موريس متى
ساعات قليلة وتسدل الستارة على سنة 2015، ويطوى بذلك اكثر من عامل مفصلي على الصعيد الاقتصادي والمالي في لبنان. فقد شهدت هذه السنة مزيداً من التدهور في معظم المؤشرات الاقتصادية والمالية، فتحمّل لبنان تحديات وصعاباً تفوق قدراته وخرج منها وهو على شفير الانهيار والتعثّر، متأثراً بالازمة السياسية والشلل الحكومي والتشريعي وتداعيات الحرب السورية التي انعكست سلباً على المؤشرات الاقتصادية والمالية.
لا بد في ختام هذه السنة من قراءة مفصلة في أرقام تصوّر المرحلة الخطيرة التي آلت اليها الامور، وتبيّن كيف سيستقبل الاقتصاد اللبناني سنة 2016.
المالية العامة:
رغم كل التوقعات شبه المتفائلة التي كانت معقودة على نمو قد يراوح بين 1 و 1.5% في 2015، بات شبه مؤكد أنها انتهت على نمو لم يتخط الـ 1% بأقصى تقدير، مع نسبة تضخّم تقارب صفراً في المئة. ولكن، لا يمكن الحديث فعلياً عن نمو يتخطى 0.3% نتيجة الشلل الذي ضرب معظم القطاعات، لتكون هذه النسبة هي الادنى منذ توقيع إتفاق الطائف عام 1989. وفي نظرة سريعة على بعض الارقام المتعلقة بوضع المالية العامة في نهاية 2015 يمكن استنتاج الآتي: (تم الاستناد الى عدد من المصادر للحصول على هذه الارقام، ومنها وزارة المال، جمعية المصارف، مصرف لبنان، مراكز الدراسات في المصارف ووزارة الاقتصاد)
النمو الاقتصادي: ما بين 0.3% و 1% حداً اقصى، مقارنة بنمو يناهز 1.5% عام 2014.
الناتج المحلي الاجمالي: نحو 50 مليار دولار.
الدين العام: وصل في نهاية 2015 الى 69.6 مليار دولار مقارنة بـ 66.6 ملياراً في نهاية 2014.
نسبة الدين للناتج المحلي: 145% تقريباً.
العجز في الموازنة: نحو 3.5 مليارات دولار في نهاية 2015.
فائض الميزان الاولي: 850 مليون دولار تقريباً.
الايرادات: نحو 9.6 مليارات دولار، بإنخفاض 8.6% مقارنة بـ 2014.
النفقات: نحو 14 مليار دولار في نهاية 2015 بتراجع 3% عن 2014.
تأثر الاقتصاد اللبناني مباشرة بالتطورات السياسية والامنية التي شهدها لبنان والمنطقة، لا سيما الحرب السورية التي ضربت بلاجئيها مكوّنات هذا الاقتصاد، اذ بلغت كلفة لبنان منذ بداية الحرب أكثر من 15 مليار دولار واستضاف نحو 1.5 مليون لاجئ سوري وفق وزارة المال، في غياب واضح للدعم الدولي. واضافة الى ما حملته من تداعيات على وضع المالية العامة، أدت هذه الازمة الى رفع نسبة البطالة في لبنان الى نحو 25%، ووصلت الى 37% بين الشباب، نتيجة منافسة اليد العاملة السورية لليد العاملة اللبنانية. كذلك ادى هذا الوضع الى تردي الاوضاع الاقتصادية وزيادة عدد الفقراء في لبنان حتى بلغ عددهم الاجمالي في نهاية 2015 نحو مليون و700 الف شخص.
تصنيف لبنان الضعيف
حافظت وكالة التصنيف الدولية “فيتش” على نظرتها المستقبلية السلبية وتصنيفها الإئتماني الطويل الأمد بالعملة الوطنية والعملات الأجنبية للبنان على مستوى B، كذلك حافظت الوكالة على كل من تصنيف سندات الدين غير المضمونة والمعنونة بالليرة اللبنانية وبالعملات الاجنبية، والتصنيف الائتماني القصير الأمد بالعملات الاجنبية، والسقف السيادي عند المستوى B ايضاً. وأشارت الى ان تصنيفها الائتماني للبنان يعكس التداعيات السياسية للحرب في سوريا، بالاضافة الى الضعف في المالية العامة والاداء الاقتصادي. وتتوقع الوكالة ان يشكل الدين الحكومي في لبنان 131% من الناتج المحلي الاجمالي في 2015، مشيرة الى ان كلفة الدين تشكل نحو 40% من الايرادات الحكومية، ما يضع لبنان في المرتبة الرابعة عالمياً حيال أعلى نسبة دين من الناتج المحلي الاجمالي بين البلدان التي تصنّفها الوكالة.
القطاع الخارجي
سجل ميزان المدفوعات عجزاً يناهز الـ 2.2 ملياري دولار أي بزيادة تصل الى نحو 150% مقارنة بعام 2014. إرتفع هذا العجز نتيجة العجز في ميزان العمليات التجارية، اذ تراجعت الصادرات بنحو 11% مقارنة بعام 2014 ووصلت قيمتها الى 3.3 مليارات فيما تراجعت الواردات بنحو 16% وسجلت 19.7 مليار دولار. كذلك تراجعت تدفقات الرساميل الى الداخل اللبناني بنحو 30% مقارنة بالعام السابق، ووصل حجمها الى نحو 13.3 مليار دولار، منها 7.5 مليارات دولار تقريباً للتحويلات الخارجية، التي ارتفعت بـ700 مليون دولار مقارنة بـ 2014. وفي غياب أي أرقام دقيقة عن تدفق الاستثمارات الاجنبية خلال 2015 الى لبنان، قد تكون تراجعت قليلاً مقارنة بالمستوى المسجل عام 2014 عند 3.07 مليارات دولار (البنك الدولي)، نتيجة الازمة المستمرة وغياب الاستقرار المحفّز للإستثمار.
