من المتوقع ان يجد ملف النفايات حله الموقت طريقه الى التنفيذ نهاية كانون الثاني 2016. لكن حل النفايات الذي هُرّب تهريباً في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء من دون اطلاع الوزراء على تفاصيله يشوبه الكثير من النواقص وربما الفضائح.
فقد وافقت الحكومة على تكليف شركتين، واحدة بريطانية وأخرى هولندية، تصدير النفايات من لبنان لفترة 18 شهراً، بعقود تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات. حصرت المفاوضات في دائرة ضيقة جداً وبسرية تامة، بحجة حساسية الموضوع. كما تم التكتُّم على هوية الشركتين الى حين انعقاد جلسة مجلس الوزراء في 21 كانون الأول التي خُصّصت لبت القضية.
وبحسب صحيفة “النهار”، يتبيّن من مراجعة لمسوّدة العقد المقترح مع الشركتين، بالتراضي وبلا مناقصة أو دفتر شروط، أنه يحتوي على ثغرات قانونية عدة، ولا سيما منها ما يتعلق بالقانون الدولي الذي يحكم نقل النفايات. فالعقد يضع المسؤولية كاملة على الشركة الناقلة ابتداء من لحظة تحميل النفايات في السفن. لكن هذا البند لا يلغي مسؤولية الدولة التي هي مصدر النفايات، وذلك في كل مراحل العملية، وحتى بعد وصولها إلى وجهتها النهائية، واياً يكن أسلوب التخلص منها أو معالجتها. وتجارب لبنان في التحكيم في القضايا ذات البعد الدولي غير مشجّعة، من مئات الملايين التي حصّلتها شركتا الخليوي من التحكيم قبل أكثر من عشر سنين، إلى القضية العالقة حالياً مع شركة الطيران الخاص التي تطالب بمليار دولار تعويضاً نتيجة إلغاء وزير ترخيصها بقرار فردي.
وبغض النظر عن خيار تصدير النفايات والكلفة المرتفعة التي قد تتجاوز 250 دولاراً للطن الواحد، وحقول الألغام التي تحويها مسوّدة العقد، من هما الشركتان اللتان وقع عليهما الاختيار؟
“شينوك” البريطانية
الشركة المسجّلة في بريطانيا اسمها “شينوك أوربان مايننغ” (Chinook Urban Mining) وهي تنتمي إلى مجموعة “شينوك” التي يرأسها رفعت الشلبي. المجموعة متخصصة بتحويل النفايات إلى طاقة بواسطة تقنيات حديثة خاصة بها، ولها مشاريع وعقود كبيرة في بريطانيا ودول أخرى، كما يظهر من السجلات التجارية في المملكة المتحدة.
ويظهر في السجلات الرسمية اسم طارق الحيدري كأحد أعضاء مجلس الإدارة في فترة سابقة، بينما لا ذكر له في الموقع الإلكتروني للشركة. ومعروف أن الحيدري يرتبط برجل الأعمال اليمني حميد الأحمر الذي أُثيرت قضايا كثيرة حول طبيعة استثماراته في أوروبا.
“هووا” الهولندية
وإذا كان للشركة البريطانية مديرون معروفون وسجلات رسمية ومشاريع وميزانيات منشورة وموقع الكتروني جدّي وحديث، بغض النظر عن ارتباطات أخرى غير واضحة، فإن الشركة الهولندية (HOWA B.V.) مجهولة يكتنفها الغموض.
الموقع الإلكتروني www.howa-international.com لا يحتوي على أية معلومات ذات قيمة، ومن الواضح أنه أعد على عجل بهدف التمويه. وليس في صفحاته القليلة سوى نصوص عامة عن أفكار حول النفايات، من دون ذكر أي مشروع نفذته الشركة، مع أنه جاء في صفحة بعنوان “الهيكل التنظيمي” أن الشركة تأسست عام 1975. فماذا نفذت من مشاريع طوال 40 سنة؟
الموقع الإلكتروني بالهولندية والإنكليزية والألمانية. وإذا ظن متصفح الصفحات الإنكليزية أنه قد يجد معلومات اضافية باللغتين الهولندية والألمانية، فلن يصل إلى مبتغاه في أي منهما، لأنها في مرحلة الإعداد. فهل يمكن شركة عمرها 40 سنة أن تكون صفحات موقعها الإلكتروني في “مرحلة الإعداد”، ولا ذكر فيها لأي مشروع نفذته؟
الشركة مسجلة في غرفة التجارة بتاريخ 19 نيسان 2000 تحت اسم .Howa B.V، وليس عام 1975، وهي متفرعة من شركة قابضة (هولدنغ) تحمل الاسم نفسه. العنوان المسجّل يقع في بلدة صغيرة في جنوب شرق هولندا عدد سكانها ثمانية آلاف، اسمها “سوستيرين” Susteren.
أما عنوان الشركة Oude Rijksweg Zuid 36 فهو لمنزل ريفي، هو نفسه عنوان سكن صاحب الشركة بول هوس (Paul Hos). وفي حين ليس للشركة، وفق سجلّها الرسمي، أية فروع أخرى، يشير موقعها على الإنترنت إلى فرع لها في ألمانيا تحت اسم Howa GmbH عنوانه: Millener Weg 73-75, 52538 Selfkant. ولدى البحث عن هذا العنوان، تبين أنه يخص شركة للمطابخ اسمها EKS Einbauküchen. وعدد العاملين فيها شخص واحد هو مديرها بول هوس. وكان هوس، بالاشتراك مع ناصر الحكيم، مثلا شركة “هووا” لتقديم عرض تصدير النفايات إلى الحكومة اللبنانية.
وإذا كانت المعلومات عن بول هوس نادرة، فشريكه ناصر الحكيم (اسمه الكامل عبد الناصر الحكيم) معروف في التجارة والسياسة. الحكيم من أصل لبناني هاجر إلى كوراساو (إحدى جزر الأرخبيل الهولندي سابقاً) عام 1985، حيث عمل في التجارة وأسس حزباً سياسياً. وفي الحكومة الأولى بعدما حصلت كوراساو على حكم ذاتي من هولندا عام 2010، عيّن الحكيم وزيراً للاقتصاد. لكن ولايته انتهت عقب تحقيقات في قضايا مالية طالت عدداً من الوزراء في الجزيرة الكاريبية، التي تؤوي 150 ألف نسمة وتبلغ مساحتها 444 كيلومتراً مربعاً.
بين التبييض والتهريب
نقل النفايات قضية معقدة، وخصوصاً حين تتداخل فيها شركات قابضة ومتعددة الجنسية ومتشعبة الأسماء والارتباطات والملكيات. فإذا كانت العقود شرعية وشفافة، لماذا التستُّر والسرّية، وما هي الخلفيات الحقيقية وراء تمرير الموافقة تهريباً؟ وهل تستطيع شركة صغيرة شبه سرّية أن تتحمل مسؤولية عقد نقل نفايات بمئات الملايين؟
في تقرير عن جرائم النفايات صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، مختصر عن خطورة الموضوع: “كثير من الجرائم الخطيرة يمكن ارتكابها في أية حلقة من حلقات إدارة النفايات، بما فيها تعريض الناس للمواد السامة خلال مراحل جمع النفايات ونقلها والتخلص منها. وهذه الجرائم لا تنحصر في مخالفة القواعد البيئية، بل ان أخطرها يرتبط بالتهرب من الضرائب وتبييض الأموال، كما أن عمليات نقل نفايات عادية وصالحة لإعادة التدوير تستخدم في حالات كثيرة كغطاء لتهريب نفايات خطرة”.