يوسف المحيميد
يتوقع مختصون وخبراء في النفط تحسن الأسعار في 2016 لأسباب عديدة، أبرزها انخفاض الاستثمارات البترولية في مناطق مختلفة من العالم، خصوصًا المناطق المنتجة ذات التكلفة العالية، ما يعني انخفاض العرض مقابل الطلب المتنامي. وإن كان معدل نمو الطلب في الصين يعد منخفضًا قياسًا بفترات سابقة، إلا أن الطلب العالمي على البترول بشكل عام ينمو سنويًا بأكثر من مليون برميل يوميًا، ويتوقع أن يصل إلى 1,7 مليون برميل يوميًا هذا العام، و1,2 مليون برميل يوميًا في العام القادم، في مقابل الانخفاض الطبيعي في حقول الإنتاج القديمة، الأمر الذي جعل إنتاج النفط الصخري الأميركي يسهم في مواجهة الطلب المتنامي خلال الأعوام القليلة الماضية.
سيكولوجيا السوق
لكن الأمر اختلف خلال 2015. فمع انخفاض الأسعار إلى أقل من كلفة إنتاج النفط الصخري، بدأ هذا الإنتاج بالتراجع. ويشير تقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن تراجع وتيرة إنتاج النفط الصخري يتجاوز مئة ألف برميل يوميًا خلال كانون الأول (ديسمبر) 2015، وبالذات حقل “إيغل فورد” الذي يشهد وحده انخفاضًا يقدَّر بنحو 78 ألف برميل يوميًا، إضافة إلى تأكيدات الشركات العاملة في قطاع النفط بخفض استثماراتها في خططها السنوية الجديدة، ما يشير إلى أن 2016 قد يشهد انخفاضًا واضحًا في الإنتاج العالمي، الأمر الذي يؤدي إلى انتهاء هذه الدورة من تدني الأسعار، وارتفاع المؤشر بشكل تدريجي إلى مستويات جيدة، قد تصل إلى سقف 60 دولارًا في النصف الثاني من 2016.
ولا يختلف اثنان على أن السوق البترولية العالمية لا يحكمها ميزان العرض والطلب فقط، بالرغم من أهميته الكبيرة والمؤثرة، وإنما تتحكم التصريحات السلبية والشائعات أحيانًا في سيكولوجيا السوق، ما يقود الأسعار إلى مزيد من الانخفاض. فحين يتم تداول تصريحات هنا وهناك، وعلى نطاق واسع، بأن دول أوبك والدول المنتجة الرئيسة من خارجها لن تخفض إنتاجها، وفي المقابل يتم التحفظ وإخفاء معلومات مهمة ومؤثرة في السوق، كانخفاض أو إلغاء الاستثمارات في القطاع البترولي بشكل عام، أو انخفاض الإنتاج من المناطق ذات التكلفة العالية، كالنفط الصخري، والنفط في أعماق البحار، فإن ذلك يتحكم حتمًا في سيكولوجيا السوق، وينعكس على الأسعار بشكل سلبي، وبطريقة غير واقعية، وغير صادقة.
سيناريو قديم
يكاد معظم المختصين بالشأن البترولي، وبناء على مؤشرات وأرقام وخطط الشركات البترولية للعام القادم، يتفقون على أن هذه الدورة من انخفاض الأسعار قد تنتهي في الثلث الثالث من 2016، ويعود المؤشر بشكل تدريجي إلى الارتفاع من جديد، فضلًا عن أن المؤشر قد يرتفع بشكل أكبر وغير متوقع في حالات أخرى، سياسية أو طبيعية، قد تحدث وتسبب توقف الإمدادات من بعض الدول المنتجة.
