أقرت الحكومة في جلستها الإستثنائية التي عقدت مساء الإثنين في 21 كانون الأول، ترحيل نفايات لبنان إلى الخارج، وذلك بعد مرور 166 يوماً على عمر أزمة النفايات التي شهدتها شوارع وأحياء منطقتي بيروت وجبل لبنان، لتنهي العام 2015 بتوافق الأطياف السياسية المبدئي على قرار الترحيل الذي يلفه الغموض حتى الساعة. وبانتظار ما ستؤول إليه أمور نفاياتنا في العام 2016، هذه نبذة عامة عن عمر أزمة النفايات والتي تعود الى العام 1994.
..منذ العام 1994
عند الحديث عن أزمة النفايات التي عصفت بلبنان هذا العام، علينا العودة نحو 20 عاماً إلى الوراء، أي إلى العام 1994 حين تم التعاقد مع شركة “سوكلين” رضائياً، لتلتزم خدمة صيانة معملي الكرنتينا والعمروسية، ولم يمضِ وقت طويل حتى توسعت تلك العقود لتشمل خدمة كنس وجمع ومعالجة النفايات في منطقتي بيروت وجبل لبنان.
وفي عام 1997 فتح مطمر الناعمة لاستقبال نفايات بيروت وجبل لبنان، والذي يستوعب 2 مليون طن من النفايات. إلا ان المطمر إمتلأ سريعاً، وبدأت توسعته عمودياً وأفقياً، حتى استوعب أكثر من 20 مليون طن من النفايات. وذلك لأن “سوكلين” لم تنفذ بنود العقد كما يجب، فقامت بطمر أكثر من 80% من النفايات عوض معالجتها. وتم تمديد عقود الشركة في عامي 2007 و2010. وفي العام 2014، ومع قرب انتهاء مهلة التمديد الأخير لعقود شركة “سوكلين” في 17 كانون الثاني 2015، إتخذ مجلس الوزراء القرار 46 القاضي بتكليف مجلس الإنماء والإعمار إجراء مناقصة لتلزيم معالجة النفايات في مختلف الأراضي اللبنانية، وجاء القرار رقم 1 بتاريخ 12 كانون الثاني ليعدل القرار 46 ويمدد لشركة “سوكلين” كما لمطمر الناعمة لمدة 6 أشهر. وجرى حينها تقسيم لبنان إلى ست مناطق خدماتية (بيروت، المتن، كسروان وجبيل، الشوف وعاليه وجزء من بعبدا، الشمال وعكار، الجنوب والنبطية، البقاع والهرمل).
كانون الثاني 2015
في 17 كانون الثاني الفائت إنتهى العقد الموقع مع شركة “سوكلين”، ولم تكن الحكومة قد أجرت مناقصات تلزيم خدمة النفايات بعد. ضمنياً كان هناك نية لتمديد عقود “سوكلين”، لاسيما وأن رئيس مجلس إدارتها ميسرة سكر، تربطه علاقات وطيدة مع معظم سياسي لبنان، وبالفعل تم التمديد لعقود “سوكلين” الثلاثة (كنس، جمع ومعالجة) لمدة ستة أشهر. حينها، واصل أهالي منطقة الناعمة محادثاتهم ولقاءاتهم مع فعاليات المنطقة السياسية ومع وزارة البيئة، رفضاً لما جرى، وفي محصلة هذه المحادثات، تلقى الأهالي وعداً من وزير البيئة محمد المشنوق بإقفال المطمر نهائياً بعد إنقضاء مهلة الستة أشهر.
تموز 2015
إنقضت المهلة المحددة لإقفال مطمر الناعمة في 17 تموز الفائت، بالتزامن مع إنتهاء عقد “سوكلين” الممدد، ولم تكن الوزارات المعنية قد وجدت البديل لمطمر الناعمة بعد، وحينها اعتصم الأهالي أمام المطمر منعاً لدخول آليات “سوكلين” إليه.
النفايات والحِراك
ملأت النفايات معظم شوارع بيروت وجبل لبنان، وازدادت المكبات العشوائية بعد أيام قليلة على إقفال مطمر الناعمة. فأجريت مناقصات تلزيم النفايات طبقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 1، وأعلنت نتائجها في 24 آب الفائت وتم إبطالها في اليوم التالي بحجة الأسعار المرتفعة، علماً أن “سوكلين” كانت تتقاضى أسعاراً مشابهة للأسعار المرفوضة، اي نحو 150 دولاراً للطن الواحد. على إثرها خرجت المظاهرات إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح منددة بأزمة النفايات ومطالبة بإيجاد حل جذري لها.
خطة شهيب
طالب المتظاهرون باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق لأنه فشل في إدارة ملف النفايات، فقدم المشنوق استقالته من اللجنة الوزارية المكلفة ايجاد حل لازمة النفايات، عندها أوكل رئيس الحكومة تمام سلام، إدارة الملف إلى وزير الزراعة أكرم شهيب، وتم تشكيل “لجنة خبراء” بهدف إيجاد حل للأزمة. وقد خلُصت اللجنة الى وضع خطة عرفت بإسم “خطة شهيب”، وتضمن مرحلتين، الأولى إنتقالية ومدتها 18 شهراً، يتم خلالها إعادة فتح مطمر الناعمة لمدة سبعة أيام لإزالة النفايات المتراكمة في الطرقات والمكبات، وإستحداث مطمرين آخرين تنقل إليهما النفايات بالتزامن مع إعادة فتح مطمر الناعمة، وهما مطمر سرار في عكار والذي بدأ تجهيزه منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الخطة، ومطمر آخر في السلسلة الشرقية في البقاع على الحدود اللبنانية السورية وقد تعذر إيجاده، لأسباب سياسية وبيئية. أما المرحلة الثانية، فهي المرحلة المستدامة التي أدخلت الحكومة البلديات عبرها، في عملية الحل، من خلال إدارتها لنفاياتها بنفسها، بعد وعود بتحويل مستحقاتها من الصندوق البلدي المستقل وعائدات الخلوي. والخطة سرعان ما ووجهت بالرفض من قبل الجمعيات والهيئات المدنية والبيئية، نظراً لعدم جدية الدولة في تحويل الاموال، ولعدم وضعها خطة واضحة ومتكاملة لحل الأزمة.
بعد فشل خيار المطامر، أقر مجلس الوزراء خيار ترحيل النفايات الى الخارج في 21 كانون الأول الحالي، وهو خيار غير مرحب به نظراً لكلفته المرتفعة. وفي تفاصيل خطة الترحيل، تمت الموافقة على التعاقد مع شركة “هوا بي في” البريطانية وشركة “شيروك أربن مايننغ انترناشيونال” الهولندية، لتلزيمها تصدير النفايات، بكلفة 212 دولاراً مع عملية الكنس و191 دولاراً من دونها، وتحميل “الصندوق البلدي المستقل” نفقات التنظيفات، وتكليف مجلس الإنماء والإعمار متابعة التصدير، وفقاً للقوانين المحلية والدولية المعتمدة في معالجة النفايات.