IMLebanon

شبح هجمات باريس يطارد موسم الاحتفال برأس السنة

paris-eiffel
مايكل ستوثارد

أسواق رأس السنة في باريس في جادة الشانزيليزيه لديها كل ما يُمكن أن يأمل به السائح. هناك حلزونات في زبدة الثوم، وباتيه الخنزير البري، ونبيذ بنكهات وجبنة محلية، جميعها موجودة على أنغام أغاني جورج براسينز الطرِبة.

المشكلة هي أنه بعد أكثر من شهر من الهجمات الإرهابية في باريس التي خلفت 130 قتيلا ودولة في حالة صدمة، كان هناك عدد قليل من الناس للاستمتاع بها.

جان بيير، الذي يُدير منصّة تبيع مجموعة ملونة من النوجا الملأى بالقهوة والتين والكراميل المُملح، يقول إن الأعمال انخفضت بنسبة 60 إلى 80 في المائة عن العام السابق والمزاج ليس بهيجا كما كان.

ويضيف أنه أثناء توزيع لقمة مجانية لبعض الأطفال الفرنسيين المارّة: “إن الأمر كئيب؛ الأعمال بطيئة، والجميع مكتئب. ولا يوجد أي أحد يرتدي زي بابا نويل – في كل عام يرتدي الناس زي بابا نويل في الشوارع، لكن هذا العام لم أشاهد شخصا واحدا”.

جان ميشيل، الذي يبيع الكاليسون، وهو خليط من الفواكه واللوز المطحون المشهور في مدينة إكس في بروفينس، يقول: “الأمور ليست جيدة هذا العام، فهناك عدد أقل من الزبائن. أنا اعتقد أن الأمر يحتاج إلى شهرين أو ثلاثة أشهر حتى ينتعش مرة أخرى، لكننا لن نكون موجودين بحلول ذلك الوقت”.

ليس سوق عيد الميلاد السنوية وحدها من يروي قصة حزينة. حيث تراجع إشغال الفنادق بنسبة 30 نقطة مئوية بعد الهجمات، وذلك وفقا لمكتب العمدة، الأمر الذي جعل الفنادق مجرد نصف ممتلئة لعدة أسابيع. معدلات الحجز الجديدة لا تزال منخفضة بنسبة 15 في المائة.

انخفضت حجوزات رحلات الطيران الجديدة إلى باريس بنسبة 30 في المائة أيضا، وذلك وفقا لمجموعة التحليلات، فورووردكيز، مع بلدان مثل اليابان والبرازيل من بين الأكثر تضرّرا.

الأسبوع الماضي، خفّض المعهد الوطني للإحصاءات في فرنسا تقديراته للنمو الاقتصادي إلى النصف لتُصبح 0.2 في المائة في الربع الرابع، من 0.4 في المائة في السابق، ويرجع ذلك جزئيا إلى تأثير الهجمات.

في الطرف الحاد لهذا توجد المطاعم والنوادي، حيث انخفضت المبيعات بنسبة 30-40 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. تضرّرت هذه الأعمال بسبب عدم وجود السيّاح، لكن أيضا بسبب موقف أكثر هدوءا من سكان باريس.

جان فرانسوا مارتان، نائب عمدة باريس للرياضة والسياحة، يقول: “هناك نقص في عدد السيّاح، لكن سكان باريس ليسوا أيضا في مزاج للقيام بأمور تتعلق بعيد الميلاد. أنا أعتقد أن الأمور سوف تتحسّن، لكنها ستستغرق بعض الوقت”.

هرعت الأُسر الفرنسية للشراء في اللحظة الأخيرة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي: سجّل جاليري لافاييت، متجر التجزئة القريب من دار الأوبرا القديمة، ارتفاعا بنسبة 15 في المائة في المبيعات مقارنة بعطلة نهاية الأسبوع نفسها من العام السابق، لكن هذا من غير المرجح أن يعمل على تعويض النشاط المنخفض في الأسابيع السابقة. مباشرة بعد الهجمات، انخفض عدد العملاء في المتجر بنسبة 50 في المائة.

