إنتهى عقدا إدارة وتشغيل شبكتي الهاتف الخليوي “ألفا” و”تاتش”، بعد أن فشلت مناقصة الخليوي الأخيرة بإعلان إدارة المناقصات إنتفاء عنصر المنافسة بسبب وجود عرضين من شركتين فقط، هما “أورانج” الفرنسية و”زين” الكويتية، وذلك في وقت تعثر فيه إنعقاد مجلس الوزراء للبت في موضوع الشركتين إما عن طريق التمديد للعقود القائمة وإعادة تكليف إدارة المناقصات إجراء مناقصة جديدة لتلزيم إدارة وتشغيل شبكتي الهاتف الخليوي، وإما بتسليم وزارة الإتصالات إدارة وتشغيل الشبكتين.
وبالرغم من أن خيار التمديد يحتاج الى قرار مجلس الوزراء، إلا أن التمديد بحجة إستمرارية عمل المرفق العام، حتمت قبول خيار استمرار عمل الشركتين لفترة وجيزة ريثما ينعقد مجلس الوزراء ويتخذ قراره في شأن الشبكتين. وقد إتخذ وزير الإتصالات بطرس حرب الخميس قراراً بتكليف الشركتين الإستمرار في إدارة وتشغيل الشبكتين لمدة شهر واحد، تبدأ في 1 كانون الثاني وتنتهي في 1 شباط 2016، وقد وافقت الشركتان على قرار التمديد. فيما رجحت مصادر “المدن” في الوزارة أن تبقى الأمور في إطار تصريف الأعمال إلى حين تتم تسوية المسألة سياسياً، إذ لا زالت التجاذبات السياسية القائمة تحكم مسار عمل هذا الملف.
كما توجه حرب بكتاب إلى مجلس الوزراء طلب فيه أولاً، إصدار قرار إعادة تكليف إدارة المناقصات إجراء مناقصة عالمية لإدارة الشبكتين بالسرعة القصوى وفقاً لدفتر الشروط المقر سابقاً من قبل مجلس الوزراء. ثانياً، تكليف حرب إدارة وتشغيل الهاتف الخليوي بعد إنتهاء المهلة الممددة للشركتين، وفقاً للأنظمة المعمول بها حالياً في الشركتين، وذلك بصورة مؤقتة إلى حين انتهاء إدارة المناقصات من إجراء المناقصة الجديدة.
ولا بد من التوقف قليلاً عند الطلب الثاني، إذ إنه شهد جدلاً واسعاً في اليومين السابقين، بسبب تصريح حرب حول نية وزارة الإتصالات تسلم إدارة شبكة “ألفا” التي تديرها شركة “أوراسكوم” المصرية في لبنان، في حين يتم التمديد لعقد “تاتش” التي تديرها شركة “زين” الكويتية. بحجة معاقبة الشركة الأولى لإفشالها المناقصة الأخيرة. وذلك لأن الشركة تعمدت عدم المشاركة في المناقصة قبل يوم واحد من إنتهاء المهلة المحددة لتقديم عرضها بهدف إفشالها، علماً أن “ألفا” كانت قد أبطلت قرار إستبعادها عن المناقصة بقرار صادر عن مجلس شورى الدولة، ومنحت مهلة خاصة لتقديم عرضها إسوة بغيرها من الشركات، ورغم ذلك قررت عدم المشاركة وعرقلة المناقصة، ما اعتبره حرب حينها سلوكاً يصب في خدمة مصالح بعض السياسيين، واعداً “بعدم تمرير هذا السلوك دون حساب”.
ويؤكد مصدر الوزارة، أن خيار تسلم إدارة شركة “ألفا” من قِبل الوزارة كان مطروحاً، ما يمكن تصنيفه في خانة تصفية الحساب القائم مع الشركة من جهة، وسبباً للتخلص من تدخل السياسيين فيها من جهة ثانية، الأمر الذي حال دون إحكام سيطرة حرب عليها. إلا أن المصدر إستبعد، في الوقت نفسه، مضي حرب في هذا الخيار الذي وصفه بـ “الإنتحاري”. وهذا ما يؤكده طلب حرب تسلم إدارة الشبكتين “ألفا” و”تاتش” لعلمه المسبق باستحالة إقرار تسلم إدارة شبكة “ألفا” أو حتى الشركتين، لا بقرار من الوزير نفسه ولا حتى بالتوافق عبر مجلس الوزراء، خصوصاً وأنه في حال تم نقل إدارة الشركة إلى الوزارة فإن الشركة ستكون تحت إدارة وسلطة مدير عام المديرية العامة للإستثمار والصيانة عبد المنعم يوسف، المتهم بقضايا فساد كثيرة، وتحوم حوله الشبهات ما يجعل فرضية تسليمه بالذات إدارة شؤون الشبكة أمراً مستحيلاً.
مسائل أخرى أثارتها إمكانية تسليم إدارة وتشغيل شبكتي الخليوي إلى الوزارة. فمن ناحية برز التساؤل حول سبب تلزيم إدارة الشبكتين من قبل شركات خاصة في حين تستطيع الوزارة إدارة شبكات الخلوي بنفسها؟، وهذا ما أكده حرب حين أبلغ رئيس الحكومة تمام سلام بعد يوم من إعلان فشل مناقصة الخليوي في 9 كانون الاول الماضي أن “وزارة الإتصالات قادرة على توفير الخدمات الخلوية بعد انتهاء العقود في نهاية هذا العام إلى حين إجراء مناقصة جديدة”.
فلماذا يتم طرح إعتماد هذا الحل مرحلياً في حين تستطيع الوزارة إلتزامه دائماً، وما هي الفائدة من ذلك؟. الجواب عن هذه التساؤلات لا يحتاج الكثير من البراهين لتأكيد أن مصالح فئات من السياسيين فرضت هذا الواقع في تشغيل الشبكتين من خلال شركات خاصة، لاسيما أن طرح إعادة إدارة الشبكتين عبر الوزارة ليس بجديد، إذ كان مطروحاً منذ عهد وزير الإتصالات السابق شربل نحاس حين أعلن عن نيته تشكيل طاقم بشري ذي خبرة في مجال الإتصالات لتشغيل الشبكتين مباشرة دون أي وسيط ودون دفع أي تكاليف إضافية، إلا أن هذا الطرح لم يسلك طريقه نحو التنفيذ.
وفي السياق نفسه، ترفض كتل أساسية مثل هذا الإتجاه في التعاطي مع موضوع نقل الشركة إلى الوزارة، لاسيما كتلة “التيار الوطني الحر” الداعم لبقاء شركة “ألفا” رغم التجاذبات العديدة التي دارت بين وزير الخارجية جبران باسيل وحرب منذ الإعلان عن إجراء مناقصة الخليوي. وكذلك بالنسبة إلى كتلة النائب وليد جنبلاط الذي يواصل هجومه على وزارة الإتصالات وهيئة أوجيرو، قائلاً: أن ما يتم تداوله إثر تطيير المناقصات بطريقة غامضة، من حلول مفترضة في الكواليس لا تشي بأي من الشفافية المطلوبة لإدارة هذا القطاع الحيوي، بل نشتم منها رائحة المحاصصات، على اعتبار أن الخيار الأمثل لا يكون بتسليم القطاع لمستشارين ومقربين دون أي مسوغ قانوني ودون أي وضوح في آلية العمل وإدارة الشبكتين. علماً أن الرئيس فؤاد السنيورة كان قد دخل على خط الصلح بين الطرفين في محاولة لتسوية الأمر والوصول الى صيغة حل مناسبة للطرفين.