع ذلك، لم يقتنع المساهمون. إذ انخفضت أسهم شركة فوسون الدولية، وهي الشركة الرئيسية لدى جو والمدرجة في هونج كونج، بنسبة 10 في المائة منذ استئناف التداول.

أعطت هذه الحادثة صورة سيئة عن الإجراءات القضائية والشفافية التنظيمية في الصين. يقول ماكجريجور “لدى القيادة الصينية مشكلة في العلاقات العامة وعليها إصلاحها. فيما يتعلق بممارسة الأعمال التجارية هنا، هنالك بعض الآراء السلبية للغاية عن الصين في الوقت الراهن”.

على الرغم من أن جو ليس متهما، يقول آخرون “إن القضية أرسلت رسالة مفيدة وربما متعمدة إلى القطاع الخاص”. يقول تشوانج شوي، مختص في حوكمة الشركات في جامعة بكين “ليس هنالك أي مهرب من هذا الاتجاه الذي يكافح الفساد. في الوقت الذي ركزت فيه حملة مكافحة الفساد على الوكالات الحكومية والشركات المملوكة للدولة، هذا لا يعني أن فساد القطاع الخاص يمكنه الاستمرار دون رادع”.

اصطياد النمر

منذ توليه السلطة قبل ثلاث سنوات، عملت حملة مكافحة الكسب غير المشروع لتشي على إسقاط 149 مسؤولا حكوميا وضابطا عسكريا ورؤساء للشركات المملوكة للدولة، من الذين لديهم مرتبة نائب وزير أو أعلى، وفقا لتعداد أخير جمعته مجموعة أوراسيا.

في الوقت الذي يتساقط فيه مثل هؤلاء “النمور” بمعدل نحو شخص واحد في كل أسبوع، فإنه في الطرف الآخر من طيف السلطة اعتقلت الشرطة الصينية الفنانين ومحامي الحقوق والناشطين في مجال العمل بمئات إن لم يكن بآلاف، عادة بتهمة “الإخلال بالنظام العام” التي يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.

أما الإصابات الأخرى فقد شملت أصدقاء الأعمال لأعداء تشي السياسيين، لكن لم يكن أي منهم قريبا ولو من بعيد من ثروة وصيت جو.

آخر مرة احتجزت فيها السلطات الصينية رجل أعمال في مكانته كانت في عام 2008 عندما اعتُقِل هوانج جوانجين، أغنى رجل في الصين آنذاك الذي قدرت ثروته بما يعادل 6.3 مليار دولار، وفي النهاية حكم عليه بالسجن مدة 14 عاما بتهمة الرشوة والتداول بناء على معلومات سرية.

إن حقيقة أن جو اليوم يحتل المرتبة 17 بين أغنى الرجال في الصين بثروة تبلغ 7.8 مليار دولار، هي دلالة على الثروة التي لا تصدق، والتي جُمِعت خلال السنوات الأخيرة من خلال القطاع الخاص في البلاد.

وفقا لتقرير هورون، الذي يدرج الأفراد الأكثر ثراء في البلاد، في عام 2003 لم يكن لدى الصين أي شخص من أصحاب المليارات بالدولار. أما هذا العام، فهنالك 596، أكثر مما هو موجود في الولايات المتحدة، في حين إن إجمالي الثروة لأكثر الأشخاص ثراء في الصين البالغ عددهم 1877 شخصا يبلغ 2.1 تريليون دولار، أكبر من الناتج المحلي الإجمالي للهند أو روسيا.

بشكل ملحوظ، حصل هذا في بلد، خلافا للهند وروسيا، عادة ما تكون الارتفاعات العالية للاقتصاد مسورة بعيدا عن وصول القطاع الخاص. الصناعات المربحة كالطاقة والتمويل والاتصالات السلكية واللاسلكية، لا تزال حكرا على الشركات المملوكة للدولة.

في العام الماضي قال جو أمام البرلمان الصيني الذي “يبصم” فقط: “لأكون صريحا، يحصل رأس المال الخاص على فرصة سانحة فقط، عندما تمر الصناعة الوطنية بصعوبات”.