وبعيدًا عما قد يحدث من أسباب اقتصادية مؤثرة، كتوقف الإنتاج أو انخفاضه من بعض المناطق ذات التكلفة العالية، كأعماق البحار أو الزيت الصخري، وربما أصبح سعر البيع أقل من تكلفة الإنتاج، وبعيدًا أيضًا عما قد يحدث من أسباب سياسية مؤثرة في إنتاج بعض الدول في الشرق الأوسط، ربما يحقق اتفاق دول منظمة أوبك، والدول المنتجة الرئيسة من خارج أوبك، كروسيا والمكسيك وعمان وكازاخستان وغيرها، على تخفيض الإنتاج بنِسَب موحدة أثرًا كبيرًا في أسعار السوق، كما حدث في الثمانينات والتسعينات وحتى عام 2008. لكن تجربة الثمانينات كانت أنموذجًا جيدًا لتوازن السوق، فبالرغم من انخفاض الطلب آنذاك، تم خفض الإنتاج بشكل كبير، وبالتالي انخفض العرض مقابل الطلب وتحسنت الأسعار، خصوصًا في التزام دول أوبك خفض الإنتاج.
تقول إحصاءات بريتش بتروليوم إن متوسط إنتاج دول أوبك في 1985 مقارنة بعام 1980 انخفض بما يقارب 9.9 ملايين برميل يوميًا، إلى درجة أن السعودية وحدها انخفض إنتاجها إلى أكثر من 6 ملايين برميل يوميًا. لكن الأمر اختلف في أزمات الانخفاض الحاد التالية، خصوصًا عام 2008، فلم تعد الدول تلتزم نِسَب التخفيض وتنفذها من جهة، وصار ممكنًا تعويض النقص في الإمدادات من قبل الدول المنتجة الأخرى من جهة أخرى، كما أصبح خفض الإنتاج من قبل دول الخليج، وبالذات السعودية، أو حتى من قبل جميع دول أوبك، مجرد فقدان لعملاء يصعب تعويضهم، وارتفاع موقت لأسعار السوق، قبيل تعويض الكميات المقتطعة من السوق عن طريق المنتجين الآخرين، الذين يستغلون هذه الفرصة بضخ المزيد من الإنتاج وإعادة السوق من جديد إلى دوامة تذبذب الأسعار، وانخفاضها إلى معدلات غير مربحة للمنتجين.
بعض التفاؤل
من هنا، ومع عدم وجود قيادة واضحة للسوق، ورغبة صادقة من الجميع في عودة الأسعار إلى وضعها الطبيعي بعد انهيارها في أواخر 2014، وتذبذبها خلال 2015، فإن أغلبية المحللين يتوقعون أن تعود الأسعار إلى الارتفاع تدريجيا لتتجاوز سقف 60 دولارًا في الربع الأخير من 2016، بعد إلغاء عقود أو تقليص بعض الشركات الأميركية التي تنتج الزيت الصخري، ما يعني انخفاض الانتاج العالمي من جهة، وتنامي الطلب من جهة أخرى، الذي يزداد سنويًا بنحو مليون ونصف المليون برميل يوميًا.
ومع ذلك، يثير البعض مسألة تأثير ارتفاع معدل المخزون العالمي الذي قد يتحكم في السعر لفترة قد تبلغ عامًا، عندما تنتعش الأسعار، ليقوم المخزون بإعادة تذبذب الأسعار إلى السوق من جديد، فضلا عن تأثر السوق، سلبًا وإيجابًا، بتكهنات المحللين تارة، وبالشائعات تارة أخرى، فمنذ ثمانينات القرن الماضي وهذا السوق يتحكم فيه محللون أغلبيتهم من المتشائمين ومن الدول المستهلكة والمسيطرة على الإعلام البترولي العالمي. فبالرغم من الحقائق الواضحة الآن من أن السوق سيستعيد عافيته بعد تناقص إنتاج الزيت الصخري، فهناك من يبدي تشاؤمه من كميات المخزون غير المسبوقة التي قد تعيد السوق إلى الانخفاض من جديد، مع أن لهذا المخزون وقتًا محددًا ليعود إلى معدلاته الطبيعية، فلا يصبح مقلقًا لتوازن السوق، بمعنى أن السوق سيعود متوازنًا، وبسعر عادل، بشكل طبيعي، مع أن مبادرة الدول المنتجة الرئيسة من خارج أوبك، مع دول أوبك، والاتفاق على التخفيض بنِسَب محددة، سيعجل بتحقيق هذا التوازن.