خيّب الاقتصاد اللبناني في العام 2015، الآمال التي كانت معقودة عليه، فقدم اداءا سلبياً على مستوى قطاعاته الحقيقية (السياحة، العقار، الاستثمارات والصادرات)، ما ادى افي المحصلة الى تراجع النمو الاقتصادي الى الصفر في المئة، وذلك للمرة الاولى منذ سنوات.
وعانى اقتصاد 2015 من ضغوط سياسية محلية في مقدمها الفراغ الرئاسي، وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية (المجلس النيابي ومجلس الوزراء)، كما عانى الاقتصاد من تداعيات الازمة السورية، لا سيما من ازمة النزوح السوري التي ضغطت بشكل مؤثر على الوضع الاجتماعي والمعيشي، كما تسببت هذه الازمة بمنافسة غير متكافئة لليد العاملة اللبنانية. والى الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها لبنان في 2015، شهد ازمة غير مسبوقة على مستوى اداء المالية العامة حيث تفاقم عجز الموازنة (اكثر من 9 في المئة من الناتج المحلي)، الامر الذي ضغط سلباً على القطاع المالي والمصرفي.
وكان البارز في 2015 العودة الى مرحلة تعسر العديد من المؤسسات السياحية والتجارية والعقارية ما دفع بمصرف لبنان الى التدخل مع المصارف لتسوية الديون المترتبة على هذه المؤسسات، كما على بعض الافراد، مع الاشارة الى ان حجم هذه الديون يقارب المليار دولار.
وفي قراءة لابرز مؤشرات الاقتصاد اللبناني والمالية العامة في 2015 يمكن لحظ الآتي:
1ـ تراجع مساحات البناء المرخصة بنسبة 12.7 في المئة.
2ـ تراجع عدد عمليات البيع العقارية بنسبة 12.9 في المئة.
3ـ تراجع قيمة الشيكات المتقاصة بنسبة 7.8 في المئة.
4ـ زيادة العجز المالي بنسبة 13.3 في المئة.
5ـ زيادة صافي الدين العام بنسبة 8 في المئة.
6ـ تراجع معدل التضخم بنسبة 3.6 في المئة.
7ـ تراجع موجودات مصرف لبنان من العملات الاجنبية بنسبة 0.2 في المئة الى 38.2 مليار دولار.
8ـ تراجع رسملة السوق لبورصة بيروت بنسبة 5.8 في المئة الى نحو 185.3 مليار دولار.
9ـ ارتفاع عجز ميزان المدفوعات الى 1.77 مليار دولار.
وفي مقابل كل هذه المؤشرات السلبية وحده القطاع المصرفي بقي محافظاً على جزء كبير من قوته فحقق نمواً بنسبة 6 في المئة، واستمر في تحقيق الارباح، ونجح في زيادة ميزانيته المجمعة وزيادة ودائعه الى مستويات مقبولة.
كما استمر القطاع في دعم القطاعات الاقتصادية من خلال التسليفات التي منحها لمختلف هذه القطاعات، كما استمر في تمويل عجز الموازنة.
وكان البارز في 2015 اقدام مؤسسات التصنيف الدولية على تخفيض تصنيف الدين السيادي للدولة اللبنانية، الامر الذي انعكس سلباً على تصنيف المصارف اللبنانية، مع المحافظة على النظرة المستقبلية الـ«سلبية للدولة اللبنانية».
وفي هذا السياق اشارت وكالة التصنيف الدولية «فيتش» الى ان تصنيفها الائتماني للبنان يعكس التداعيات السياسية للحرب الجارية في سوريا بالاضافة الى الضعف في المالية العامة وفي الاداء الاقتصادي في لبنان.
واشارت الوكالة في آخر تقرير لها الى الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي السائد في البلاد واستبعد التقرير اي تحسن في المجال السياسي في حال استمرت الحرب في سوريا. في هذا الاطار، تتوقع الوكالة ان يشكل الدين الحكومي في لبنان نسبة 131 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، مشيرة الى ان كلفة الدين تشكل حوالى 40 في المئة من الايرادات الحكومية، ما يضع لبنان في المرتبة الرابعة عالمياً لجهة اعلى نسبة دين من الناتج المحلي الاجمالي بين البلدان التي تصنفها «فيتش». واضافت الوكالة ان التوقعات تشير الى زيادة في الدين الحكومي خلال الفترة القادمة (2016 – 2017) في ظلّ غياب اصلاحات مالية كافية ونسبة الانفاق الجاري العالية. بالاضافة الى ذلك تتوقع الوكالة ان يبلغ النمو الاقتصادي الحقيقي 1.2 في المئة في العام 2015، مستبعدة رفع توقعاتها في ظل عدم تحسن الموضع السياسي في سوريا.
واشارت الوكالة اخيراً الى ان تصنيفها للدولة اللبنانية يعكس ايضاً صلابة النظام المصرفي في لبنان ومستويات السيولة الجيدة والناتج الاجمالي المحلي للفرد الواحد المرتفع ومؤشرات التنمية البشرية القوية، والتي تتخطى معدلات البلدان ذات تصنيف «B».
… باختصار كان العام 2015 قاسياً على الاقتصاد اللبناني بكل المعايير، وتتحمل الطبقة السياسية في لبنان جزءاً كبيراً من مسؤولية ما لحق بالاقتصاد من اضرار نتيجة خلافاتها المتمادية التي حالت وتحول حتى الساعة دون ملء الفراغ الرئاسي وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية. ومع اطفاء شمعة 2015 يأمل الاقتصاد اللبناني، ويطمح الى استعادة المبادرة في 2016، وهذا الامل، كما ذاك الطموح يبقيان رهناً بانجاز التسويات الدستورية وفي مقدمها انتخاب رئىس للبلاد في اقرب وقت ممكن واعادة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية، والشروع بالاصلاحات المالية واطلاق ملف النفط والغاز ووضع الموازنة العامة واطلاق مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.