بعد عام اتسم بتحطيم الأرقام القياسية في عقد الصفقات في العالم، هناك المزيد في الطريق.
تلك هي الرسالة من الأغلبية الساحقة من كبار مستشاري الشركات، حتى بعد أن حقق عام 2015 عمليات دمج واستحواذ بقيمة 4.59 تريليون دولار، بما في ذلك أربعة صفقات بين أكبر عشرين صفقة على الإطلاق – ورقم قياسي لصفقات جديدة في خمسة قطاعات، بقيادة قطاع الرعاية الصحية.
يقول المصرفيون والمحامون، المليئون بالثقة، إن الظروف لعقد المزيد من الصفقات – مثل توافر القروض الرخيصة والثقة المتزايدة في مجالس إدارة الشركات – لا تزال قائمة.
تستمر الصفقات بتوفير الوسائل للشركات الكبيرة لاكتساب الحصة السوقية، أو التغلب على عدم القدرة على زيادة الإيرادات عضويا. يقول روبن رانكين، الرئيس المشارك لعمليات الدمج والاستحواذ العالمية في بنك كريدي سويس: “طالما البيئة الاقتصادية لن تتغير بشكل عجيب، سوف نستمر برؤية الكثير من الصفقات”.
هذه البيئة المستقرة نسبيا قد تفسر السبب في أن أكثر من نصف نشاط عمليات الدمج والاستحواذ هذا العام جاءت من 137 “صفقة ضخمة” غير مسبوقة – حددتها وكالة تومبسون رويترز بأنها صفقات بقيمة 5 مليارات دولار أو أكثر.
من بين أكبر هذه الصفقات كانت عمليات الدمج الضخمة بين شركتي صناعة الأدوية فايزر وأليرجان، وشركتي النفط الكبيرة رويال داتش شل وبي جي جروب.
مع ذلك، يقول مستشارو الشركات إنهم يرون القليل من علامات التحذير التي كانت تظهر قبل الذروة الماضية لنشاط عمليات الدمج والاستحواذ، في عام 2007، عندما عقدت صفقات بقيمة 4.13 تريليون دولار قبل وقوع الأزمة المالية العالمية.
كولم دونلون، رئيس عمليات الدمج والاستحواذ لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في بنك مورجان ستانلي، يقول إن هناك اختلافا واحدا، وهو أن الذروة السابقة كانت مدفوعة من نسبة كبيرة من الصفقات من أوروبا. هذا العام، أسهمت الصفقات الأوروبية بنسبة 19 في المائة فقط من النشاط الكلي، مقارنة بـ 38 في المائة في عام 2007.
يجادل دونلون بقوله: “الدورة العالمية ستبقى عاملة لمدة أطول لأنها لم تلتقط بعد أي انتعاش ملموس في أوروبا”.
ويعتقد أن العام المقبل قد ينطوي على المزيد من الشركات من أمريكا الشمالية وآسيا التي ستسعى للاستفادة من اليورو الضعيف لعقد الصفقات في المنطقة.
هناك اختلاف آخر منذ الذروة الماضية، وهو التوفير الأكبر للتمويل الرخيص والوضع الصحي الأكبر للميزانيات العمومية للشركات. في عام 2007، بلغ العائد على سندات الخزانة الأمريكية القياسية لأجل 10 أعوام 4.6 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة اليوم. وحتى بعد المستويات القياسية لعمليات إعادة شراء الأسهم في هذه الدورة، لا تزال الشركات في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تحتفظ بأكثر من 1.8 تريليون دولار من النقود، مقارنة بـ 0.8 تريليون في ذلك الحين. وتشير كلتا الحقيقتين إلى أن هناك دافعا كبيرا بالنسبة للشركات لمتابعة الصفقات.
كما تستخدم الشركات أيضا على نحو متزايد حقوق ملكيتها الخاصة للدفع مقابل الصفقات. هذا العام، 47 في المائة من جميع نشاط عمليات الاستحواذ تم تمويلها جزئيا على الأقل من خلال الأسهم، مقارنة بـ 21 في المائة في عام 2007. ومن الأمثلة على ذلك، عملية استحواذ شركة صناعة التوابل هاينز مقابل النقود والأسهم على مجموعة المواد الغذائية كرافت وعملية الدمج الأخيرة، مقابل الأسهم فقط بين شركتي صناعة المواد الكيميائية دوبونت وداو للمواد الكيميائية.
عملية طرح أسهم جزئية ساعدت أيضا تشارتر للاتصالات، وهي مجموعة الكيبل الأمريكية المدعومة من جون مالون، على إنهاء صفقة لشراء تايم وارنر كيبل.
جيلبرتو بوزي، رئيس مجلس الإدارة المشارك لعمليات الدمج والاستحواذ في بنك جولدمان ساكس، يقول إن هذا دليل على أنه يتم مشاركة المخاطر والجانب الإيجابي بشكل متساو أكثر من قبل كلا المجموعتين من المساهمين هذه الأيام.
