كشف ضابط استخبارات روسي منشق، أطلق عليه اسم (يوجين)، عن العلاقات السرية التي تربط بين روسيا وتنظيم “داعش” الإرهابي.
وطبقا لما ذكره (يوجين) خلال حوارات مع فضائيات أوكرانية عن فترة خدمته في جهاز الاستخبارات الروسي، فقد قدم أدلة دامغة تؤكد علاقة روسيا بتنظيم “داعش”، بالإضافة إلى قيام موسكو بزرع عملاء لها داخل تجمعات إسلامية في الخارج وتواطئها مع ما يقوم به الإرهابيين في أوروبا.
وذكر (يوجين) خلال الحوارات، التي تناولت على نحو خاص عمليات مكافحة الإرهاب، أن إضراب بعض المحلات الذي جرى في لندن ما بين عامي 2009 -2011 تم بخطة أعدها الجهاز الأمني وجهاز الاستخبارات الخارجية الروسي ضد بريطانيا، كاشفاً عن أن عملاء روس قد نجحوا في التغلغل داخل المجتمعات الإسلامية في عدة دول أوربية، كما أكد المنشق الروسي أن موسكو كانت على معرفة بالهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس في وقت لاحق.
ويمكن التوصل لنتائج مشروطة توضح سياسة موسكو في منطقة الشرق الأوسط تم استخلاصها من عدة مصادر بجانب ما كشف عنه العميل الروسي (يوجين) وأبرزها:
1ـ العديد من الخبراء الروس يقولون إن الهجمات التي تعرضت لها باريس قد استفادت منها موسكو، ويدعم هذا الاستنتاج ما أظهرته وسائل الإعلام الروسية والمؤسسة السياسية للكرملين، حيث أبرزت فضائيات روسية شهيرة تصريحات للمتحدثين باسم الكرملين ذكروا فيها أن أوروبا تدفع ثمن أخطاء السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ويتحتم على تلك الدول أن تفكر في روسيا كبديل عن الولايات المتحدة لتولي زمام القيادة في تلك المنطقة.
وقد وظفت موسكو الهجمات الإرهابية كخطوة للأمام لتحقيق أحد أهدافها الجيوستراتيجية الهامة ويتمثل في دق أسفين بين “الناتو” والإتحاد الأوربي وهذا التوجه كشف عنه خبراء من روسيا البيضاء قبل شهر من حدوث هجمات باريس، ونتيجة لذلك يتضح عدم الحرص الروسي على وضع نهاية لتنظيم “داعش”.
2ـ السياسة المحلية والخارجية الروسية تمّت مواءمتها بدقة على مواجهة الغرب أو الولايات المتحدة ويظهر هذا بوضوح في النزاع الروسي الحالي مع تركيا والهجمات الإعلامية الروسية ضد الاتحاد الأوربي و”الناتو”.
ويكفي هنا التذكير بمقطع فيديو تمّ إعداده بشكل احترافي وانتشر عبر شبكة الإنترنت بعد هجمات باريس يدعو الروس ليس للتصدي لتنظيم “داعش” بل على قتال الولايات المتحدة الأميركية التي تمّ وصفها بالدولة التي أسست تنظيم “داعش” على نحو خاص والإرهاب العالمي بشكل عام. وقد عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن وجهة نظر مشابهة بقوله: “روسيا تسعى جاهدة لإضعاف الموقف الأميركي في المنطقة بهدف إحداث تأثير على الشراكة الأميركية – الإيرانية أو لإجبار الولايات المتحدة على الاختيار الصعب بين علاقتها مع طهران أو الخليج”.
وذكر مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والسياسة الخارجية الروسي أرسيني سيفيكي، في تصريحات له أنّ موسكو حريصة على إيجاد موطئ قدم لها على طول الساحل السوري المطل على البحر المتوسط بهدف الإستفادة من مشاريع الغاز والنفط الحالية والمستقبلية التي تقوم بها الدول والشركات في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.
وهكذا، تبدو روسيا وكأنّها حليفا للإرهابيين في صراعها مع الغرب.
ويمكن فهم التحليلات المذكورة أعلاه عند إدراك حقيقة الجزء الرئيس من مشاكل بوتين مع الغرب ومن بينها على سبيل المثال فرض الدول الأوربية عقوبات على موسكو، و الدعم الأوربي لأوكرانيا، ممّا يمنع روسيا من تحقيق أهدافها الرئيسة في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي.
3ـ لدى روسيا نفوذ على تنظيم “داعش” وقد ظهرت هذه الحقيقة قبل اعترافات المنشق الروسي (يوجين) عندما أوضح رئيس معهد الشراكة الشرقية الحاخام أبراهام شميلوفيتش، أن غالبية المقاتلين لدى تنظيم “داعش” يتم تجنيدهم في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
وأضاف: هناك الكثير من قادة “داعش” كانوا جنرالات في الجيش العراقي خلال فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين و لدى المخابرات الروسية ملفات كاملة عن العديد من قادة تنظيم “داعش” الأمر الذي يثير العديد من الأسئلة حول هدف استخدام تلك الملفات، ولكن روسيا لم تقوم بأي جهد يبدد الشكوك حول تلك المسألة وعليه يمكننا القول ان روسيا لعبت دورا في تأسيس تنظيم داعش.
الخبير الروسي المعارض ستانسلاف بيلكوفسكي قال في تصريحات إعلامية أن الرئيس بوتين كان يعرف عن هجمات باريس الإرهابية لوجود عدد كبير من شبكات العملاء لدى تنظيم “داعش” ويدير تلك الشبكات بريماكوف، وقد أثبت هذه الحقيقة ف. ميلوف عضو البرلمان الروسي السابق وزعيم حزب (الخيار الديموقراطي ) المعارض.
4ـ توفر أسلحة من صناعة روسية وسوفياتية قديمة لدى تنظيم “داعش”، ويجدر هنا الإشارة إلى أن الدعاية الروسية تلقي باللوم على أوكرانيا والولايات المتحدة وتركيا في تسليح تنظيم “داعش”.
ولكن يقول خبراء أنّ بعض أنواع الأسلحة التي يملكها تنظيم “داعش” كانت قد تمت إعادة تصديرها من بلدة دونباس الأوكرانية وشبه جزيرة القرم التي يسيطر عليها انفصاليون موالون لموسكو.
وهناك حقائق لا يمكن إنكارها تبيّن أنّ أنظمة الأسلحة المضادة للطائرات المحمولة تلقى رواجًا كبيرًا لدى تنظيم “داعش”.
ووفقا لوجهات نظر الخبراء المختصين فان القيادات الانفصالية في أوكرانيا التابعة لموسكو ليس باستطاعتها اتخاذ قرارات بتصدير تلك الأسلحة من دون الحصول على ضوء أخضر من موسكو.
وتتويجًا لما ذكر، يبدو أن الحقائق التي تثبت الارتباط بين”داعش” وروسيا تتداخل مع التصريحات التي أدلى بها (يوجين)، وبشكل أساسي فقد أثبت ضابط الاستخبارات الروسية المنشق وجهات نظر عدد من الخبراء الآخرين من بينهم أشخاص يعملون في مجال تهريب السلاح الروسي وعملاء للأمن وأجهزة الاستخبارات الروسية لدى تنظيم “داعش” مما يثير الشكوك بأن الوضع الحالي في الشرق الأوسط يستفيد منه الكرملين.