سامر الحسيني
ترسم مشاهد وصور ارتال الشاحنات والبرادات المركونة على جانبي الطريق الدولية في البقاع، وصولا الى منطقة الحدود اللبنانية ـ السورية في المصنع، الصورة الاكثر وضوحا للكارثة الاقتصادية التي لحقت بمنطقة البقاع، جراء اقفال معبر «النصيب» عند الحدود السورية ـ الاردنية في شهر آذار من العام 2015، على اثر الاحداث السورية وسيطرة الجماعات السورية المسلحة على هذا المنفذ البري الاساسي لمجمل حركتي الاستيراد والتصدير البرية في لبنان، باتجاه العالم العربي وبالعكس.
لن يتحسر اغلب العاملين في القطاعين الزراعي والصناعي على يوميات العام 2015، اذ ان هذه اليوميات لم تحمل الا النكبات والنكسات والكوارث، وهي توصيفات يتناقلها مختلف العاملين في المجال الاقتصادي، خصوصا في القطاع الزراعي، الذي كان اكثر المتضررين، باستثناء قطاع النقل المبرد والبري الذي اصيب بالجمود التام.
ثمن اقفال معبر «نصيب»
دفع اقتصاد البقاع الثمن الاكبر نتيجة تداعيات وترددات الاحداث السورية، وتصدرت كارثة إقفال معبر «النصيب»، وما رافقها من احتراق عدد من شاحنات التصدير اللبنانية، ونهب محتوياتها، اضافة الى خطف بعض السائقين لفترات من الزمن، والافراج عنهم بفدية مالية، القائمة الاولى في اسوأ عام زراعي شهده المزارعون، الذين لا يزالون يشكون، حتى اليوم، من نتائج هذه التداعيات المستمرة بفعل استمرار إقفال معبر «نصيب» جراء سيطرة المجموعات المسلحة على هذا المعبر، الذي يشكل الرئة الاقتصادية ليس فقط للبقاع وقطاعاته الاقتصادية، انما لكل لبنان، وان كان اعتماد البقاعيين على هذا الخط البري، يعتبر من الاساسيات في حياتهم الاقتصادية. في العام 2015 عاد المزارعون الى احتجاجاتهم على الطرق، ورموا محاصيلهم التي كانت تتلف في مستودعاتهم، فسجلت تحركات تصعيدية واحتجاجية عدة على مختلف الطرق الدولية، ومنها شتورا والمصنع، الا ان هذه الاحتجاجات لم تؤد الى تغيير واقع عامهم المأساوي جراء شلل المؤسسات الرسمية اللبنانية.
انهيار أسعار الخضار
ادى إقفال معبر «النصيب» الى انهيار اسعار الخضار والفاكهة اللبنانية، التي اصيبت منها اطنان بالتلف في البرادات والمستودعات، ولم يعالج النقل البحري ازمة التصدير اللبنانية. يشير عشرات المزارعين الى الكثير من العقبات التي لا تزال تواجه النقل البحري، بدءا من كلفته العالية وصولا الى الفترة الزمنية الطويلة التي يتطلبها مسار هذا النقل، وهذا ما يلاحظه نزيه بقاعي، الذي يملك مؤسسة تعنى بالشأن الزراعي.
قد يكون بقاعي غير مبالغ، حين يؤكد على توصيف «النكسة» لما عايشه القطاع الزراعي طوال العام 2015، ويسرد جملة من الازمات الزراعية التي بدأت بنكبة إقفال معبر نصيب، ثم العوامل الطبيعية المتقلبة من صقيع الى حر ولهيب، وصولا الى عاصفة الغبار التي اضرت بكروم العنب وشتول البطاطا والكثير من الحشائش والخضار .
مع بداية انعدم التصدير الزراعي البري، انهارت اسعار الموز والحمضيات، وكل اصناف الفاكهة من الدراق والمشمش والفريز، ولم تجد هذه الاصناف، التي اعتاد المزارعون تصديرها الى الدول العربية، سوى عربات الخضار على الطرق، من اجل تصريف ما امكن منها مقابل اسعار متدنية لم ترد كلفتها في اكثر الاحيان .