ويقول: “في الدورة الأخيرة، المساهمون في الشركة المشترية كانوا يأخذون الجانب الإيجابي والجانب السلبي لأن الصفقات كان يتم تمويلها في الأغلب من خلال الديون. الآن، يحاول الرؤساء التنفيذيون موازنة تخصيص المخاطر وخلق القيمة. لهذا السبب نرى المزيد من عمليات الاندماج بين طرفين متكافئين والمزيد من أجزاء الصفقة تتم مقابل الأسهم”.
مع ذلك، صفقات استحواذ الملكية الخاصة ضعفت. أسواق السندات ذات العوائد المرتفعة المتقلبة، والتدقيق التنظيمي الإضافي على مستويات الرفع المالي، وأسواق الأسهم المرتفعة، كل هذا يعني أنه تم عقد صفقات ملكية خاصة بقيمة تبلغ 300 مليار دولار فقط هذا العام – نصف مستوى عام 2007. هذا قد يتغير في العام المقبل، لكن ليس بشكل كبير، وذلك وفقا لستيف بارونوف، رئيس عمليات الدمج والاستحواذ العالمية في بنك أمريكا.
كينث جيكوبز، الرئيس التنفيذي لبنك لازارد، يقول: “الدورة الماضية، نحو النهاية، كانت تميل نحو نشاط الرعاية المالية. عندما جفت بيئة التمويل وأصبحت التقييمات خصبة فوق الحد، انتهت”.
بعض مجموعات الاستحواذ طورت نهجها منذ ذلك الحين، وهي الآن تستخدم الشركات في القطاع العام لمتابعة استراتيجيات على غرار الملكية الخاصة. هذا كان واضحا في صفقات عام 2015 التي شملت شركة الاستثمار، 3G، بقيادة ثلاثة برازيليين أدخلوا قواعد صارمة لخفض التكاليف إلى الشركات الاستهلاكية الكبيرة، وشركة ألتيس الفرنسية، التي تسعى لقلب صناعة الاتصالات والكيبل من خلال نموذج الملكية الخاصة.
في حين أن صفقات التحويل إلى شركات خاصة قد تراجعت، إلا أن الصفقات التي يقودها النشطاء زادت – وعلى الأخص في الولايات المتحدة، حيث الغزاة في قطاع الشركات مثل كارل ايكان ودان لويب ونيلسون بيلز ووبيل أكمان استخدموا أموالهم للضغط من أجل عوائد مساهمين أفضل.
ضغط النشطاء أدى إلى عشرات المعارك في القطاع العام وحتى أنه قاد بعض الشركات للبحث عن الصفقات – بما في ذلك إي إم سي، مجموعة تخزين البيانات. حيث وافقت على أن يتم استحواذها من قبل شركة ديل بعد المطالب المستمرة من صندوق التحوط، إليوت مانيجمينت، بأن تفكك نفسها.
سكوت بارشاي، الشريك في شركة كرافاث وسوين ومور، يقول: “نشاط صناديق التحوط الناشط كان بمنزلة عامل غير قواعد اللعبة. أي شركة بقيمة سوقية تبلغ 20 مليار دولار كانت آمنة تماما من النشطاء في عام 2007، بينما في عام 2015، لا توجد شركة كبيرة بحجم يجعل النشطاء يحجمون عن مهاجمتها.” على الرغم من الاختلافات الظاهرة بين هذا العام وذروة عمليات الدمج والاستحواذ الماضية، إلا أن بعض المستشارين يرون أسبابا للحذر في عام 2016.
القواعد التي تحكم قدرة الشركات الأمريكية على إجراء عمليات دمج عبر الحدود ومن ثم تغيير مقرها الرئيسي هربا من السلطات الضريبية الأمريكية تم تشديدها للمرة الثانية خلال عام واحد فقط. عمليات تحويل القاعدة الضريبية المذكورة كانت الدافع الرئيسي لعمليات الاستحواذ في عام 2015.
كما يبدو أن هيئات تنظيم المنافسة جاهزة للعب دور أكبر في تحديد ما إذا كان بالإمكان المضي قدما بعمليات الدمج. هذا العام، طعنت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية في عملية الاستحواذ المقترحة البالغة 6.3 مليار دولار لشركة ستيبلز على الشركة المنافسة لتزويد معدات المكاتب، أوفيس ديبو. في الوقت نفسه، صفقة هاليبورتون في عام 2014 لشراء مجموعة الخدمات النفطية المنافسة، بيكر هيوز، لا تزال معلقة.
روبرت ليتاو، رئيس الاستشارات المالية العالمية في شركة روتشيلد، يقول: “الأساسات التي قام عليها نشاط عمليات الدمج والاستحواذ هذا العام قد لا تكون مستدامة، لذلك ليس من الواضح بالنسبة لي أن الأمور ستستمر بهذا المعدل. قد نكون وصلنا إلى الذورة بالنسبة للنشاط، خاصة في أوروبا حيث لا تزال هناك تحديات”.