IMLebanon

تنافسية العملات الخليجية تفوق قرارات رفع الفائدة

GulfCurrencies
محمد جميل الشبشيري

فورية استجابة معظم البنوك الخليجية لقرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي رفع سعر الفائدة في اتجاه معاكس للسياسة النقدية التوسعية والتحرك من معدل الفائدة الصفرية على الدولار الأميركي والتي استمرت لمدة عشر سنوات، تعكس مدى قوة ارتباط السياسة النقدية الخليجية بتحركات سعر الفائدة الأميركية، في ظل ربط دول مجلس التعاون الخليجي عملاتها بالدولار وفقا لنظام سعر الصرف الثابت، تمهيدا للتحول إلى العملة الخليجية المشتركة في ظل التكامل الاقتصادي، وعقب اتفاقية المثبت المشترك في مسقط عام 2002.

وقد استمرت كافة دول المجلس على هذا النحو حتى قررت الكويت يوم 20 مايو/أيار 2007 فك ارتباط الدينار بالدولار والعودة مرة أخرى إلى نظام سلة العملات في تحديد معدل الصرف، وعلى إثر ذلك تم تخفيض معدل صرف الدولار إلى نحو 0.289 دينار كويتي في ذاك العام، وهو ما يمثل ارتفاعا للدينار بنحو 0.37%.

ويمكن إرجاع تلك الخطوة إلى رغبة الكويت في الحفاظ على عملة قوية، ورغبتها في الحصول على نظام أكثر مرونة لصرف الدينار، واستمرار معدل التضخم آنذاك مرتفعا فوق المعدل المرغوب وهو 2%، والحيلولة دون ضغوط المضاربة على الدينار الكويتي. ومع هذا ما زال الدولار يستحوذ على النصيب الأكبر من سلة العملات غير المعلن عنها في الكويت.

قوة الدولار

ولا تنبغي المبالغة في أثر رفع الفوائد بنسبة تتراوح بين ربع إلى نصف نقطة مئوية، حيث إن الأثر المباشر يتمثل في ارتفاع الدولار بصورة أكبر ررغم أنه يواصل الارتفاع منذ يونيو/حزيران 2014، فقد ارتفع سعر الدولار بما يزيد على 15% مقابل العملات الرئيسية بالقيمة المرجحة بأوزان، وبالتالي فإن التأثير سيكون كبيرا في شكل مزيد من الارتباك والانخفاض في أسعار الصرف بالأسواق الناهضة، فضلا عن انخفاض أسعار السندات فيها، واستمرار انخفاض نموها أيضا.

وفي ظل ارتفاع قيمة الدولار تظل العملة الأميركية مصدر جذب للمستثمرين للحفاظ على ثرواتهم من ناحية، واستجابة للطلب على السيولة من الولايات المتحدة لتمويل عجزها المالي بمعدلات أعلى من السابق.

من ناحية أخرى تأثرت بعض العملات الخليجية بالارتفاع الكبير في قيمة الدولار، ووفقا لتقرير صندوق النقد الدولي فقد استنفذت المملكة العربية السعودية نحو سبعين مليار دولار خلال العام 2015 لتمويل الإنفاق العام والدفاع عن سعر صرف الريال السعودي، إذ بلغت احتياطياتها نحو 662 مليار دولار في نهاية هذا العام، كما انخفض سعر صرف الدينار الكويتي بنسبة 8% منذ منتصف العام 2014 وحتى الآن، واستقرت بقية العملات أمام الدولار بحيث تذبذبت بين الارتفاع والانخفاض بنسبة لا تزيد عن 1%.

ولا يمكن القول إن الدول الخليجية ستتوقف عن الربط مع الدولار، حيث إن صادراتها النفطية مقومة بالعملة الأميركية، ومن ثم فإن ارتفاع الدولار يمكن أن يعوض جزءا ولو يسيرا من الانخفاض في أسعار النفط الذي بات يقترب من 70% من قيمته منذ منتصف العام الماضي.

الاستفادة الخليجية

كما أن ارتفاع قيمة الدولار من شأنه أن يحقق الحماية للفوائض المالية للدول الخليجية من التآكل عند تحويلها إلى العملات المحلية، علاوة على استفادتها من فوارق أسعار العملات الأخرى كاليورو مقابل الدولار عند تحويل الإيرادات المالية النفطية إلى العملات المحلية، وانخفاض قيمة وارداتها -ولا سيما الغذائية منها- من المجموعة الأوروبية أيضا.

