كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
لم يعد النزاع في سوريا والمنطقة مقتصراً على القوى المحلية، إذ إنّ معظم دول العالم غرق في «المستنقع» تحت مسميات عدّة، ما يطرح علامات إستفهام عن مستقبل لبنان وسط كلّ هذه التغيّرات، ودور المسيحيين كأقلية شرق أوسطية تحاول الحفاظ على دورها ووجودها.بعد إتمام تسوية الزبداني- الفوعة- كفريا، عاد الحديث عن مستقبل المنطقة والدول العربية وفرز الأقليات والأكثريات ورسمها مجدَّداً على أساس عرقي ومذهبي وطائفي.
وفي هذا الإطار، يحاول السنّة بقيادة الخليج تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، فيما يواصل الشيعة قتالهم في سوريا بدعم إيراني لبقاء النظام العلوي، في وقت يسعى الدروز للحفاظ على حيثيّتهم في السويداء ودورهم التاريخي في لبنان، ويرسم الأكراد حدود دويلتهم التي طالما حلموا بها.
ووسط كلّ هذا الخلط والفرز والتجميع في المنطقة، يعود الى الواجهة الحديث عن مستقبل لبنان، هذا البلد الذي نشأ ليكون للموارنة والمسيحيين كيان يحفظهم في الشرق الأوسط بعدما تراجع حضورهم في العراق وسوريا وفلسطين ومعظم بلدان الشرق الأوسط.
تحدّيات كثيرة تنتظر موارنة لبنان سنة 2016، وإذا كان 2 حزيران الماضي تاريخاً مفصلياً في الصراع المسيحي- المسيحي، حيث سجّل توقيع «إعلان النوايا» بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» وطيّ نحو 27 عاماً من التقاتل الأخوي داخل البيت المسيحي المزعزع، فإنّ عام 2015 يقفل على تباين بين هاتين القوّتين المسيحيتين والبطريركية المارونية بعد المبادرة الرئاسية التي طرحها الرئيس سعد الحريري، فتوحّدت «القوات» و«التيار» لمواجهتها، فيما دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى التعامل معها بجدّية، لكنه لم ينجح في جمع الأقطاب الموارنة في بكركي مجدّداً للبحث في الملفّ الرئاسي.
قد يكون هذا التباين الأخير قابلاً للحلّ خصوصاً بعد تمييز البطريرك الراعي بين المبادرة والإسم، خصوصاً أنّ الساحة المسيحية شهدت نوعاً من الحلف الثلاثي بين «التيار الوطني الحرّ» و«القوات» والكتائب اللبنانية على خلفية إمكان إنعقاد الجلسة التشريعية في 12 تشرين الثاني الماضي في غياب المكوّنات المسيحية ومن دون وضع قانونَي الإنتخاب وإستعادة الجنسية على جدول أعمالها، قبل أن تأتي مبادرة الرئيس سعد الحريري وتنقذ الموقف، فيقرّ قانون استعادة الجنسية ويرحّل قانون الإنتخاب الى اللجان، ليُعاد ويُكرَّس هذا الحلف بعد إعلان ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، ما أحدث هزّة على الساحة المسيحية واللبنانية.
تقفل سنة 2015 على استمرار الفراغ الرئاسي وعدم قدرة الموارنة على الإتفاق على شخص مقبول للرئاسة، ويبدو أنّ السيناريو سيتكرّر بالنسبة الى قانون الانتخاب الذي سيجمع المسيحيين مرة جديدة، خصوصاً «التيار» و«القوات» والكتائب الذين يرفضون قانون الستين ويطالبون بقانون يؤمّن صحّة التمثيل وعدالته، خصوصاً أنّ «التيار الوطني الحرّ» كان قد تظاهر بدءاً من حزيران الماضي تحت عنوان إستعادة الشراكة ودور المسيحيين في الحكم.
لا يمكن للمسيحيين أن يجلدوا ذاتهم لأنّ أحداث المنطقة أقوى منهم، لكنّ هناك مسؤولية تقع على عاتق زعمائهم، وعلى بطريركيّتهم التي يجب بعد سنة وسبعة أشهر على الفراغ الرئاسي أن تُسمّي الأمور بأسمائها، وتُحدّد مكامن الخلل، لا أن تكتفي بالكلام في العموميات. ومن جهة ثانية على القادة الموارنة أن يتّفقوا، لأنْ لا شيء يمنع اتفاقهم طالما أنّ الداخل والخارج يدعيانهم الى ذلك، والمسيحيون يتوقون الى وحدتهم الحقيقية التي تنتج حلولاً.
وفي غمرة كلّ هذه الأحداث، ومع إستمرار تهجير السريان والكلدان والآشوريين والأقليات المسيحية الأخرى من بلدانها وعدم القدرة على القضاء على «داعش» والتطرّف حتى الساعة، هناك سؤال أكبر يُطرح: هل سيستطيع الموارنة والمسيحيون المحافظة على دورهم في التركيبة الشرق أوسطية الجديدة، وهل يبقى دورهم داخل وطن الأرز كما كان، وهل سيحتفظون بالمناصب القيادية الأساسية في الدولة وفي مقدّمها رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكم مصرف لبنان، أو أنهم سيفقدون المنصب تلوَ الآخر ومعه الدور؟ وأين هم من رسم خريطة المنطقة وفي مخططات الكبار؟
أسئلة مسيحية برسم الـ 2016.