تروج اللوحات الإعلانية في شوارع العاصمة القاهرة للرسالة التالية “نحن نغير خريطة العالم”، وفي المطار يختم الموظفون على جوازات سفر الزوار بختم لصورة باخرتين تبحران متقابلتين، وعليه نقش مفاده “هدية مصر إلى العالم”.
وافتتحت مصر في آب/أغسطس، بحضور كبار الشخصيات الزائرة ووسط حماس وطني كبير أججته وسائل الإعلام، التوسعة الجديدة في قناة السويس التي تسمح لحركة المرور بأن تسير في الاتجاهين، وتقليل فترات الانتظار للسفن.
لكن حالة من عدم يقين بشأن الجدوى الاقتصادية لاتزال تخيّم على المشروع الذي يبدو أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يعلق عليه الكثير من الهيبة القومية والآمال الاقتصادية.
ومنذ إطلاق مشروع التوسعة الجديد للقناة، انخفضت إيرادات القناة من 462 مليون دولار في آب/أغسطس إلى 449 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الاول، وهو ما يعكس العوامل التي كان لها تأثير على التجارة العالمية، مثل تباطؤ الاقتصاد في الصين وضعف أسعار السلع والنفط.
وكان القيمون على المشروع قالوا إن من شأن التوسعة أن تزيد الإيرادات السنوية للقناة إلى أكثر من الضعف، من متوسط قدره حوالي 5 مليارات دولار الى ما لا يقل عن 13 مليار دولار بحلول 2023.
لقد تم تمويل الخطة التي تبلغ قيمتها 8.6 مليارات دولار بالكامل عن طريق الاكتتاب العام، وتم ضغطها وتقليص تنفيذها لسنة واحدة بدلا من ثلاث سنوات في البداية، في محاولة للإشارة الى قوة الإرادة السياسية، في الوقت الذي تكافح فيه البلاد حالة من عدم اليقين السياسي واقتصاد بطيء غير قادر على إنتاج ما يكفي من الوظائف لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان.
وعمل آلاف من الأشخاص على مدار الساعة باستخدام أكبر الحفارات في العالم على حفر أكثر من 250 مليون متر مكعب من الرمال للتوسعة. العمل، الذي ينطوي على توسيع وتعميق الممر المائي وحفر قناة بطول 34 كيلو مترا بالتوازي مع ذلك، قلل من وقت إبحار السفن من حوالي 18 ساعة إلى 11 ساعة.
ويعتبر هذا الممر المائي بالفعل الطريق الأسرع بين آسيا وأوروبا.
ويقول خبراء الشحن أن التحسينات التي أدخلت على البنية التحتية للقناة لابد أن تجذب حركة مرور إضافية للسفن، لكن عدد السفن يعتمد، في نهاية المطاف، على التجارة العالمية.
وتقول وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن القناة ستساعد على زيادة إيرادات الحكومة المصرية على المدى المتوسط، لكن تحقيق الفوائد والمزايا سيستغرق وقتا، وسيعتمد ذلك على الاتجاهات في التجارة العالمية.
وتضيف الوكالة إن التوقعات أن يصل دخل قناة السويس إلى 13 مليار دولار بحلول 2023 يستند الى افتراض وجود انتعاش حاد بعيد الاحتمال في نمو التجارة العالمية، وتضاعف عدد السفن التي تستخدم القناة الى 97 يوميا من حوالي 50 حاليا.
تاريخيا، تظهر إيرادات قناة السويس وجود علاقة قوية جدا مع التجارة العالمية، التي يجب أن تنمو بنحو %10 سنويا بين 2016 و2023 لتحقيق الإيرادات السنوية المتوقعة عند 13 مليار دولار.
ويتوقع مهاب مميش، نائب أميرال متقاعد ويرأس هيئة قناة السويس، أن يتضاعف عدد السفن التي تبحر عبر القناة بحلول 2023، ما يعني أن التوسع لتخفيض فترات الانتظار أمر حتمي ليحافظ الممر المائي على ميزته التنافسية.