لا يجد بقاعي مسألة التصدير البحري، كما هو واقعها اليوم، حلا سليما، فالسنة الاولى على هذا التصدير لم تكن ايجابية، ويدلل على سلبياتها بالحديث عن تلف اطنان من البطاطا والخضار والفاكهة، جراء تأخر وصولها الى الاسواق العربية، واستغراق بعض الحاويات شهرا كاملا من اجل الوصول الى السوق الاستهلاكي.
من الحلول المطلوبة لمواجهة تداعيات إقفال خط التصدير البري، يطرح بقاعي سلسلة من الاجراءات الرسمية اللبنانية، وفي مقدمها العمل على تخفيض اكلاف التصدير البحري والجوي وتفعيلهما، وخصوصا الخط الجوي الذي يساعد على تصريف كميات كبيرة من الحشائش والخضار، ويسرع ايصالها الى الاسواق العربية في ساعات بدلا من اسابيع، وهذا الامر يساعد ايضا على استعادة الاسواق العربية التي خسرناها في العام 2015، لمصلحة الهند وباكستان والصين، مع اتخاذ قرار بالدعم المطلوب بشكل اكبر، وتخفيض اكلاف التصدير البحري والجوي .
الكارثة الزراعية دونتها نتائجها ايضا، ارقام الصادرات الزراعية والصناعية الصادرة عن «غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع»، والتي سجلت تراجعا في الصادرات الزراعية بنسبة 30 في المئة قياسا الى ارقام السنة الماضية .
يؤكد التقرير السنوي لـ «غرفة التجارة في زحلة» اهمية معبر «نصيب» للقطاع الزراعي، فهو يستقطب سنويا 85 في المئة من حركة التصدير الزراعي اللبنانية، بما يعادل اكثر من 250 الف طن من مختلف الانتاج الزراعي، عوضا عن حجم الاستيراد الزراعي، كما ان هذا المعبر هو الطريق الاساسي لكل قوافل المواد الاولية، التي تدخل في الصناعة اللبنانية عموما والبقاعية خصوصا والقادمة من الدول العربية او من تركيا .
لم تقتصر تداعيات إقفال معبر «نصيب» على القطاع الزراعي، فإقفاله تسبب ايضا بشل الحركة في اكثر من 100 مكتب للتخليص الجمركي، اضافة الى وقف العمل في العشرات من المؤسسات الزراعية، من مشاغل التوضيب الى مراكز بيع الاسمدة والمستلزمات الزراعية التي يشكو اصحابها من الحجم الكبير للشيكات المصرفية المرتجعة، مما يعكس نتائج تراجع التصدير والكساد الحالي، وهذا الكلام يؤكده نزيه بقاعي الذي يشير الى تكاثر حالات الافلاس عند المزارعين الذين يعجزون اليوم عن سداد ديونهم الى التجار.
حتى القطاع الصناعي كانت له ارقامه السلبية وتراجعت صادراته، خصوصا الصناعات الغذائية، التي اعتادت على التصدير عبر الطريق البرية، وتؤكد ارقام غرفة زحلة تراجعا في الصادرات الصناعية يصل الى حدود 25 في المئة.
الإهمال الرسمي
لم تقف نكسات العام 2015 عند حدود الاحداث السورية او الكوارث الطبعية، الا ان الاهمال الرسمي والتخبط الحالي في عمل الحكومة، تسببا بصياغة اسطر طويلة في كتاب مآسي المزارعين، وخصوصا مزارعي القمح، الذين لا يزالون ينتظرون المعنيين في الدولة شراء موسم قمح العام الماضي، لا سيما بعد ان باشروا بزراعة الموسم الجديد. ويضاف الى الاهمال الرسمي الاستمرار في تأخير دفع الرديات المالية العائدة للمزارعــين والمصدرين من مؤسسة «ايدال»، وهذا الامر يؤدي الى مزيد من التقهقر الزراعي في سنة لا مثيل لها في مأسيها ونكباتها.