ونظرا لكون الجانب الأكبر من الاستثمارات الخارجية للدول الخليجية – والذي يتم عبر صناديقها السيادية- مقوم أيضا بالدولار، ولأن الأخير يمثل الجزء الأكبر من احتياطيات تلك الدول بالنقد الأجنبي، فإن الاحتفاظ بربط العملات الخليجية بالعملة الأميركية يسمح بالمحافظة على القيمة الحقيقية لتلك الاستثمارات والاحتياطيات، ولكن يحدث العكس في حالة انخفاض سعر الدولار.

ورغم بعد الارتباط الداخلي للاقتصادات الخليجية بالاقتصاد الأميركي، واختلاف البيئة الاقتصادية المحلية للدول الخليجية عنها في الاقتصاد الأميركي، فقد تم رفع سعر الخصم في الكويت بنسبة ربع نقطة مئوية، وتم رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء في السعودية بربع نقطة مئوية كذلك، كما تم رفع سعر الفائدة الأساس على الودائع لليلة واحدة في البحرين من 0.25% إلى 0.50%، ومع ذلك فإن معدلات الفوائد في الدول الخليجية ما زالت متدنية، وهي أقل من معدلات التضخم في معظم هذه الدول.

تنافسية العملات

من المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى تعزيز تنافسية العملات الخليجية أمام الدولار، ورفع معدلات العوائد للمدخرين، والتخفيف من حدة ظاهرة “الدولرة” السائدة في دول الخليج في ظل ارتفاع وجاذبية العملة الأميركية.

أما التأثير على جانب الائتمان وارتفاع تكلفة المستثمرين، فمن المعروف غلبة القروض الاستهلاكية والقروض العقارية على هياكل الائتمان في دول الخليج، ورفع الفائدة قد يؤدي إلى تخفيف حدة النمو في القروض الاستهلاكية. وقد أدت السيولة المرتفعة الناجمة عن انخفاض أسعار الفائدة على الودائع إلى زيادة الطلب الاستهلاكي على مختلف السلع والخدمات، ويرتفع معها المستوى العام للأسعار في ظل محدودية العرض في الأجل القصير.

ولا يتوقع أن تتأثر أسعار العقارات برفع أسعار الفائدة، في ظل استمرار تنافسية العوائد من العقار والتي تتراوح بين 6 و7%، وإن كان الأمر سينعكس إيجابا على البنوك المحلية من خلال زيادة الهامش المتاح لديها، وتوسيع قدرتها على التفاوض مع عملائها، فضلا عن رفع قيمة التمويل الحكومي المتوقع مع إصدار صكوك وسندات لتمويل العجز في الموازنات العامة.

ويمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية إلى رفع تكاليف الاقتراض الخارجي، خاصة بالنسبة للبنوك والشركات في دول الخليج التي تسعى لتنفيذ المشروعات الاستثمارية الكبرى، ولا سيما تلك التي تقع خارج حدودها.

وتبقى نظرة المستثمرين التفاؤلية والتطورات الجيوسياسية في المنطقة والتطورات في أسعار النفط أكثر تأثيرا من التغيرات في سعر الفائدة تلك، حيث تؤكد الدراسات الواقعية لسلوك رجال الأعمال أن مستوى سعر الفائدة ليس عاملا هاما في اتخاذ القرارات الخاصة بنشاطهم الاستثماري، إذ إنه في أوقات الركود بصفة خاصة وعندما تصبح الطاقة الإنتاجية فائضة، فمن المحتمل أن يكون الاستثمار قليل المرونة لسعر الفائدة، بمعنى أن الاستثمار لا يستجيب بسهولة لانخفاض هذا السعر.

وعلى ذلك فإن الإنفاق الحكومي هو مفتاح المرحلة القادمة، رغم العجز المالي المحتمل تأثرا بانخفاض أسعار النفط وانخفاض الإيرادات الحكومية في دول الخليج، إذ تحتاج الحكومات إلى ضخ استثمارات جديدة تدفع النشاط الاقتصادي إلى النمو من قبل القطاعين العام والخاص، عبر تنفيذ مشروعات التنمية في مجال الطرق والصرف الصحي والخدمات المساندة لنمو القطاع الخاص، من أجل الخروج من دائرة الركود الناجم عن انخفاض أسعار النفط والذي تشير التقديرات إلى استمراره على هذا النحو لمدة قد تزيد عن العامين على الأقل.