كتبت رولا حداد:
لم يكن ينقص لبنان إلا ترقّب ترددات إعدام المملكة العربية السعودية للمعارض الشيعي الذي تتهمه بالإرهاب الشيخ نمر باقر النمر، ليكتمل المشهد في الداخل. وكأنه لا يكفي “وطن الأرز” أن يكون أسير الحرب الثورية منذ العام 2011، وأسير الوصاية السورية منذ الـ1975 وحتى الـ2005، ورهينة سلاح “حزب الله” حتى إشعار آخر، ليأتي اغتيال النمر في لحظة إقليمية مشتعلة، ما يهدّد الاستقرار الهش الذي كان ينعم به لبنان!
المشكلة التي تعانيها إيران في الأشهر الأخيرة أنها لم تعتد على مواجهة مملكة عربية سعودية تتخذ قرارات المواجهة على أعلى المستويات. فإلى ما قبل وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز كانت طهران تتعامل مع الرياض على قاعدة أنّ السعودية لن تقدم على المواجهة، وستقدّم التنازل تلو الآخر حفاظاً على الاستقرار في الشرق الأوسط والخليج، في حين أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت تتعامل دائماً وفق سياسة القضمات المتتالية.
ما تغيّر بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز والتغييرات الجذرية على صعيد القيادة السعودية، هو أن ثمة من بات يتخذ قرارات حازمة على مختلف المستويات، عسكرياً ودبلوماسياً، في مواجهة التمدد الإيراني، وخصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية، وبعدما حاولت تحقيق استثمار مبكر للاتفاق النووي بقيادة انقلاب حوثي في اليمن، وبعدما تباهى قادة الحرس الثوري بأنهم باتوا يسيطرون على 4 عواصم عربية.
هكذا اتخذت الرياض قرارات حاسمة في أكثر من ملف، فكانت “عاصفة الحزم” العربية في اليمن والتي شكلت مفاجأة غير مسبوقة للإيرانيين وبرهنت أن السعودية مستعدة للقتال عسكرياً وبشكل مباشر للحفاظ على مصالحها العليا. وكان القرار بدعم المعارضة العسكرية السورية بشكل واضح فتابع العالم فاعلية صواريخ “التاو” في الميدان السوري، وهذا ما جعل جيش النظام السوري مدعوماً من “حزب الله” والحرس الثوري ومؤخرا الجيش الروسي غير قادرين مجتمعين على تحقيق أي تقدّم يُذكر على الأرض. كما كان القرار الواضح بعدم ترك العراق فريسة الطموحات الفارسية.
واستكمالا للمواجهة الخارجية التي قادتها الرياض، يأتي قرار إعدام الشيخ نمر باقر النمر ليوازي بأهميته قرار إطلاق “عاصفة الحزم” في اليمن، وليوجّه رسالة واضحة للإيرانيين بأن زمن العبث خارج حدودهم انتهى.
أمام هذا الواقع المستجدّ لا يبدو الإيرانيون في وضع يُحسدون عليه، وهذا ما دفع القيادة الإيرانية، بعد ساعات على إعلان الداخلية السعودية عن إعدام النمر، بـ”السماح” باجتياح السفارة السعودية في طهران في مؤشر واضح الى قرار الردّ على اعدام النمر، والذي لن يقتصر حتماً على إحراق سفارة الرياض في طهران.
من هنا يبدو أن على اللبنانيين ترقّب مسار ردّ الفعل الإيراني على القرار السعودي، والذي قد لا يكون لبنان بعيداً عنه كساحة تمتلك فيها طهران أهم أوراقها الميدانية الخارجية والتي تتمثل في “حزب الله” الذي سارع الى استنفار الردود الشيعية على الخطوة السعودية بإعدام النمر.
وهكذا يجد لبنان نفسه من جديد أسير المواجهة الإقليمية، فبعدما دفع الأثمان الكبيرة نتيجة إصرار إيران باستعمال “حزب الله” للدفاع عن بشار الأسد ونظامه، ورغم ان الأسد انتهى سياسياً رغم أنه لا يزال في “قصر المهاجرين” بفعل الأوكسيجين الروسي، قد يكون لبنان عرضة لاستعمال ساحته للردّ على إعدام النمر. وكأنه قدر لبنان واللبنانيين أن يدفعوا الأثمان الباهظة، مرة للدفاع عن الأسد ومرة ثانية للانتقام لإعدام النمر في ظل مواجهة إقليمية – مذهبية تنذر بالأسوأ!