ويقول إنه يسعى الى زيادة الإيرادات من خلال تقديم الخدمات البحرية للسفن العابرة. ويضيف أن “التجارة العالمية آخذة في الزيادة وأحجام السفن تزداد هي أيضا. وإذا كنت لا تستطيع التعامل مع هذا الوضع وتحويله إلى إيرادات للخزينة المصرية، فإن طرقا بديلة ستظهر للاستفادة من هذا النمو”.
وتوقعت منظمة التجارة العالمية في سبتمبر/أيلول نمو التجارة العالمية بنسبة 2.8 بالمئة في عام 2015، بعد تعديل توقعات سابقة لها عند 3.3 بالمئة. وحذرت منظمة التجارة العالمية من أن التوقعات لاتزال عرضة لمنظور ضبابي وغير واضح بالنسبة للاقتصاد العالمي.
ويقول نيل ديفيدسون، كبير المحللين في شركة دروري لاستشارات الأبحاث البحرية إن “تخفيض وقت الرحلة يجعل القناة أكثر جاذبية نسبيا، وهذا الأمر يتوقف على الرسوم التي ستُفرض. إذا افترضنا أن الرسوم هي نفسها أو أقل، فإن ذلك سيزيد جاذبيتها، لكن الوقت هو عامل واحد فقط ضمن عدد وافر من العوامل التي تؤثر في النتيجة. ولم تعلن مصر أي زيادة في الرسوم حتى الآن”.
ويقول ديفيدسون إنه من المرجح أن تواجه قناة السويس مزيدا من المنافسة على الشحن بين آسيا والساحل الشرقي للولايات المتحدة، مع وجود قناة بنما المقرر استكمال مجموعتها الخاصة من السدود والممرات بحلول أبريل/نيسان 2016 لتمكينها من استيعاب سفن الحاويات الكبيرة.
ويقول مسؤولون مصريون إن مشروع قناة السويس ينبغي أن يُنظر إليه في سياق خطة أوسع نطاقا، قوامها مليارات الدولارات لبناء مركز للصناعة والنقل تتمحور حول القناة وتشمل تطوير الموانئ البحر الست على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر الموجودة في المناطق المجاورة لها. وتقول الحكومة إن ذلك سيؤدي الى توفير مليون فرصة عمل جديدة.
ولايزال مشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مرحلة مبكرة، لكن نجاحه يتوقف على قدرة مصر على جذب مستويات عالية من الاستثمارات في مجالات تتراوح بين الصناعات الخفيفة والثقيلة، إضافة الى خدمات مثل تموين السفن وإعادة التصدير وبناء السفن وإصلاحها.
ويقول يحيى زكي، مدير مكتب القاهرة لشركة دار الهندسة التي طورت الخطة الرئيسية لمشروع قناة السويس، الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس: مضاعفة الممرات في القناة سيجعل المنطقة أكثر جاذبية للشحن، وسيكون لها تأثير إيجابي في مشاريع النقل والمشاريع الصناعية.
وبضيف “إن متطلبات البنية التحتية للمرحلة الأولى حتى 2030 ستكلف 15 مليار دولار لتغطية الطاقة والصرف الصحي وتحلية المياه. وستكون هناك حاجة الى 20 – 25 مليار دولار أخرى لتطوير الموانئ و 15 مليار دولار للصناعات. وستكون الأولوية، وفقا لزكي، هي لتطوير ميناء شرق بور سعيد في المياه العميقة كمركز عادة الشحن وتوسيع البنية التحتية للمياه والكهرباء.
ويتابع “لدينا موقع عبقري، لكنه لا يترجم إلى قيمة مضافة بصورة فورية. كما أن لدى مصر اتفاقات للتجارة الإقليمية تساعد في زيادة جاذبيتها. هناك قوة عاملة جيدة واتصالات جيدة وشبكة طرق جيدة، وهناك منافذ يمكن تطويرها. ما هو مطلوب تدابير اقتصادية وجمركية وحوافز استثمارية”.