انتعش عدد الأشخاص الذين يأتون إلى باريس من أجل الأعمال، في حين انخفض بشكل حاد بعد الهجوم، لكنهم جاؤوا بنوع من التهيب ووجدوا المدينة في حالة الطوارئ.

روبي، مُضيفة طيران أمريكية تشرب الشمبانيا مع الأصدقاء في سوق عيد الميلاد، قالت إنهم كانوا “جميعا متخوفين للغاية” بأن يأتوا إلى باريس وأن تشديدات الأمن الإضافية كانت تجعلهم متوترين قليلا. خلفهم كان ستة جنود يقومون بدوريات في السوق يرتدون زي القتال الأخضر، ودرعا واقيا ثقيلا ويحملون بنادق هجومية.

تساءلت مُشيرة إلى الجنود: “هل هذا ضروري فعلا؟” وأضافت أنه تم فحص حقائبها على الطريق إلى الفندق الذي تُقيم فيه، إنها أول مرة ترى أيا من هذا يحدث.

جون وكريس، شخصان أمريكيان جاءا بداعي العمل يلتهمان طبق البطاطا المهروسة، قالا إن زوجتيهما لم تكونا سعيدتين بأنهما ذاهبتان إلى باريس، وأضافا أن “المدينة تبدو قليلا كأنها نيويورك بعد أحداث 11/9”. برونو بلانكايرت، رئيس اتحاد CSCAD للنوادي والمسارح والحانات في باريس، يقول إن الأعمال من السيّاح انخفضت بنسبة 80 في المائة هذا الموسم، وهذا أمر سيئ بشكل خاص، لأن هذه الفترة تُمثّل 20-30 في المائة من الإيرادات السنوية.

في الوقت نفسه، يضطر القطاع لإنفاق ما يصل إلى 30 في المائة أكثر على الأمن. يقول بلانكايرت: “نحن بحاجة إلى المزيد من الأمن لأننا بحاجة إلى طمأنة الناس، الذين لا يزالون قلقين بعض الشيء. إذا بدأوا بالشعور بالقلق، فلن يقضوا وقتا ممتعا ولن يعودوا”.

أكبر عدد من الضحايا في هجمات باريس كان في ملهى باتاكلان، حيث إن ثلاثة مسلّحين قتلوا 90 شخصا خلال الحفل الذي تُحييه الفرقة الأمريكية إيجلز أوف ديث ميتال.

يُضيف مارتان أن هناك ثلاث مراحل لأي مدينة بعد التعرّض لهجوم، وذلك وفقا لبحث تم طلبه بعد هجمات الحوادث الإرهابية المماثلة في لندن ومدريد. المرحلة الأولى هي مرور أسبوع أو أسبوعين من الخوف، عندما يُلغي الناس الحجوزات بشكل جماعي ويخرجون بشكل أقل بكثير من السابق. ثم هناك فترة من النشاط الضعيف، يتلاشى على مدى فترة من ستة إلى تسعة أشهر. بعد ذلك تعود الأمور بشكل تقليدي إلى وضعها الطبيعي.

وتشير أرقام حجوزات رحلات الطيران إلى أن باريس لا تزال في المرحلة الثانية، على الرغم من أن أوليفييه جاجر، الرئيس التنفيذي لمجموعة فورووردكيز، يقول إن البيانات تُظهر انتعاشا مُعتدلا في الأيام القليلة الماضية.

تحاول المدينة الإسراع في العودة إلى الحياة الطبيعية، حيث سيُطلق مكتب العمدة حملة إعلانية دولية في العام المُقبل عن المدينة. لم يتم اختيار الشعار لكن الفكرة هي، كما يقول مارتان une fête Paris est toujours “باريس دائما عبارة عن عيد”.

هذه العبارة هي عنوان الترجمة الفرنسية لكتاب إرنست هيمنجواي عن باريس، بعنوان “احتفال متنقل”. أصبح الكتاب من الكتب الرائجة في فرنسا بعد الهجمات.