بعد قرابة 4 سنوات من انغماسه العلني في الأزمة السورية، بدأ حزب الله يواجه أزمة مع عناصره المترددين في القتال في معركة لا يرون لها أفقًا. ومع تزايد الجنازات التي تُقام لمقاتلين من الحزب سقطوا في سوريا، ومعظمهم من الشبان صغار السن، بدأت الأسئلة “الوجودية” تتزايد لدى جمهور الحزب، على الرغم من حملات التعبئة المستمرة للجماهير، واستعمال شعارات دينية ومذهبية.
وتتزايد التقارير، التي تتحدث في لبنان عن “تمرد” بعض العناصر على قرارات القيادة وتفضيلهم عدم الالتحاق بجبهات القتال، فيما تتحدث تقارير أخرى عن أزمة مالية يعانيها الحزب، دفعت به مع الأزمة البشرية التي يعانيها إلى الاستعانة بشبان سوريين يعملون تحت إمرته.
وأورد موقع “ديلي بيست” الإخباري الأميركي أن الكثيرين من مقاتلي حزب الله اللبناني يبدون ضيقًا متزايدًا من استمرار مشاركة الحزب في القتال الدائر بسوريا مع قوات نظام بشار الأسد. وكتب جيسي روزنفلد في تقرير أعده من منطقة سهل البقاع، بشرق لبنان، حيث أحد أكبر حواضن حزب الله ومعاقله، أن كثيرًا من “الاحتياطيين” أبلغوه أنهم “ليسوا راغبين بالموت في سوريا”، وهم الذين كانوا قد التحقوا بصفوف التنظيم الشيعي بهدف تحرير جنوب لبنان من احتلال إسرائيل وحمايته منها. المقاتلون الاحتياطيون الذين التقى بهم معد التقرير خاضوا عدة معارك دعمًا لقوات نظام الأسد المنهكة في جبهات حلب وإدلب واللاذقية ومحيط العاصمة السورية دمشق، غير أنهم يقولون الآن إنهم ما عادوا مستعدين لحرب أهلية دموية لا نهاية لها. كما أبلغوه أنه كرد فعل من الحزب على رفضهم مواصلة القتال في سوريا فإنه قطع عنهم المرتبات التي اعتادوا تقاضيها، وكذلك قطع عنهم وعن عائلاتهم المخصصات العائلية التي كانوا يحصلون عليها، وهم بانتظار المقبل من الأيام لمعرفة ما ستحمله لهم.
أحد هؤلاء، سماه “عماد” لأنه رفض إعطاء اسمه الحقيقي خوفًا من الانتقام، وكونه يعمل في زراعة ممنوعة، قال إنه قرر الامتناع عن القتال لأنه فقد الثقة بمبرراته قبل ستة أشهر، وذلك بينما يجلس أمام موقد في مزرعة صغيرة وسط أراضٍ جرداء بعد فترة قصيرة من جني موسم الحشيش (الماريغوانا). وقال معد التقرير إنه كان التقى بـ”عماد” في (نيسان) الماضي، وأبدى حينها تحمسًا شديدًا والتزامًا بتأييد الأسد، وسط رغبة عارمة بالثأر من “المتطرفين” الذين كانوا قد قطعوا رأس عسكري لبناني من أقاربه، في أعقاب أسره قرب بلدة عرسال. غير أنه، على الرغم من حرصه على الثأر، بات متوجسًا من الحرب ومحبطًا من قوات النظام. وقال: “أرفض العودة إلى القتال هناك، لأننا كنا بعد أن نسيطر على قرية أو بلدة ونسلمها لقوات النظام، سرعان ما تفقدها هذه القوات لمقاتلي المعارضة”. وأضاف أنه اتخذ قرار الامتناع عن المشاركة في القتال في (حزيران) الماضي، ودفع ثمنًا باهظًا لقراره هذا، إذ قطعت أقساط مدرسة أولاده وكذلك مخصصات الرعاية الطبية لعائلته، وإعانات التدفئة في فصل الشتاء.
وفق كلام “عماد”، وجد حزب الله نفسه تحت ضغط متزايد منذ الصيف الماضي، عندما تزايدت الإصابات في صفوفه بالتوازي مع حاجات النظام السوري. ومع أن الحزب، الذي هو عمليًا جيش موازٍ للجيش اللبناني الوطني، لا يعلن أي إحصائيات عن خسائره، فإن المآتم المتكاثرة في مناطق وجوده، ولا سيما الضاحية الجنوبية لبيروت، باتت منظرًا مألوفًا تمامًا مثل التململ الملموس وسط عائلات مقاتليه على جبهات سوريا.
