كتبت ريتا صفير في صحيفة “النهار”:
فيما يستقبل لبنان سنة جديدة بفراغ مستمر على مستوى الرئاسة، زاد منه نعي “حزب الله” المسعى الرامي الى الاتفاق على انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، تنقضي السنة الجارية على انقسام متواصل بين القوى السياسية حيال الملفات الساخنة. لعل آخرها المواقف المتباينة من صفقة تبادل النظام السوري والمعارضة المقاتلين والجرحى من الزبداني وقريتي الفوعة وكفريا عبر لبنان وتركيا.
ووقت ظهرت السلطات اللبنانية مجددا في موقع “المتفرج” ازاء تحول الطريق من المصنع الى مطار رفيق الحريري الدولي “ممرا آمنا” للجرحى والمقاتلين، شكلت “صفقة التبادل”، بوجهيها السني والشيعي، انتهاكا آخر لمبدأ الحياد اللبناني وفقا لمصادر ديبلوماسية غربية، التي تنتقد “الانتقائية” المستمرة لدى السلطات اللبنانية في هذا الصدد. انتقائية، تجسدت، بتعبيرها، في” نأي هذه السلطات بنفسها حيث تقضي السيادة الوطنية بالتدخل، وتتدخل حيث تقضي المصلحة الوطنية بالنأي بالنفس” وذلك في اشارة الى انخراط “حزب الله” في المعارك وراء الحدود.
في اي حال، وعطفا على “الارتدادات” الداخلية للموضوع، تدرج المصادر الديبلوماسية الغربية “صفقة الزبداني – الفوعة” في اطار مجموعة عوامل تواكب التطورات العسكرية والسياسية الاخيرة في الميدان السوري، لعل ابرزها:
– ان الصفقات المتسارعة تعكس تطابقا في المصالح بين النظام السوري وكل من “داعش” و”جبهة النصرة”، وقت يبدو ان الهدف المشترك لهذه القوى يتمثل في امتلاك مجموعة “اوراق مؤثرة”، عشية توجه اللاعبين الاقليميين والدوليين الى الجلوس على طاولة المفاوضات في جنيف في 25 كانون الثاني االمقبل.
– ان صفقة تبادل المسلحين والجرحى عبر لبنان وتركيا تتزامن مع تعثر صفقة اخلاء احياء دمشق الجنوبية من مقاتلي “داعش” – وعددهم يقارب الالفين – ونقلهم الى الرقة، وذلك على خلفية اغتيال قائد “جيش الاسلام” زهران علوش.
– ان اتمام الصفقة يتواكب مع وصول عشرات العناصر من “جبهة النصرة” الى مناطق يسيطر عليها النظام السوري في درعا، بهدف توفير ممر آمن لعناصر الجبهة من ريف درعا الى محافظة ادلب الخاضعة لسيطرة المعارضة وذلك مقابل اطلاق اسرى ايرانيين جنوبا.
– في مراجعة للتطورات الاخيرة، تتوقف المصادر الديبلوماسية الغربية نفسها عند سعي النظام السوري الى تحقيق هدفين: الاول ويقضي في الشروع في مفاوضات سريعة لوقف العمليات القتالية في دمشق والمحيط وذلك بهدف ارساء وقف لاطلاق النار، قبيل مفاوضات جنيف، فضلا عن اظهار نفسه “وكأنه يتنفس وللمرة الاولى خارج “الرئة الايرانية” وبانه قادر على مواصلة القتال. اما الهدف الثاني، فيتمثل في ترسيخ مقولة ان الاقسام المتبقية من سوريا شمالا وفي الجهة الشمالية الشرقية، تبقى خاضعة للمجموعات الارهابية. واستكمالا للمنطق نفسه، تطرح المصادر الديبلوماسية سلسلة تساؤلات، في مقدمها : هل يترافق اجتماع “جنيف 3” مع ترسيم غير رسمي لمناطق النفوذ في سوريا، بحيث يرتبط البحث في مصير الرئيس السوري السوري بشار الاسد بانهاء “داعش” شمالا وشرقا؟ وهل يشكل انتصار الجيش العراقي في الرمادي، مقدمة لانحسار تمدد “داعش” في المناطق السنية، غرب العراق، ويمثل تاليا قطعا لخطوط امداد التنظيم مع سوريا؟