Site icon IMLebanon

تحرير أموال إيران لن يقلب الموازين في المنطقة

كتبت ثريا شاهين في صحيفة “المستقبل”:

من المقرر أن تشهد بداية هذه السنة، الإعلان عن بدء تنفيذ الاتفاق النووي بين الغرب وإيران. وبدء التنفيذ يعني أنّ إيران ستُنهي العديد من الالتزامات التي جرى التفاهم عليها، وستتأكّد الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إنهائها. ومقابل ذلك، تؤكد مصادر ديبلوماسية أنّه سيتم رفع العقوبات عن إيران بما في ذلك من المفترض تحويل المبالغ المالية الإيرانية المجمّدة حالياً في المصارف العالمية. ويناهز المبلغ أكثر من مئة مليار دولار، أي أنّ إيران يجب أن تكون قد قلّصت من أجهزة الطرد المركزي إلى النسب المتفق عليها، وكذلك التخلي عن نسبة عالية من تخصيب اليورانيوم. والوكالة الدولية تقوم برقابة على برنامجها النووي وإلغاء بُعده العسكري. وكل العقوبات عليها ستُلغى باستثناء ما يتعلق بالإرهاب وحقوق الإنسان، أي أنّ على كل طرف في الاتفاق تنفيذ التزامات محدّدة.

وتفيد المصادر أنّ نفوذ إيران في المنطقة غير مرتبط بالأموال التي ستصل إليها، بل بالصراع في المنطقة بحد ذاته. وذلك على عكس ما تخوّف منه العديد من الدول. إذ لا تتوقع الدول الغربية أن تخصّص إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة ودعم حلفائها، سوى مبالغ محدّدة، لأنّ اقتصادها سيئ وستموّل تطويره وتحديثه.

العزلة الدولية سترفع جدّياً، وعندها تستطيع إيران أن تستقطب الشركات العالمية لتحديث اقتصادها، وبالتالي المبلغ الذي سيُرصَد لحلفائها في المنطقة لن يكون كبيراً إلى درجة تجعل تأثيراته تقلب الموازين فيها.

إيران على المستوى السياسي لم تعد معزولة، تمّت دعوتها إلى مؤتمر فيينا حول سوريا، وكذلك إلى مؤتمر نيويورك، لكن كل هذا لا يعني قبولاً غربياً بما تفعله وبسلوكها حيال ملفات المنطقة، فضلاً عن السعي إلى زعزعة الاستقرار وإقامة دويلات داخل كل دولة والتعامل معها وليس مع السلطات الشرعية في العديد من دول المنطقة، فالصراع مع إيران لا يزال قائماً.

ما يحصل حالياً هو إنهاء الملف النووي ووضعه جانباً، مع الإشارة إلى أنّه في التسعينات لم يكن مطروحاً، إلى أنّ عاد وطُرح بهذه الحدّة بعد العام 2002. والغرب الآن يأمل عبر الحوار مع إيران، وزيادة الاستثمارات فيها، أن تعمد إلى تغيير مواقفها لتصبح معتدلة أكثر، أي أنّ ما تغيّر الآن هو وجود الحوار مع إيران. وهذا ما يعوّل عليه الغرب. حلفاء إيران يقولون إنّها ستدعمهم أكثر بعد العزلة، والعامل الداخلي سيؤثّر بحيث إنّ الرئيس حسن روحاني وفريقه يهمهما الاقتصاد والانفتاح الدولي في حين أنّ مرشد الثورة والحرس الثوري قد تكون لديهما أولويات أخرى، أي الدور الإيراني في المنطقة. لكن هذا يعتمد على حياة المرشد وكيف ستتطوّر الأمور.

في الوضع الحالي، إيران لا تزال على مواقفها، والغرب أيضاً، والجديد في كل ذلك هو الحوار معها فقط. وعلى الرغم من هذا الحوار والطلب إليها أن تؤدّي دوراً إيجابياً في ملفات المنطقة، فإنّها لم تفعل، في الملف اللبناني والرئاسي تحديداً، وليست مستعجلة لتسهيل حصول انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي الملف السوري تريد نفوذاً، وكذلك في الموضوع اليمني. وهي تربط الوضع اللبناني بهذين الملفين، فضلاً عن أنّها تعمل لإضعاف مؤسّسات بعض الدول في المنطقة وخلق ميليشيات موازية.

داخل الولايات المتحدة نقاش حادّ يتعلق بمسألة أنّ واشنطن عقدت اتفاقاً مع طهران حول الملف النووي، لكنها لم تفعل أي شيء حيال نشاطاتها في المنطقة، وهي ماضية في مشروعها. فقد تم عزل «النووي» عن بقية الملفات. وثمّة رأي في واشنطن يقول إنّ الاتفاق أدى إلى تقوية إيران، وعلى واشنطن والغرب أن يدعما حلفاءهما في المنطقة لكي يتمكنوا من مواجهة الدولة الفارسية. لكن كل التقديرات تشير إلى أنّ العزلة ستُرفع عن إيران إنّما ليس بالقدر الذي ستتمكن بعده من أن تضع المنطقة في جيبها.

وتعتبر المصادر أنّ من المبكر ظهور النتائج النهائية السياسية للاتفاق النووي، وانعكاساته على مواقف الدول في المنطقة، ولن تسلّم كل دولة أوراقها بسهولة، لا بل أنّها ستحتفظ بها لأطول مدة ممكنة. ومن بين هذه الأوراق ورقة الرئيس السوري بشار الأسد بالنسبة إلى إيران، ومصيره سيكون محور بحث بين واشنطن وموسكو وطهران في مرحلة لاحقة.