Site icon IMLebanon

ضاهر في كتاب «الموازنة»: فك «الشيفرة»


أحمد زين

«الموازنة العامة بين الإعداد والمراقبة» كتاب جديد لأمين عام مجلس النواب عدنان ضاهر يُضاف إلى سلسلة إصداراته عن موازنة الدولة.
قبل أن تقرأ الكتاب يفاجئك مَن كان بالموازنات خبيراً رئيس الوزراء المصري السابق أستاذ الاقتصاد في جامعة عين شمس د. علي لطفي بتقديمه: «اكتشفت بعد قراءته أنني أمام كتاب هو من أحسن ما قرأت عن موضوع الموازنة».
أدرك ضاهر في كتابه الجديد ماهية الموازنة وارتباطها الوثيق بسياسات الدولة في شتى المجالات، فقرّر فك «شيفرتها»، مستعيناً بتاريخ ولادتها وكيفية نشوئها في رحم المجالس النيابية وارتباطها بالسلطة التشريعية، معتمداً لغة مبسّطة سلسة أقرب ما تكون إلى الروائية، ما يجعل القارئ يفتش في الصفحات عن المصطلح والرقم والعدد والمادة بعد أن كان يقلب الصفحات كلما لاح له واحد من هذه أو تلك.
وبهذا استطاع ضاهر فك احتكار ما يتعلق بموازنة الدولة من قبل «الخاصة»، ليشرّع بذلك أبوابها لرقابة «العامة»، وبذلك يكون قد استحدث «حِراكاً» جديداً يختلف عن «الحراكات» الأخرى الشائعة اليوم.
يأتي كتاب «الموازنة بين الإعداد والمراقبة» بعد سلسلة إصدارات لضاهر عن الموازنة ومنها «قوانين الموازنة في الذاكرة 1920 ـ 1998» و«الموازنة العامة بين الدستور والواقع ـ عشرون جزءاً من الحجم الكبير» و«فذلكة الموازنة العامة ـ سبعة أجزاء»، فهل كل هذه الإصدارات وغيرها لم تكن كافية ليجد ضاهر حيّزاً يملأ فراغه بكتابه الجديد؟
إن قراءة إصدارات ضاهر السابقة كانت بحاجة للتسلّح بإدراك القارئ لنشأة الموازنة والأهداف المهمة التي توخّتها لضبط مالية الدولة وسياساتها المالية، وهذا ما أقدم عليه ضاهر في كتابه الجديد ولذلك يقتضي القول إن كتاب «الموازنة بين الإعداد والمراقبة» كان يمكن أن يكون أول إصدارات المؤلف الموازناتية.
من أين جاء ضاهر بهذا العشق للموازنة؟
منذ أن أنهى الأمين العام الحالي لمجلس النواب دراسته الجامعية في الحقوق، انتقل إلى وزارة المـــال كواحد من الفريـــق المكلّف إعداد الموازنة العامة للدولة واستمرّ في ذلك ما يقارب 25 سنة على التـــوالي قبل أن ينتقل إلى مجـــلس النواب سنة 1988 كمراقب لعقد النفـــقات بطلب من رئيسه. وبهذا، بقي مخلصاً للحبيب الأول في الموقعين.
وهنا يمكن أن يقع القارئ في «سوء الظن»، فعدنان ضاهر وإن كان قد قضى ما يقارب ربع قرن في وزارة المال إلا أنه منذ أكثر من ربع قرن أيضاً يعمل في مجلس النواب وما زال واللبنانيون، وهو منهـــم، يؤمنون بالمثل القائل «مَن يأكل من خــبز السلطان يضرب بســيفه» والمجلس هو المؤسسة التشريعية المنوط بها المــساهمة الكبرى في الرقـــابة على الموازنة إعداداً ونفقات وجبايات وغير ذلك من أمور. فهل يمـــكن أن يكون أميناً لعشق صباه وأميناً على امتشاق «حد السيف» في آن معاً؟
يقول ضاهر «إن البلاغة الخطابية وقوة البيان تتجلّى بأعلى مظاهرها في المجالس النيابية فهناك يمرّن الخطباء سجيتهم ويتنافسون في استهواء السامعين بالبيان الساحر وعندما يكون غالب النواب محرومين من العلم المتين والعقيدة الراسخة لا يصعب على الخطيب المصقع أن يستدرجهم إلى مؤازرته ويأخذهم بقوة الحجة وعذوبة البرهان وما دام النواب غير مؤاخذين على اجتهادهم ولا مسؤولين تجاه أحد لا يحاذرون كثيراً في إجازة الإنفاق إرضاء لطالبيه وفي تحقيق الضرائب تلبية لرغبة المكلفين من دون مبالاة بالتوازن بين النفقات والإيرادات». عندما يقع القارئ على مثل هذا القول للأمين العام لمجلس النواب في كتابه لا يؤنّبه ضمير بسوء ظنه، إنما يرتاح لأنه أثبت حسن الفطن بشهادة الكتاب.
من زمان، كانت القصيدة تكشف العاشقين. وعدنان ضاهر كشف عشقه نثراً ونحن نتمنّى له أن يمتدّ هذا الوله إلى ما هو أبعد من الموازنة وننصحه إن استجاب للنصيحة أن لا يشيب كما في صفحات الكتاب التي تخطّت الـ 600 فهل يقبل النصيحة ويهرب.. من درب الأعمار.. كما تقول فيروز؟