ويواصل تقرير “ديلي بيست” سرده ليفيد بأن المقاتلين الاحتياطيين الثلاثة الذين التقى بهم معدّه صوروا معارك كرّ وفرّ دموية تتصاعد فيها الخسائر بالأرواح ولكن من دون تحقيق أي نتائج ميدانية أو سياسية حقيقية. وهنا يذكر “عماد” أنه استطاع إلى حد ما تعويض فقدانه ما كان يحصل عليه من الحزب بفضل تجارة الحشيشة المضمونة والمستقرة، ويحمد الله على “موسم جيد” هذا العام. ثم يقول إنه على الرغم من أن الطلب تراجع في السوق السورية، فإن مقاتلي “داعش” و”جبهة النصرة” زبائن مخلصون، ويستخدمون مهربين من عرسال للحصول على ما يريدون.
ولكن، في المقابل، يقول “عماد” إنه يعرف عن ما لا يقل عن 60 من مقاتلي الاحتياط في الحزب قرروا العزوف نهائيًا عن القتال، وبالنتيجة خسروا مخصصاتهم ومنافعهم المالية، ويضيف: “وأعرف أشخاصًا عادوا إلى الجبهات (السورية) فقط تحت ضغط الحاجة المادية، وبالتالي، فقط أولئك الذين لديهم بدائل قرروا الكف عن القتال بصورة قطعية”.
وفي قرية أخرى بجبال لبنان تطل على سهل البقاع، هناك “جعفر” الذي تعرض لإصابة بالغة في وركه عندما انهار عليه جدار بعدما سقط صاروخ أطلقه مقاتلو المعارضة على منزل كان موجودًا فيه مع سبعة من رفاقه بمحيط دمشق خلال (تموز) الماضي. ولقد قتل ثلاثة من زملائه السبعة داخل المنزل وأصيب الباقون بجروح. أيضًا “جعفر”، الذي لا يكشف عن اسمه الحقيقي خوفًا من انتقام الحزب، أبلغ قادة وحدته على الأثر برغبته في الكف عن القتال في سوريا، لكنهم أصروا على أن يكمل جولة واحدة إضافية ريثما يتم تأمين مقاتل بديل. ويوضح: “لو رفضت الانتظار إلى أن يتأمن البديل كنت سأخضع لتحقيق وتدهورت علاقتي بـ(الحزب)”.
و”جعفر” ثلاثيني ينتمي إلى الطائفة السنية، وبالتالي فهو ليس حالة عادية في الحزب الشيعي. غير أنه التحق بصفوف ميليشيا الحزب عبر “سرايا المقاومة” – وهي تنظيم مقاتل أعده الحزب للمتطوعين من غير الشيعة – للمشاركة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. ومنذ ذلك الحين خدم 15 جولة قتالية في سوريا، لكنه لا يريد الآن مواصلة القتال في حرب لا نهاية منظورة لها. ثم يقول: “التحقت بـ(سرايا المقاومة) لمحاربة إسرائيل، فلماذا عليّ أن أموت في سوريا؟ هذه معركة خاسرة، فقدنا فيها الآلاف”.
وسعيًا لاحتواء الأزمة المالية التي يعيشها الحزب وأدّت في الأشهر الثلاثة الماضية لتأخير في تسديد رواتب عناصره، بحسب ما كشفت عنه مصادر مطلعة لصحيفة ”الشرق الأوسط”، أشار الباحث السياسي المعارض لحزب الله علي الأمين إلى أن الحزب “بات يستقطب أكثر فأكثر مقاتلين سوريين سنّة يبحثون عن مورد للعيش بسبب الأحوال الاقتصادية المزرية التي يرزحون تحتها، فلم يجدوا منفذا لهم إلا القتال إلى جانب الحزب اللبناني، الذي يعاني ضعفًا بموارده المالية يجعله يستفيد من خدماتهم العسكرية”.
وقال الأمين لـ”الشرق الأوسط”: “نظرًا لكون كلفة المقاتل السوري أقل من كلفة المقاتل اللبناني، بات حزب الله يعتمد أكثر على سوريين يخضعون مباشرة لسلطة وإدارة إيران وحزب الله ولا علاقة للنظام السوري بهم”. وبهذا تصبح 3 فئات تقاتل تحت كنف حزب الله؛ الحزبيين من اللبنانيين والأنصار، ومعظمهم لبنانيون، والسوريون الذين يتم استقطابهم أخيرا.
ويستبعد الأمين أن يؤثر تراجع الموارد المالية في العام الماضي على أداء حزب الله في الميدان نظرًا للبعد الاستراتيجي للمعارك التي يخوضها حاليا واندراجها بسياق حسابات المرحلة المقبلة، لافتا إلى أن قيادة الحزب ارتأت حصر مواقع قتاله بـ”سوريا المفيدة”، وبالتحديد المنطقة الحدودية السورية مع لبنان، ودمشق وصولاً لريف حمص وأجزاء من ريف حماه والجنوب السوري، بحيث تؤكد المعلومات أن الحزب هو من يخوض وبشكل أساسي معارك الشيخ مسكين في درعا.
ويتقاضى عناصر حزب الله الذين يقاتلون في سوريا حاليا رواتب شهرية تتراوح ما بين 600 و1000 دولار أميركي، بينما يتقاضى السوريون الذين يقاتلون في صفوف حزب الله ما بين 300 و400 دولار.