المصارف لا تزال قوية
لا شك ان القطاع المصرفي في لبنان سليم رغم كل الظروف الصعبة التي يمر فيها، ونسبة الملاءة في المصارف اللبنانية تبعاً لمعايير “بازل 3” تخطت الـ 12% في 2015، في وقت يسعى فيه مصرف لبنان لرفعها الى 15% في السنة المقبلة. ووفق مصرف لبنان، إرتفعت الموجودات الاجمالية في المصارف الى نحو 182 مليار دولار تقريباً، وهي تضم الودائع والاموال الخاصة. ونمت الودائع ما بين 5% و 6% وقاربت الـ 150 مليار دولار تقريبا، مقارنة بـ 148 ملياراً في 2014 و140 ملياراً في 2013، ما يؤكد أن الثقة بالقطاع المصرفي ما زالت متينة. وتشير الارقام الى نمو معتدل في قطاع التسليف بلغ 4 % تقريباً مقارنة بسنة 2014، مما يدل على ضعف الاقتصاد. وفي سياق غير بعيد، تراجعت معدلات الفائدة في 2015 مقارنة بعام 2014، رغم أن تصنيف لبنان بقي (-B) مع توقعات “سلبية”. علماً أن المصارف اللبنانية تمكنت مرة جديدة من تمويل حاجات الحكومة من خلال الاصدارات، وأهمها الاصدار الذي حصل في منتصف شباط الماضي.
واستمر مصرف لبنان في الـ 2015 باطلاق مشاريع تتعلق بتوفير قروض مدعومة للقطاعات الانتاجية بفوائد منخفضة، من خلال دعم الدولة لفرق الفائدة أو عبر الإعفاءات من الاحتياطي الإلزامي، شرط استعمال هذا الاحتياطي لغايات محددة، أي لقروض تتعلق بالسكن وبتمويل المؤسسات الصغيرةـ وتمويل التحصيل الجامعي، ومشاريع البيئة والطاقة البديلة. كذلك استخدم المصرف المركزي قدراته وهندساته المالية لتدعيم اقتصاد المعرفة، علماً ان نمو القطاع الرقمي الذي سجل هذه السنة بلغ 20% تقريبا، وهو يوظف نحو 7000 لبناني في 300 شركة، بين ناشئة وكبيرة. كذلك أطلق هيئة الأسواق المالية، ويتحضر لإطلاق منصة إلكترونية في الاشهر المقبلة لتكون مخصصة للتدوال الشفاف والمراقب للأوراق المالية اللبنانية، ومنها الأوراق المتعلقة بالمؤسسات الصغيرة أو المؤسسات التجارية أوسندات الدين التجارية والحكومية.
وفي خطوة ساعدت في دعم القطاعات بشكل كبير، أطلق مصرف لبنان خطة تحفيزية بقيمة مليار دولار خلال 2015، فيما أعلن الحاكم رياض سلامة عن نيّة المركزي إطلاق رزمة تحفيز جديدة لسنة 2016 بقيمة لا تقل عن 1.5 مليار دولار. إذ من المقرر أن يمدّ المركزي المصارف التجارية بخطوط ائتمان ذات فائدة نسبتها 1% لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والمشاريع الناشئة، والبيئيّة، والمتعلقة بالطاقة المتجددة واقتصاد المعرفة. كذلك أنشأ وحدة لحماية المستهلك، انحصرت مهمتها في التعاون مع المصارف لمعاملة العملاء بشكل منصف وعادل، وأصدر تعاميم عدة لتوسيع عمليات التسليف في القطاع الخاص وإعادة تنظيمها.
أهمية التشريع
أقر مجلس النواب في نهاية 2015، اربعة قوانين من شأنها ان توفر للقطاع المصرفي والمالي كل ما يلزم للحؤول دون إدراج اسم لبنان في لائحة سوداء أو تعرضه لعقوبات قد تسهم في تردي اوضاعه الاقتصادية والمالية. وهذه القوانين تتعلق بمكافحة تبييض الاموال، نقل الأموال عبر الحدود، قانون انضمام لبنان إلى الاتفاق الدولي لقمع تمويل الارهاب، وقانون تبادل المعلومات الضريبية لمنع التهرّب الضريبي والاحتيال الضريبي. وقد ساهمت عملية إقرار هذه المشاريع في ازالة المخاوف التي سادت القطاع المالي والمصرفي.
القطاعات الاقتصادية والانتاجية
عانت معظم القطاعات في لبنان من تداعيات ازمته الداخلية والاقليمية، وابرزها قطاعات التجارة والسياحة والعقارات. فقد تقلّصت حركة القطاع العقاري على مستوى عمليات البيع بنحو 20% وانخفض عدد تراخيص البناء بنحو 10%، مما ادى الى انكفاء ملحوظ في سوق العقارات عموماً. بدوره، شهد القطاع السياحي تراجعاً في نشاطه بنسبة تخطت الـ 40%، وإنخفض تالياً أداء القطاع التجاري بنسبة تراوح بين 20% و 25%.
ينتظر إقتصاد لبنان سنة 2016، آملاً في ان تكون بمثابة خشبة خلاص من كل ما يحاصره من مشكلات مزمنة وما يهدده من أزمات عالقة رغم أن التوقعات لا تزال ضبابية وغير واضحة، فيما تبقى الرهانات معلّقة على نجاح التسويات السياسية.